هل تدعم خطة السلام بين تركيا والأكراد أهداف أردوغان؟

هل تدعم خطة السلام بين تركيا والأكراد أهداف أردوغان؟

تكليلًا لجهود عملية الصلح التاريخية بين تركيا والأكراد، التي انطلقت إرهاصاتها في أكتوبر من العام 2024 بقيادة الحليف القومي للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، دولت بهجلي، ودعا خلالها الزعيم التاريخي لحزب “العمال الكردستاني” (PKK)، عبد الله أوجلان (آبو)، لحل الحزب ونزع سلاحه، مقابل وضع أكثر ديمقراطية للأكراد؛ أعلن الحزب في 12 مايو 2025 حل نفسه وإلقاء أسلحته، وذلك استجابة للدعوة التي أطلقها أوجلان في 27 فبراير 2025 التي حث فيها الحزب على عقد مؤتمر لاتخاذ قرار الحل رسميًا.

إذ نص البيان الختامي للمؤتمر الـ 12 الذي عقده الحزب في جبال قنديل- حيث تتمركز معاقله بشمال العراق-  خلال الفترة 5 – 7 من مايو 2025، على حل الهيكل التنظيمي لحزب “العمال الكردستاني”، وإنهاء الكفاح المسلح، ووضع حد لنشاطه العسكري، مُشيرًا إلى أن الحزب قد أنجز مهمته التاريخية، وأن نضاله قد كسر سياسات الإنكار، وأوصل القضية الكردية إلى مرحلة قابلة للحل سياسيًا وديمقراطيًا، مُطالبًا بتقديم ضمانات قانونية وسياسية لأوجلان، وأن يُمنح -الأخير- حق إدارة “الآلية العملية” لحل البنية التنظيمية للحزب وتوجيه مسار العملية السلمية خلال المرحلة القادمة.

ووفقُا لدراسة أعدها مركز الأهرم للدراسات السياسية والاستراتيجية، فإن نظريًا، طوى الحزب -الذي تأسس عام 1978 وقاد تمردًا مسلحًا ضد الدولة التركية منذ عام 1984 رغبة في إقامة دولة كردية مستقلة في جنوب شرق البلاد- صفحة الكفاح المسلح المُمتد إلى كل من العراق وسوريا وإيران، ليبدأ مرحلة جديدة من العمل السياسي والديمقراطي. لكن عمليًا، ليس من المُتوقع أن يكون حل الحزب والتخلي عن العمل المسلح دون أي عقبات أو تحديات تُعيق إنجاز خطوات ملموسة على أرض الواقع، لاسيما في ظل كثافة البنى التحتية العسكرية التابعة للحزب، وحجم الموارد المادية والبشرية التي تقع تحت سيطرته في أربع دول حدودية على مدار أكثر من أربعة عقود. فضلاً عن حالة اللايقين التي تُخيم على عملية السلام التركية– الكردية نتيجة تاريخ طويل من خرق المعاهدات والاتفاقات بين الجانبين.

مكاسب أردوغان

تتسق عملية التقارب بين أردوغان وتحالف “الجمهور” الحاكم من ناحية، والأكراد مُمثلين في تحالف “العمل والحرية” بقيادة حزب “الشعوب للمساواة والديمقراطية” من ناحية أخرى؛ مع الرؤية الأوسع نطاقًا لأجندة أردوغان السياسية، ومساعيه لتحقيق عدة أهداف، لعل أبرزها الحصول على دعم الكتلة الكردية داخل البرلمان -التي تُقدر بـ 66 مقعدًا- لضمان إمكانية إزالة القيود القانونية والدستورية أمام ترشحه لولاية رئاسية جديدة، خاصة أن ذلك لن يحدث إلا عن طريق إقرار البرلمان انتخابات مبكرة بموافقة أغلبية برلمانية تُقدر بـ 3 أخماس النواب، أو عن طريق إجراء تعديلات دستورية بأغلبية برلمانية تُقدر بـ 3 أخماس النواب لطرح مقترح التعديل للاستفتاء، أو بأغلبية الثلثين للتصديق المباشر على التعديلات الدستورية، وهي الأغلبية التي لا يمتلكها تحالف “الجمهور” دون دعم أحزاب أو تحالفات أخرى.

