قافلة المقاومة: الهدف لا يبرر الوسيلة

قافلة المقاومة: الهدف لا يبرر الوسيلة


جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

الغاية لا تبرر الوسيلة.

وعندما يقف العالم على حرفٍ، كما هو الآن. لا تكون للوسائل الخاطئة موضع على الطاولة، لن تفهم إلا بحالها، ولن ترى نبل الغاية.

***

تتحرك قافلة الصمود من المغرب العربي. يبدو كل شيء منسقا، تزحف بمباركات عربية من تونس، ينضم روافد من المغرب والجزائر، تدخل حدود ليبيا.

ثم تتداعى الصور. مناشدات للسلطات في شرق ليبيا ومصر بالسماح للقافلة بالمرور. تبدو الغاية نبيلة، الوصول لمعبر رفح والتضامن مع غزة.

القضية تبدو واضحة “قافلة صمود عربية للتضامن مع غزة، والوقوف ضد صلف إسرائيل!” كيف لمواطن أو نظام عربي أن يخذل هذا التحرك.

فجأة يتصاعد الخطاب..

تتداول صفحات بكثافة تدوينة تقول: “باختصار.. تبدأ حدود إسرائيل حيث تمنع القافلة”.

كيف لا يتضامن الجميع مع قافلة بهذه الغاية النبيلة. لكن!

تتكشف الصورة، لا تنسيق بالمرة مع حفتر ولا مع مصر. لا تأشيرات دخول، ولا تنسيق أمني، ولا معرفة عائمة لعدد المشاركين في القافلة ناهيك عن هوية المشاركين.

المعادلة البديهية الآن تختل.

أنت تطلب من حفتر/ليبيا ومصر السماح بدخول وعبور قافلة على أراضيهما دون تنسيق، دون تأشيرات.

يتصاعد الخطاب الشعبوي: “الهدف مساندة غزة، فلماذا تطلب منهم تنسيقا أو تأشيرة”.

في المقابل، تتصاعد المخاوف الأمنية، ماذا إذا تسللت عناصر مسلحة لها أجندات أخرى ضمن القافلة؟!

يبدو الآن الوضع أكثر إرباكا، مخاوف أمنية مشروعة لكنها تفتقر لقرائن معلنة، مقابل غاية عروبية نبيلة لكنها تفتقر لوسائل مشروعة. وفي الإنسانيات لا معادلات صفرية مطقلة.

مع الوصول إلى ليبيا/الدبيبة، يتصاعد الخطاب ضد النظام المصري، تتحول دفة القافلة من الرسائل ضد إسرائيل، إلى الرسائل الهجومية ضد مصر، سواء بأسلوب الابتزاز باعتبار أن تمرير القافلة فرصة النظام المصري الأخيرة، أو الهجوم المفتوح والاتهام بالعمالة. ويتصاعد الأمر لرسم حدود إسرائيل بمكان توقف القافلة التي لم تحصل على تصاريح.

ينشغل صحفيون ونشطاء بالبحث أكثر عن القافلة المغاربية. يعثر أحدهم على تغريدة قديمة للمتحدث باسم القافلة نبيل الشنوفي، يهاجم فيها مصر قائلا: “على ما يبدو وجب تحرير مصر قبل فلسطين…”.

يتعرض الشنوفي لهجوم حاد على صفحته، فيمسح التغريدة أو يجعلها خاصة له فقط.

صورة 1

تتصاعد المخاوف المصرية، معادلة الشك تزيد أطرافها: قافلة تتحرك بسهولة من تونس لليبيا دون تصاريح أو تأشيرات+ لا أحد يعرف عدد من في القافلة أو هوياتهم+ هجوم حاد على مصر حتى قبل الوصول لحدودها أو إعلان الموقف الرسمي+ قيادات وأعضاء بالقافلة يهاجمون مصر على المشاع قبل وأثناء تحرك القافلة.

