عندما انطفأ صوت الكروان وابتعد نجم الملاعب.. سندنهور تودّع الأخوين أحمد ومح

كتب- محمود الشوربجي:
لم تكن أيام عيد الأضحى هذا العام كسابقتها في قرية سندنهور، التابعة لمركز بلبيس بمحافظة الشرقية، فبدلًا من أصوات التكبير والفرحة، خيم صمت ثقيل، وارتفعت أصوات البكاء، وساد وجوم لا يُوصف.
ففي ظرف 48 ساعة فقط، فقدت القرية شقيقين، كانا من رموزها، وسكنى قلوب شبابها وكبارها على السواء.
في رابع أيام عيد الأضحى، فُجع الأهالي بخبر وفاة أحمد ماهر، أو كما يعرفه الجميع “عم أحمد”، الرجل الذي ارتبط اسمه بذكريات لا تُنسى، وبصوتٍ لا يُخطئه أحد.
فكان مذيع الدورات الصيفية لكرة القدم في سندنهور، وهو الدور الذي لم يكن مجرد إعلان عن المباريات، بل كان احتفالًا بالروح الرياضية، وبالقرية نفسها. كان صوته يحمل نبرة فريدة، مزيج من الحماس والبهجة والانتماء، كانت القرية كلها تعرف أن الصيف قد بدأ، حين يُسمع صوته عبر مكبرات الصوت، معلنًا انطلاق المباريات، ومشعلًا الحماسة في قلوب الصغار قبل الكبار.
لكن في هذا العيد، لم يُسمع الصوت ولم يُعلن أحد بداية شيء، بل كان الرحيل هو العنوان، فقد رحل “عم أحمد” وكأن الزمن قد توقف احترامًا لرحيله.
قلبٌ لم يحتمل الفقد… فلحق بأخيه
لم تمضِ سوى 48 ساعة فقط على رحيل “عم أحمد”، حتى جاء الخبر الثاني، الذي لم تحتمله القلوب بوفاة شقيقه الأصغر محمد ماهر.
محمد الشقيق الأصغر، كان أكثر من أخ، فكان يرى في أحمد أبًا ورفيقًا وضلعه الثابت، لم يتحمل فراقه في الليلة الأولى بعد الوفاة، الجميع حاول أن أواسيه، لكن عينيه كانتا تشهدان على حزنٍ لا يُوصف، وكأن قلبه قرر أن يُغلق أبوابه على الحياة.
لم يحتمل “محمد” ألم الفقد، فاختار الرحيل إلى نفس الطريق، إلى حيث أحمد ينتظره، وكأن بينهما وعد ألا يفترقا حتى في الموت.
محمد الذي كان لاعبًا في صفوف فريق سندنهور، كان يحمل في قدميه موهبة، وفي قلبه وفاءً نادرًا. عرفه الجميع عن قرب، فلم يكن في يوم مجرد زميل فقط، بل كان الركيزة التي يلجأ إليها الجميع وقت الضيق. حين يعجز الكلام عن وصف الموقف، كان هو الحاضر دون أن يُطلب، يد تمتد لتساعد، وكلمة طيبة تُطمئن، وابتسامة صادقة تخفف أثقال الأيام. لا يخذل من قصده يومًا، ولا يعرف التهرب من مسؤولية أو طلب.
محمد لم يتحمل غياب شقيقه، وكأن فراق “أحمد” كسر شيئًا عميقًا بداخله، رحل سريعًا بهدوء، تاركًا خلفه دموعًا وذكريات.
القرية بأكملها دخلت في حالة من الحزن العميق، فالجدران التي اعتادت أن ترتد صدى صوت أحمد، والملاعب التي شهدت تألق محمد، أصبحت صامتة باهتة وكأن جزءًا من روح سندنهور قد غاب.