دراسة توضح أن 17% من أطفال مصر يعانون من قصر القامة مع وجود علاج جديد

دراسة توضح أن 17% من أطفال مصر يعانون من قصر القامة مع وجود علاج جديد

كشفت دراسة ميدانية حديثة أجريت داخل العيادة الخارجية لقسم الغدد الصماء بجامعة قناة السويس في مدينة الإسماعيلية، عن نسب مقلقة لقصر القامة بين الأطفال المصريين، إذ أظهرت أن ما يقرب من 17% من الأطفال في المرحلة العمرية من 6 إلى 11 عامًا يعانون من هذه الحالة، ما يستدعي تحركًا عاجلًا لتوفير التدخلات الطبية المناسبة وضمان جودة حياة أفضل للأجيال القادمة.

وتُظهر نتائج الدراسة أن العلاج بهرمون النمو أدى إلى تحسن ملموس في نوعية حياة الأطفال المصابين، ليس فقط من الناحية الجسدية، بل أيضًا على المستويات النفسية والاجتماعية والبيئية، الأمر الذي يعكس أهمية التشخيص المبكر والتدخل العلاجي السريع في تجنب مضاعفات قد ترافق الطفل طوال حياته.

ما هو قصر القامة وما أسبابه؟

بحسب الدكتورة منى سالم، أستاذ طب الغدد الصماء للأطفال بكلية الطب جامعة عين شمس، ورئيس الجمعية المصرية لطب الغدد الصماء والسكر للأطفال، يُشخص قصر القامة عندما يكون طول الطفل أو المراهق أقل بكثير من المتوسط مقارنة بأقرانه من نفس العمر والجنس. وقد ترجع هذه الحالة لأسباب وراثية، أو نتيجة لأمراض مزمنة، أو لظروف صحية لم تُكتشف بعد.

وتوضح الدكتورة منى أن هرمون النمو يُستخدم في علاج حالات قصر القامة المرتبطة بضعف إفراز هذا الهرمون، سواء بسبب عوامل جينية مثل متلازمة تيرنر، أو حالات طبية كالفشل الكلوي المزمن، أو في حالات الأطفال الذين وُلدوا بأحجام أصغر من المتوسط لعمر الحمل، أو ممن يعانون من متلازمة برادر-ويلي (PWS).

طرح دواء جديد لمواجهة الظاهرة المتنامية

وفي خطوة تُعد نقلة نوعية في مجال علاج اضطرابات النمو، تم مؤخرًا طرح دواء جديد في السوق المصرية يُعرف باسم “أومنيتروب” (Omnitrope) بتركيز 15 ملجم، وهو المثيل الحيوي لهرمون النمو، ويُستخدم كبديل علاجي فعال وآمن للأطفال الذين يعانون من نقص في هذا الهرمون.

وأشارت الدكتورة منى إلى أن هذا الطرح يأتي في إطار دعم توجهات الدولة المصرية نحو تحقيق أهداف “رؤية مصر 2030” في قطاع الصحة، من خلال توفير أدوية عالية الجودة بأسعار مناسبة، والمساهمة في رفع كفاءة النظم العلاجية للأطفال والمراهقين.

نتائج دراسات موسعة تؤكد حجم التحدي

وتتوافق هذه الجهود مع نتائج دراسة موسعة شملت أكثر من 33,000 طفل من مختلف محافظات الجمهورية، أُجريت خلال الفترة من يناير 2018 إلى يناير 2020. وأوضحت أن الأسباب العائلية تمثل ما نسبته 40.8% من حالات قصر القامة، بينما تعود 24.2% منها لأسباب طبية واضحة. وتشير هذه الأرقام إلى أن التدخل المبكر قد يقلل من حجم المشكلة بشكل كبير، خاصة في الحالات التي يمكن علاجها أو الحد من مضاعفاتها.

الجانب النفسي لا يقل أهمية عن الجسدي

بدورها، أكدت الدكتورة رشا طريف، رئيس وحدة الغدد الصماء للأطفال بكلية الطب جامعة عين شمس، أن قصر القامة لا يؤثر فقط على البنية الجسدية للطفل، بل يتجاوز ذلك ليشكل عبئًا نفسيًا واجتماعيًا كبيرًا، مما يتطلب خطة علاج متكاملة تشمل الدعم النفسي والرعاية الصحية الدقيقة.

وأضافت أن العلاج بهرمون النمو يُعد أحد أكثر الوسائل فعالية في تحسين فرص النمو الطبيعي لدى الأطفال، بشرط أن يتم حساب الجرعة بدقة وفقًا للوزن ومرحلة البلوغ ونوع السبب وراء الحالة، إلى جانب مراقبة دقيقة لاختبارات تحفيز الهرمون.

توقيت العلاج عامل حاسم

وحذرت الدكتورة رشا من خطورة التأخر في بدء العلاج، موضحة أن هناك نافذة زمنية محددة قبل أن تندمج غضاريف النمو (وهي الأنسجة النشطة المسؤولة عن زيادة الطول)، حيث يغلق هذا النمو نهائيًا مع اكتمال البلوغ، ويُصبح من غير الممكن بعدها زيادة الطول بشكل طبيعي.

جهود حكومية ومجتمعية لمواجهة المشكلة

من جانبه، أشاد الدكتور سامح الباجوري، رئيس الشركة المنتجة للدواء الجديد، بالدور الفاعل الذي تلعبه الحكومة المصرية في دعم الابتكارات الدوائية، مؤكدًا أن “أومنيتروب” سيسهم بشكل كبير في تلبية الطلب المتزايد على هرمونات النمو محليًا، ويُمثل خطوة مهمة ضمن مبادرة رئيس الجمهورية للكشف المبكر عن السمنة والأنيميا والتقزم في المدارس، التي تهدف إلى تعزيز صحة الطفل المصري منذ الصغر.

وأشار الباجوري إلى أن “أومنيتروب” قد حصل بالفعل على موافقات دولية من هيئة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) ووكالة الأدوية الأوروبية (EMA) منذ عام 2006، مما يعزز ثقة الأطباء والمختصين في فعاليته وسلامته.

توافر العلاج واستمراريته

واختتمت الدكتورة رشا طريف تصريحها بالتأكيد على أهمية ضمان توافر هرمون النمو بشكل مستمر، دون انقطاع، حتى بعد اكتمال مرحلة البلوغ في بعض الحالات الخاصة، وذلك لضمان أفضل نتيجة ممكنة على المدى البعيد. وأشارت إلى أن توفير التركيز الجديد بسعر مناسب يوسع من خيارات العلاج، ويسهم في تقليل فترات توقف العلاج، ما يعزز فعالية الاستجابة للعلاج ويحسن حياة المرضى بشكل عام.

تعكس هذه الجهود العلمية والطبية المستمرة مدى جدية المجتمع الطبي والحكومي في مواجهة قصر القامة باعتباره تحديًا صحيًا ووطنيًا، يستلزم تضافر الجهود لتشخيصه مبكرًا، وعلاجه بكفاءة، والتوعية المجتمعية بأبعاده النفسية والاجتماعية إلى جانب الجسدية.