“أطفالي كانوا هنا يضحكون”.. نهر النيل يُخفي فرحة عائلة في ليلة ز”.

“أطفالي كانوا هنا يضحكون”.. نهر النيل يُخفي فرحة عائلة في ليلة ز”.

أسيوط- محمود عجمي:

كانت الشمس قد بدأت تميل نحو الغروب، تُلقي بأشعتها الذهبية على مياه نهر النيل الهادئة، إذ انقلبت تلك اللحظة الهادئة إلى كابوس لا يُنسى.

مساء أمس الإثنين، خرجت عائلة مكونة من 17 شخصًا من قرية الطوابية متجهة إلى قرية بني زيد الأكراد لحضور حفل زفاف، ضحكات الأطفال، وأحاديث النساء، وهمسات الفرح كانت تملأ الهواء داخل مركبة “تروسيكل” صغيرة، بالكاد تتسع لهم جميعًا، إذ لم يكن أحد يتوقع أن يتحول طريق الفرح إلى مأساة.

على الطريق الترابي الضيق بمحاذاة النهر، انزلقت المركبة فجأة، وصرخات الذعر ملأت المكان، وفي لحظة اختفى التروسيكل في أعماق النيل، ومعه 17 روحًا بين الحياة والموت.

انطلقت صرخة واحدة عالية من الحناجر قبل أن يبتلعها صوت ارتطام المركبة بالماء، للتحول الضحكات إلى فزع، والزغاريد إلى استغاثات يائسة في جوف الظلام.

تصارعت الأيدي والأقدام في محاولة للتشبث بالحياة، وسط فوضى عارمة لم تدم سوى دقائق، لكنها حفرت في الذاكرة جرحًا لن يندمل.

نجا 12 منهم بأعجوبة، بعضهم سبح، والآخر تم سحبه من قبل الأهالي الذين هرعوا على صرخات الاستغاثة، لكن 4 من أفراد العائلة، بينهم أطفال اختفوا في المياه، وطفل رضيع لفظ أنفاسه الأخيرة قبل أن يُنتشل جسده الصغير.

وقف رجلٌ أكل الحزن ملامحه على ضفة النهر، وعيناه معلقتان بقوارب الإنقاذ النهري التي تجوب المياه ببطء، كأنهما تبحثان عن بصيص أمل في الأعماق المظلمة، لم يفارق لسانه ترديد جملة واحدة بصوت مبحوح يخنقه الألم: “عيالي نزلوا هنا.. كانوا بيضحكوا.. كانوا فرحانين”.

قوات الإنقاذ لم تتوقف، 10 ساعات من البحث المتواصل، غطاسين يغامرون بأرواحهم، قوارب تمشط كل شبر من النهر، وأمل لا ينطفئ في قلوب الأمهات المنتظرات، إذ بدأت عمليات البحث المحمومة على ضوء الكشافات وسيارات الإسعاف والحماية المدنية والإنقاذ النهري التي هرعت إلى المكان، لم يمر وقت طويل حتى انتشلوا جسدًا صغيرًا، طفل رضيع لم يمهله القدر ليرى نور الصباح التالي، لتبدأ معه رحلة انتظار أليمة بحثًا عن أربعة آخرين.

مع بزوغ فجر الثلاثاء، تحول شاطئ النيل إلى خلية نحل، رجال الحماية المدنية والإنقاذ النهري، بزوارقهم ومعداتهم، يواصلون التمشيط الدقيق للمياه، بينما وقفت الأجهزة التنفيذية بالمحافظة بتوجيهات مباشرة من المحافظ في حالة استنفار قصوى. سيارات الإسعاف متأهبة.

محافظ أسيوط، اللواء هشام أبوالنصر، تابع الموقف لحظة بلحظة، وأصدر تعليماته بتوفير كل الدعم، من فرق الإنقاذ إلى سيارات الإسعاف، وحتى فرق الدعم النفسي والاجتماعي.

في القرية، خيم الحزن، لكن أيضًا ظهرت ملامح التضامن. الجيران فتحوا بيوتهم، النساء أعددن الطعام لفرق الإنقاذ، والشباب تطوعوا للمساعدة.