تزداد معادلة الشك ثقلا مع مرور القافلة في أراضي ليبيا/الدبيبة، وفي فيديو كاشف يتحدث ليبي مبررا تمرير القافلة: “أن يوقفهم السيسي جيد.. أن يوقفهم حفتر جيد.. هذا ما نريده”.

لا مكان للقضية في حديثه، المكايدة السياسية هي كل شيء. وكأن لسان حال ليبيا/الدبيبة مرر المشكلة حتى بالتنازل عن التأشيرات، انقلها لعدوك في الشرق.

يدرك القائمون على قافلة الصمود (الهيئة التيسيرية) عمق الأزمة المتفاقمة، فيبادرون لبيان لقطع الطريق على التصعيد الخاطئ الذي خرج عنها ومنها. يتحدث البيان عن “ضمانات لمصر” بعدم استغلال المرور حال وافقت، وعدم مهاجمة النظام المصري، وقصر هجومها على إسرائيل.

506350227_10229923640059962_2763144179309315517_n

ضمانات سبقها وأعقبها هجوم مستمر، حتى خرج بيان الخارجية المصرية الذي وضع شرطا مركبا للسماح بعبور القافلة لأرضها: تأشيرات دخول وتصريح مسبق بالوصول إلى رفح”.

تعلن مصر أنها سبق أن نظمت قوافل للمعبر، وأن كل هذه القوافل تمت بهذا الشرط المركب.

وفي مواقع التواصل، تطرح تساؤلات مهمة حول القافلة، ماذا ستفعل إن وصلت رفح وفتحت مصر المعبر وأغلقته إسرائيل؟ ماذا إذا أطلقت إسرائيل النار على القادمين من البوابة المصرية للمعبر؟ كيف سيحققون أهداف القافلة إذا وصلوا إلى المعبر؟ كيف سيساعدون أهالي غزة إن كانت القافلة لا تحمل مساعدات؟ كيف يرون وصف إسرائيل للقافلة بأنها تضم عناصر “جهادية”، وهو ما يعني أن ردها على القافلة حال عبورها من بوابة مصر لن يكون مثل الرد على نشطاء مادلين؟

وعلى مواقع التواصل أيضا، جاء الرد بالاتهامات لطارحي الأسئلة بأنهم عبيد نظامهم. وتتسع الاتهامات لسجال عربي عربي، وتتبادل الشعوب السباب، وتتوه القضية.

ولا رد معلن من الهيئة التيسيرية للقافلة: لماذا قررت تسييرها بدون تأشيرات وبدون تصاريح من دول العبور ومصر؟

وتظل ثغرة بيانها مفتوحة: كيف ردت مصر على تواصلهم المسبق حول القافلة؟ هل وضعت الشرط المركب نفسه على الطاولة فتحركت القافلة لتختبره؟

ويبقى سؤال مهم أوسع: هل مصر الطريق الوحيد للوصول؟ وإن كان لا فهل هي الطريق الأسلم؟!

***

“قطاع غزة عبارة عن شريط ساحلي على طول البحر الأبيض المتوسط، وتحده جمهورية مصر العربية من الجنوب الغربي وإسرائيل من الشمال والشرق. ويبلغ طوله حوالي 41 كيلومتر وعرضه يتراوح بين ستة كيلومترات وصولا إلى 12 كيلومتر، وتبلغ مساحته الإجمالية 360 متر مربع”.

هكذا تصف الأونروا القطاع. وتحدد سبل الوصول إليه 41 كيلومترا من البحر، ما يعني إمكانية الوصول إليها عبر مياه دولية مفتوحة تعطيك حقا بالمرور وتدين أي تجاوز ضدك حال حدوثه.

والبحر كان خيار أسطول الحرية الأفضل، للحفاظ على سيادة الدول، وعدم التفرع لقضايا أخرى بعيدة عن القضية المركزية، فكانت مرمرة مرة وكانت مادلين ثانية. فلماذا اختارت تيسيرية الصمود الطريق البري، وتغافلت عن البحر!