بعد اعتذار ماسك لترامب: من يحقق النصر في معركة المال والنفوذ؟

كتب – محمد جعفر:
بعد قرابة أسبوع من التراشق اللفظي والاتهامات المتبادلة بين اثنين من أبرز الشخصيات في المشهد الأميركي بشكل خاص والعالمي بشكل عام، الرئيس دونالد ترامب ورجل الأعمال الملياردير إيلون ماسك فاجأ الأخير متابعيه صباح اليوم بإعلان ندمه على بعض تصريحاته التي وجّهها إلى ترامب، واصفًا إياها بأنها “تجاوزت الحد”.
في تغريدة نشرها على حسابه بمنصة “إكس”، الأربعاء، قال ماسك: “نادم على بعض منشوراتي عن الرئيس ترامب، الأسبوع الماضي”، في إشارة إلى سلسلة انتقادات لاذعة كان قد شنها ضده، طالت مشروع الميزانية الذي يتبناه ترامب ووصفه ماسك حينها بـ”البشع والمثير للاشمئزاز”
ويأتي هذا التراجع بعد أن خفف ترامب بدوره من نبرته تجاه حليفه السابق، مؤكدًا أن علاقته برئيس “تسلا” كانت جيدة، متمنيًا له “كل الخير”، وعلى هذا جاء رد ماسك الذي لم يتأخر، إذ أرفق رمز “قلب” على فيديو لتصريح ترامب، في مشهد بدا وكأنه إشارة إلى تهدئة الأجواء.
فما الذي دفع ماسك إلى كبح جماح تصريحاته؟ ومن الفائز في صراع السلطة السياسية مع أصحاب الأموال؟ هذا ما يحاول التقرير استكشافه، في ضوء مسار العلاقة المعقدة بين الرجلين، من التحالف الظاهري إلى الصدام العلني، ثم إلى تهدئة مفاجئة.
هدوء مؤقت وكواليس أكثر تعقيدًا
في تقرير لـ”فورين بوليسي” الأمريكي، أشار إلى أن هذا التراجع المفاجئ أثار تساؤلات حول الأسباب الحقيقية خلف الانفجار الإعلامي الذي سبقه، وكذلك التداعيات المحتملة على علاقة اثنين من أكثر الشخصيات نفوذاً في الولايات المتحدة، مشيرًا إلى أن هذا “الهدوء المؤقت” يخفي خلفه قصة أكثر تعقيدًا من مجرد خلاف عابر بين حليفين سابقين، إذ إن ما تحقق فعليًا خلال الأيام الماضية هو انفصال حتمي كان متوقعًا منذ فترة بين ترامب وماسك.
فبعد أن لعب ماسك دورًا مؤثرًا في إدارة ترامب، من خلال رئاسته الفعلية لهيئة “كفاءة الحكومة”، وقيادته حملة لتقليص النفقات الحكومية بطرق مثيرة للجدل، بدأ مؤخرًا بانتقاد مشروع قانون الميزانية الذي يتبناه ترامب، واصفًا إياه بأنه “ضخم وشائن ورجس يثير الاشمئزاز”، ما أشعل فتيل مواجهة كلامية حادة عبر منصات التواصل الاجتماعي.
معركة غير متكافئة
أوضح تقرير أن تلك الحرب الكلامية لم تكن مجرد خلاف في الرؤى، بل بداية لانفصال فوضوي وعلني، يُتوقع أن يكون له تأثيرات سلبية على سمعة الرجلين وعلى صورة الولايات المتحدة كمركز ديمقراطي حر، وبينما قد يخرج ترامب من هذه المواجهة بأقل الأضرار، يبدو أن ماسك، بتشابك مصالحه التجارية الضخمة، على وشك خوض معركة غير متكافئة، ستختبر توازن قوته بين المال والسياسة.
يعكس هذا الصراع نموذجًا يتكرر في أنظمة حكم استبدادية حول العالم، حيث تميل الكفة لصالح السلطة السياسية في كل مرة يصطدم فيها نفوذ رجال الأعمال بالحكم، من الصين إلى روسيا والهند، تشير التجارب إلى أن المليارديرات الذين يتحدّون السلطة غالبًا ما ينتهون إلى التهميش، أو النفي، أو ما هو أسوأ.
وحسب وصف التقرير، فإن سلوك ماسك يعكس وهمًا بالقوة شائعًا بين بعض النخب الاقتصادية العالمية، ممن يظنون أن ثرواتهم ونفوذهم كافيان لمواجهة أي مؤسسة، بما في ذلك الدولة، لكن التاريخ السياسي الحديث من رجل الأعمال الصيني الشهير جاك ما في الصين إلى نظيره ميخائيل خودوركوفسكي في روسيا، يبرهن أن مثل هذه المواجهات لا تنتهي لصالح رجال الأعمال، بل تُستخدم غالبًا لتأكيد هيبة الدولة وتعزيز سلطتها.
ترامب يملك الأوراق الرابحة
في هذه المواجهة، يمتلك ترامب العديد من الأدوات السياسية للرد، من فتح تحقيقات ضريبية، إلى إلغاء عقود حكومية، أو حتى شن حملات إعلامية عبر منصاته الواسعة التأثير، وتكشف هذه الأدوات عن ديناميكية جديدة في العلاقة بين السلطة السياسية ونخب المال، حيث لم يعد الرؤساء التنفيذيون بمنأى عن ضغوط الدولة، خصوصًا في ظل شعبوية متزايدة تستهدف الشركات العملاقة.
قد يخرج ترامب من هذه المعركة وقد عزز صورته كزعيم قوي لا يسمح بتحديه، بينما يجد ماسك نفسه أمام خسارة سياسية واقتصادية ومعنوية، في مشهد قد يبعث برسالة تحذيرية إلى باقي رؤساء الشركات: “لا تتحدَّ الرئيس”.
من يملك السلطة حقًا؟
تكشف هذه الأزمة عن سؤال جوهري: من يملك السلطة الحقيقية في الديمقراطيات المعاصرة؟، إذ يُعيد هذا الصراع رسم حدود العلاقة بين رأس المال والسياسة.
وبينما يتراجع ماسك علنًا، ويقدّم “رمز قلب” كرد على تهدئة ترامب، تبقى الحقيقة أن ما حدث ليس مجرد خلاف عابر، بل اختبار حقيقي لتوازن القوة في أمريكا ما بعد ترامب، وإذا كان ماسك قد تعلم شيئًا من هذا السجال، فهو أن في حربه مع السياسة، لن تكفيه صواريخ “سبيس إكس” أو سيارات تسلا الكهربائية، بل عليه أن يتهيأ للعب وفق قواعد لم يصنعها.