الاقتصاد المصري في خضم صراعات الشرق الأوسط: كيف يؤثر النزاع الإسرائيلي-الإيراني على الوضع الحالي؟

منذ اندلاع الصراع المفتوح بين إسرائيل وإيران، يشهد الشرق الأوسط تحولات متسارعة، لا تقتصر على الجوانب العسكرية أو السياسية فقط، بل تمتد في عمقها إلى الاقتصاديات الإقليمية، وعلى رأسها الاقتصاد المصري. في هذا المقال، أُسلّط الضوء على ما ينتظر مصر اقتصاديًا في ظل هذا الصراع، وما هي السيناريوهات المحتملة، وأي فرص أو تهديدات قد تُصاغ على ضوء النار المشتعلة شرق المتوسط.
البُعد الجيوسياسي للصراع وتأثيره المباشر على مصر
الصراع الإسرائيلي الإيراني لم يعد صراعًا بالوكالة كما كان في السابق، بل يتخذ الآن طابعًا مباشرًا وأكثر جرأة. هذا التحول الجيوسياسي له انعكاسات عميقة على مصر باعتبارها قوة إقليمية تربط بين آسيا وأفريقيا، وتتحكم بأحد أهم الممرات الاستراتيجية عالميًا: قناة السويس.
• أي تهديد للملاحة في البحر الأحمر أو الخليج سيؤثر مباشرة على إيرادات قناة السويس، والتي تُعد مصدرًا حيويًا للنقد الأجنبي.
• كما أن أي اضطراب أمني إقليمي يضع ضغوطًا على الاستثمار الأجنبي المباشر، ويزيد من درجة المخاطر في التصنيفات السيادية.
أسعار النفط والطاقة.. سيف ذو حدين
أحد أول المؤشرات التي تتأثر فورًا بأي تصعيد في المنطقة هو سعر النفط، حيث تؤدي التوترات إلى ارتفاعات فورية في الأسعار العالمية. وبالرغم من أن مصر أصبحت شبه مكتفية من الغاز الطبيعي، إلا أنها لا تزال تعتمد على استيراد مشتقات بترولية.
• ارتفاع أسعار النفط يعني زيادة في فاتورة الدعم أو رفع أسعار الوقود محليًا، وهو ما قد ينعكس على تكلفة الإنتاج والنقل والسلع الأساسية.
• في المقابل، قد تستفيد مصر من تصدير الغاز الطبيعي المسال بأسعار أعلى، خاصة إذا تعذر أو تعطل إمداد الغاز من مناطق أخرى (مثل إيران أو الخليج).
تدفقات رؤوس الأموال والاستثمارات الأجنبية
المستثمر الأجنبي لا يحب عدم اليقين، وأي اضطرابات في الإقليم تدفعه نحو سياسات “التحوّط” أو الانسحاب الوقائي، خصوصًا من الأسواق الناشئة. وإذا استمر التوتر، فإن الأسواق المالية في الشرق الأوسط ستشهد تقلبات قوية.
• البورصة المصرية قد تشهد تذبذبات عنيفة، خصوصًا في قطاعات مثل السياحة والطاقة والعقارات.
• برامج الخصخصة وجذب الاستثمارات في مصر قد تواجه نوعًا من التباطؤ المرحلي إذا ارتفعت وتيرة التصعيد.
الأمن الغذائي وسلاسل الإمداد
الشرق الأوسط يستورد غالبية غذائه، والصراع قد يُعقّد حركة التجارة في البحر الأحمر والخليج العربي، ما يرفع من تكلفة الواردات:
• مصر تعتمد على استيراد الحبوب والزيوت واللحوم من الخارج، وأي تأخير أو تعطيل بحري قد يضغط على المخزون الاستراتيجي.
• كما أن ارتفاع أسعار النقل والشحن قد يزيد من معدلات التضخم في السوق المحلية، مما يستدعي تدخلات مباشرة من الدولة للحفاظ على استقرار الأسعار.
قناة السويس.. الشريان المهدد
تُعد قناة السويس من أكثر النقاط حساسية في هذا الصراع. أي هجمات أو تهديدات بالقرب من باب المندب أو البحر الأحمر ستدفع بعض السفن لتغيير مسارها بعيدًا عن مصر.
• هذا يُهدد بعجز مؤقت أو تراجع في عوائد القناة، والتي تُشكل قرابة 10% من إيرادات الدولة بالعملة الصعبة.
• وفي حال تفاقم الأزمة، قد تحتاج مصر لإعادة تقييم سياسات التأمين الملاحي والتحفيز المروري لجذب السفن رغم التوتر.
الفرص الخفية وسط الأزمات
رغم كل ما سبق، فالأزمة ليست كلها ظلال، بل تحمل بعض الفرص:
• دور مصر كمركز إقليمي للطاقة قد يتعزز، خصوصًا في تصدير الغاز لأوروبا عبر الشبكة المصرية.
• كما أن الحياد النسبي والسياسي المصري يمنحها فرصة للعب دور الوسيط، ما قد يرفع من وزنها الدبلوماسي والاستثماري في عيون الشركاء الدوليين.
• وفي حال تضرر ممرات بديلة لقناة السويس، قد تعود الأخيرة لتكون الخيار الأكثر أمنًا نسبيًا، مما يعزز قيمتها الاستراتيجية.
خلاصة وتوصيات:
الصراع الإسرائيلي الإيراني لن يكون صراعًا عابرًا، بل قد يُعيد رسم خرائط الاقتصاد والسياسة في المنطقة. ومصر، بما لها من موقع استراتيجي وثقل سياسي، ليست على الهامش بل في قلب الحسابات.
لذلك، يجب على صانع القرار في مصر أن:
• يُعزز من خطط الأمن الغذائي والاستقلال الطاقي.
• يُسرّع من التحول الرقمي والتكامل الصناعي لتقليل الاعتماد على الخارج.
• يُفعّل أدوات الدبلوماسية الاقتصادية لكسب شراكات جديدة، وتحقيق مرونة اقتصادية في عالم لا يتوقف عن الاضطراب