أزمة كاليفورنيا تشمل 37 مدينة أمريكية.. هل ستتفاقم الأوضاع؟

كتبت- سلمى سمير:
لا تزال حرائق الاحتجاجات التي أشعلتها أزمة المهاجرين في الولايات المتحدة متقدة جراء سياسات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، التي شرع في تنفيذها منذ اليوم الأول لتنصيبه 20 فبراير من العام الجاري، فبعد أن كانت التظاهرات منحصرة في ولاية كاليفورنيا بمدينة لوس أنجلوس فقط امتدت وطالت عدد من الولايات الأخرى انضمت للركب الرافض لسياسات الرئيس الجمهوري ضد المهاجرين.
اندلعت المظاهرات تقريبا في جميع أنحاء أمريكا، مع الإبلاغ عن مشاركة 37 مددينة أمريكية من 21 ولاية على الأقل في الاحتجاجات، والتي يرجح أن تزداد حدتها أكثر مع التخطيط لتنظيم سلسلة من المظاهرات المناهضة لترامب تحت شعار “لا للملوك” في مئات المدن في جميع أنحاء البلاد، بالتزامن مع عرض عسكري كبير في واشنطن بمناسبة الذكرى الـ250 لتأسيس الجيش الأمريكي.
هل ستتصاعد الاحتجاجات؟
دخلت أزمة التظاهرات الموجودة في لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا وامتدت لعدد من المدن، يومها السادس، مع فرض حظر للتجوال في لوس أنجلوس، ونزول قوات المارينز، بنحو سبعمئة جندي، وزيادة عدد الحرس الوطني إلى أربعة آلاف ومئة، وهي الإجراءات التي يقول المحلل السياسي المختص في الشأن الأمريكي، الدكتور ماك شرقاوي، في تصريحات خاصة لـ “مصراوي”، إنها خطوات تصعيدية من الحكومة الفيدرالية ومن الرئيس دونالد ترامب، والتي يقويها تصريحاته الأخيرة، التي وصف فيها المتظاهرين بالخونة، ووصفهم بالمتآمرين، وأنهم يحتلون مدينة لوس أنجلوس، وأن القوات الفيدرالية والمارينز سوف “تحرر” المدينة.
وأضاف شرقاوي، أن كل هذه التصريحات النارية، بالتأكيد، ستؤجج الاحتجاجات أكثر، خاصة وأن هذه التظاهرات بدأت من أجل الحريات، وكانت “سلمية”، إلا أنه تمت مواجهتها بالقوة، مشيرا إلى أنه في بداية الأزمة، عندما تحركت إدارة شرطة الهجرة في ولاية كاليفورنيا دون التنسيق مع الولاية، سواء مع الحاكم أو عمدة مدينة لوس أنجلوس – كارن باس – بدأت بالقبض العشوائي على كل من له ملامح أو مظهر لاتيني داخل مقاطعة لوس أنجلوس، وتم القبض على الكثير من المهاجرين غير الشرعيين.
ولم تقتصر الاعتقالات على المهاجرين غير الشرعيين فقط، بحسب شرقاوي، بل أيضًا على من لديهم حق الإقامة الدائمة في الولايات المتحدة الأمريكية، أي من يحملون “البطاقة الخضراء”، قائلا إنه تم القبض عليهم أيضًا ووُضعوا في مراكز الاحتجاز مع الآخرين، فقط لأن بشرتهم أو ملامحهم إسبانية، أو من أصول مكسيكية، أو من أمريكا اللاتينية، وهو ما تسبب في الغضب وتأجيج الأوضاع بهذا الشكل المتصاعد، محذرًا من أن الأمور قابلة للاشتعال أكثر وأكثر.
من جانبه، صرح الدكتور مهدي عفيفي، المحلل المختص في الشأن الأمريكي، في تصريحات خاصة لـ “مصراوي”، أن التظاهرات الحالية، ستزداد بشكل أكبر إن لم يتراجع ترامب عن إرسال القوات الفيدرالية، مشيرا إلى تمدد التظاهرات إلى كبرى مدن الولايات المتحدة الأمريكية، إضافة للتجهيز لتظاهرات أكبر إن لم يتم سحب القوات الفيدرالية.
وتابع عفيفي، أن هذه المرة هي الأولى في التاريخ الأمريكي التي يقوم فيها رئيس أمريكي بتخطي سلطات حاكم الولاية، حيث ينص قانون الولايات المتحدة الأمريكية على أن البلاد عبارة عن خمسين ولاية داخل إطار فيدرالي، لكن في كل ولاية، يكون الحاكم هو المسؤول عن طلب قوات حفظ النظام، قائلًا إن تدخل قوات المشاة البحرية مكانهم في الحروب، وليس في التظاهرات؛ حيث تكون الشرطة المحلية هي المخولة بالتعامل مع التظاهرات.
ومن أسباب هذه الأزمة، باعتقاد عفيفي، أنه عندما يكون هناك مطلوبون سواء في قضايا جنائية أو في مسائل تتعلق بالهجرة، يتم التنسيق بين الحكومة الفيدرالية والولاية للقبض على هؤلاء. لكن أوامر ترامب كانت تتجنب الشرطة الخاصة بالولاية، وتتم بدون التنسيق معها، مما أدى إلى ما تفاقم الأزمة.