في السياق ذاته، يمكن استقطاب الناخب الكردي في أي انتخابات قادمة سواء لصالح أردوغان أو تحالفه الحاكم، من خلال تسريع وتيرة المشاريع التنموية والاقتصادية في ولايات جنوب شرق تركيا، حيث أغلبية المكون الكردي. فجدير بالذكر أن العديد من الأكراد في مدينة ديار بكر، ذات الغالبية الكردية، قد خرجوا إلى الشوارع عقب إعلان الحزب حل نفسه، مُعربين عن ترحيبهم بالقرار، وبانتهاء الصراع وعمليات التجنيد القسري في صفوف قوات الحزب العسكرية، ما أودى بحياة عشرات الآلاف من أبنائهم، وآملين في أن يكون لهذا القرار ارتدادات إيجابية على كافة الأصعدة الأمنية، والاقتصادية، والمعيشية، والاجتماعية[1].

ولعل ما يدفع في صالح أردوغان وتحالفه الحاكم أمام الناخب الكردي، هو موقف التيار القومي المعارض لعملية السلام التي دشنتها الحكومة التركية مع الأكراد، إذ وصف حزب “الجيد” القومي المعارض، تلك العملية بـ “الخيانة”، مؤكدًا أن المنظمة الإرهابية – في إشارة إلى حزب “العمال الكردستاني” – لم تتراجع عن أهدافها ومقاصدها، بل أعلنت النصر، وهو ما لا يمكن السماح به، وأنه لا يمكن التنازل عن حدود الجمهورية التركية كما رسمتها معاهدة لوزان، مُشيرًا في إطار ذلك إلى مؤتمر الإدارة الذاتية الكردية في القامشلي، وتمسكها بالفيدرالية والحكم الذاتي على الحدود السورية – التركية. هذا، كما عد الكثيرون إلقاء القبض على أوميت أوزداغ، زعيم حزب “النصر” المعارض، في يناير 2025، بمثابة محاولة من جانب الدولة لتقويض قدراته على تأليب الرأي العام ضد عملية السلام الكردية، وزعزعة الاستقرار من خلال تصعيد وتيرة التحريض على العنف والكراهية ضد الأكراد، إذ وصف أوزداغ نفسه بأنه “رهينة سياسية” سُجنت لتسهيل الإفراج عن أوجلان[2].

إلى جانب ما سبق، سعى أردوغان من خلال حل القضية الكردية ووضع حد للعمليات العسكرية التي تتعرض لها الدولة التركية في الداخل من قِبل حزب “العمال الكردستاني”، فضلاً عن تلك التي تتعرض لها القوات التركية في كل من سوريا والعراق في مواجهاتها مع أفرع الحزب العسكرية المُتمركزة في المناطق الحدودية مع تركيا، وما ينتج عنها من خسائر بشرية ومادية؛ إلى أن يُعزز من شعبيته كمدافع عن أمن واستقرار الأمة في مواجهة ما تتعرض له من تحديات وتهديدات إرهابية، نحو تحقيق هدف “تركيا خالية من الإرهاب”.

كما يُقدّم أردوغان نفسه كرئيس يتخذ من الآليات السياسية والديمقراطية مسارًا لحل القضايا والأزمات التي تتعرض لها البلاد، لاسيما في ظل موجة الاحتجاجات العارمة التي تجتاح البلاد منذ اعتقال أبرز زعماء المعارضة، ورئيس بلدية اسطنبول، أكرم إمام أوغلو، في 19 مارس 2025، وهي الخطوة التي دفعت بتوجيه العديد من التُهم لحكومة أردوغان سواء من الداخل أو من الغرب، باعتبارها قمعًا للمعارضة، وللمنافس الأقوى في السباق الرئاسي القادم، وتراجعًا في مسار تركيا الديمقراطي، خاصة أنها جاءت وسط حملة مُكثفة من الاعتقالات والإقالات التي طالت العديد من الرموز، والقيادات سواء من المعارضة أو من الأكراد أنفسهم.