ولم يأت تفاقم الأزمة من فراغ، خاصة مع امتلاك ترامب عداء شخصي مع حاكم ولاية كاليفورنيا منبع التظاهرات، فيقول عفيفي، إن ترامب يعتبر أن ولاية كاليفورنيا لم تدعمه في الانتخابات، وأن الولاية تخرج عن طوع قبول ما يقوله ترامب، مؤكدًا أنه إن لم تتراجع القوات الفيدرالية أو تنسق مع الشرطة المحلية، سواء في كاليفورنيا أو غيرها، ستستمر هذه التظاهرات، وقد تتسع.
هل تؤثر التظاهرات على ترامب؟
وفيما إذا كانت هذه التصعيدات من الممكن أن تؤثر على وجود ترامب، أكد شرقاوي، أن هذه الاحتجاجات الواسعة، لن تؤثر على وجود دونالد ترامب في السلطة، مستدلًا على ذلك بمحاولة عزل الرئيس الجمهوري، في ولايته الأولى عندما كانت الأغلبية للحزب الديمقراطي في مجلس النواب، واستطاعوا أن يمرروا إجراءات العزل بالفعل، إلا أن إجراءات العزل في الولايات المتحدة الأمريكية تتم على مرحلتين: يقوم فيهم مجلس النواب، الذي يلعب دور الادعاء، أي دور النيابة العامة، بتقديم الاتهامات ويتم التصويت على توجيه الاتهام للرئيس في الكونجرس الأمريكي، وإذا وافق الكونجرس بالأغلبية البسيطة، يتم تقديم الرئيس للمحاكمة أمام مجلس الشيوخ الأمريكي.
أما مجلس الشيوخ الأمريكي، فالأغلبية فيه جمهورية اليوم، إذ يملك تقريبًا 53 مقعدًا مقابل 47 مقعدًا من أصل 100 في مجلس الشيوخ. وتُعقد المحاكمة برئاسة رئيس المحكمة العليا الدستورية الأمريكية، ويترأس الجلسة، ويجب أن يتم التصويت بثلثي أعضاء مجلس الشيوخ، أي يجب أن يوافق 67 عضوًا في مجلس الشيوخ على إدانة ترامب. وبموجب هذا يتم عزله. لكنهم لم يستطيعوا مرتين خلال الدورة الأولى أن يقوموا بعزل الرئيس ترامب.
لذلك، يرى شرقاوي، أن هذه الإجراءات لن تؤثر، معتبرا أن سلطات دونالد ترامب سلطات قوية في الولايات المتحدة الأمريكية.
هل يحتوي ترامب الموقف؟
وفيما إذا كان الرئيس الجمهوري، سيسعى لاحتواء الموقف، صرح دكتور شرقاوي، أنه لا يعتقد، أن دونالد ترامب يريد أن يحتوي الموقف، لأنه يريد أن يُثبت أنه رجل الحسم، وأنه الرجل القوي الذي سوف يفرض القانون في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما بدوره سيعمل على اتخاذ إجراءات تصعيدية تليها إجراءات تصعيدية.
ولا يقتصر الأمر على رغبة ترامب في إثبات أنه رجل الحسم فحسب، بحسب شرقاوي، بل يرى، أنه هناك خلفيات انتخابية أيضًا؛ فالحزب الجمهوري يريد أن يرسّخ في أذهان الأمريكيين أن الرئيس ترامب والحزب الجمهوري يريدان حماية الولايات المتحدة الأمريكية وإنقاذها من المهاجرين “غير الشرعيين”، وهذا بالتأكيد سيدعم انتخابات التجديد النصفي القادمة في عام 2026، حتى لا يفقد السيطرة على الكونجرس بغرفتيه: النواب والشيوخ.
وأضاف، أنه لا يعتقد أن الأحداث ستنتهي سريعًا، وذلك مع اقترابها من نقطة التصعيد أكثر من التهدئة. ولكن في المحصلة، لن تؤثّر على الرئيس ترامب.
أما مهدي عفيفي فيرى، أن مسألة أن يرغب ترامب أو لا يرغب في التهدئة، هي في الحقيقة ليست من صلاحياته. قائلًا إن المشكلة الآن أن الجمهوريين يدعمون ترامب بكل شكل من الأشكال، لأنهم يسيطرون على مجلس الشيوخ، ومجلس النواب، والبيت الأبيض. لذلك، لا يجرؤ أحد على الاعتراض على ما يقوم به ترامب.
وأوضح عفيفي، أنه إذا أراد ترامب احتواء الأزمة، فيجب أن تخرج قوات المارينز أو القوات البحرية والمنشآت البحرية الأمريكية، وأن تترك العملية – كالعادة – لحاكم الولاية وشرطة الولاية للتعامل مع هذه القضية.
وأضاف مهدي، أنه لا بد من التنسيق بعد ذلك بين المؤسسات الخاصة بالهجرة والشرطة المحلية، من دون إظهار هذه القوة المفرطة، ولا نشر قوات تُشبه الجيش للقبض على المتظاهرين، قائلًا إن هؤلاء مهاجرين غير نظاميين، لكنهم ليسوا عصابات مثلًا أو يشكلون تهديدًا يستدعي هذه القوة المفرطة.
وأكد عفيفي، أن العرض الذي قامت به القوات الأمريكية بسبب ترامب، هو الذي أدى إلى ردة الفعل الحالية، مشيرا إلى وجود أطرافًا من العقلاء، سواء من الديمقراطيين أو الجمهوريين، يمكن أن تثني ترامب عن الاستمرار في هذه الطريقة، لأن هذا الاستمرار قد يؤدي إلى اشتعال مشاكل كبيرة في الولايات المتحدة.