فجدير بالذكر أنه لطالما اعتبر الغرب وجود حزب “العمال الكردستاني” يعكس حالة التهميش والحرمان طويل الأمد الذي تعرض له الشعب الكردي في تركيا، ما زاد من التوترات بين تركيا والغرب، وعرقل في كثير من الوقت مساعي انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. بالتالي يمكن القول إن خطوة مثل إعلان حل الحزب وانتهاج المسار السياسي والديمقراطي بدلاً من الخيار العسكري، من شأنه أن يُعزز من تقارب تركيا مع الغرب ويزيد من فرص انضمامها إلى الاتحاد، إذ أعرب القادة الأوروبيون في أكثر من مناسبة عن دعمهم لعملية السلام الكردية الجارية في تركيا، ووصف مجلس أوروبا مفاوضات السلام بأنها “فرصة مهمة” لحل القضية بشكل سلمي ومستدام.

ماذا بعد حل الحزب؟

تطرح هذه التطورات العديد من التساؤلات حول الآلية العملية اللاحقة على إعلان حل الحزب، والمُرتبطة بعدد من القضايا والمسائل الشائكة؛ مثل كيفية تفكيك وتسليم ترسانة الحزب العسكرية في بؤر تمركزه وانتشاره، وكذلك مصير أوجلان وعدد كبير من الساسة والقادة الأكراد المعتقلين والمنفيين خارج البلاد، ومصير المقاتلين المطلوبين في قضايا تتعلق بالإرهاب، وإلى أى مدى ستلتزم تركيا بإجراءات تضمن المزيد من الحقوق السياسية والثقافية والاجتماعية للأكراد، وذلك ما يمكن تناوله خلال المحاور التالية:

1- كيفية سير عملية حل منظومة الحزب وتسليم ترسانته العسكرية: رغم إعلان حزب “العمال الكردستاني” حل نفسه ونزع سلاحه، ووجود معلومات تُشير إلى أن تسليم الأسلحة سيتم تحت إشراف الأمم المتحدة، وبحضور مراقبين دوليين في 3 نقاط، هي: العمادية في “دهوك”، وبينار وكوي سنجق في “أربيل”، وقضاء سيد صادق في “السليمانية”، على أن يتم وضع نقاط في تركيا وأخرى في شمال العراق وكذلك شرق سوريا لاستقبال الأسلحة[3]؛ إلا أن التطبيق العملي للقرار يتعلق في واقع الأمر بكيفية التفاعل التركي مع إجراءات تنفيذه، لاسيما في ظل عدم الكشف -حتى الآن- عن أي تنازلات سياسية أو قانونية محددة قد يحصل عليها الحزب مع التزامه الكامل بالقرار. إذ أكد مسئول في الحزب أن وقف العمليات العسكرية، وتسليم ترسانة الحزب مشروط بمدى التزام تركيا ببنود الاتفاق الخاص بها، وموقفها من حقوق الأكراد السياسية والثقافية والاجتماعية.

2- الموقف القانوني من قيادات الحزب وأعضاءه: تطل أزمة موقف الدولة التركية القانوني من قادة حزب “العمال الكردستاني” وأعضاءه، كواحدة من بين أبرز تحديات المرحلة اللاحقة، وهي أزمة يمكن تناولها على ثلاث مستويات:

الأول، يتعلق بمصير قيادات وأعضاء حزبي “الشعوب للمساواة والديمقراطية”، و”العمال الكردستاني” المُعتقلين لدى السلطات التركية، وعلى رأسهم كل من أوجلان، وصلاح الدين دميرطاش. فبينما شدد بيان إعلان حل الحزب على ضرورة إدارة أوجلان بنفسه لعملية الحل، وذلك انطلاقًا من كون مسألة الإفراج عنه عُدت من أولى بنود مبادرة بهجلي التي طرحها باعتبارها خطوة مقابلة لحل الحزب، إلا أنه حتى الآن لم تُعلن الدولة التركية عن إمكانية إطلاق سراحه، وبدلاً عن ذلك، تتوارد أنباء عن اتخاذ بعض التدابير الإدارية لتحسين وتخفيف ظروف اعتقاله، وزيادة وتيرة اجتماعاته مع وفود حزب “الشعوب للمساواة والديمقراطية” وعائلته.

والثاني، يخص كبار قادة ومسئولي الحزب، والقيادات الميدانية المُتورطة في مقتل الجنود الأتراك خلال المعارك العسكرية التي خاضها الجانبان سواء داخل تركيا أو خارجها، فمن غير المعروف ما إذا كانت تركيا ستعلن عفوًا عامًا لهم من الملاحقة القانونية، مع منحهم حق اللجوء إلى بلد آخر غير (العراق وسوريا وإيران)، الأمر الذي من المُتوقع أن يُثير غضب الشارع التركي -باعتباره تنازلاً عن حقوق ضحايا المعارك العسكرية التي خاضها الجيش التركي في مواجهة القوات الكردية- ما يمنح المعارضة والتيار القومي المُتشدد ورقة في مواجهة أردوغان، أم ستتمسك تركيا بحق محاكمتهم وتطبيق العقوبات القانونية عليهم، بما قد يعرقل مسار عملية السلام بين الجانبين على كافة الأصعدة، ويحول دون حل الحزب وتسليم ترسانته العسكرية.

أما المستوى الثالث، فيتعلق بمصير عناصر ومسلحي الحزب، سواء المُلاحقين قضائيًا نتيجة تورطهم في أعمال عدائية تجاه القوات التركية داخل تركيا أو خارجها، أو أولئك الذين لا تُوجه لهم أي تُهم جنائية، بدايةً من تحديد آلية إعادة دمج هذه العناصر في مجتمعاتها الأصلية داخل تركيا، أو انتقالها إلى دولة أخرى ليست من بين (العراق وسوريا وإيران)، وصولاً إلى مدى إمكانية تعزيز مشاركتهم في العملية السياسية داخل تركيا. فحسب المعلومات الواردة -حتى الآن- من المُتوقع أن يتم تسليم نحو 4 آلاف كردي يحملون الجنسية التركية، خلال المرحلة الأولى، بشكل تدريجي عبر الحدود بعد التأكد من عدم وجود أي سجل جنائي لهم، وذلك استجابةً لمطالب أمهات “ديار بكر” اللواتي نظمن حملات واعتصامات على مدار سنوات طويلة للمطالبة بعودة أبنائهن من الخارج[4].

3- تحديات عودة اللاجئين والنازحين الأكراد إلى تركيا: على المستوى الإنساني، من المُتوقع أن يشهد المجتمع التركي أزمة اجتماعية وأمنية جديدة مع عودة آلاف المدنيين من أكراد تركيا الذين غادروا البلاد منذ تسعينيات القرن الماضي إلى عدد من دول الجوار، أغلبهم إلى إقليم “كردستان العراق”، حيث قطنوا مخيم “مخمور” الذي عدته تركيا بعد ذلك منشأ الإرهابيين في منطقة “قنديل”. فقد أنشأت الأمم المتحدة المخيم بهدف إيواء اللاجئين والنازحين الفارين نحو الأراضي العراقية نتيجة تصاعد المواجهات العسكرية بين الجيش التركي وحزب العمال في الولايات الجنوبية الشرقية من تركيا، وكذلك تصاعد حملات الحرق والتدمير التي طالت قراهم ومنازلهم، بتهمة إيواء ودعم مقاتلي الحزب. فمما لا يدع مجالاً للشك، ستكون عودة سكان المخيم إلى تركيا محفوفة بالتحديات القانونية والمخاطر الأمنية والمجتمعية، لاسيما أن تقارير استخباراتية تركية كانت ترصد تسلل عناصر التنظيم إلى المخيم بهدف السيطرة عليه، وتحويله إلى حاضنة لتفريخ وتدريب الإرهابيين[5].

هذا فضلاً عن إشكالية الوضع القانوني للأطفال الذي أنجبوا داخل المخيم على مدار العقود الماضية، إذ لا يمتلكون أي أوراق ثبوت رسمية، الأمر الذي يتطلب من الدولة التركية تأمين وضع قانوني وإنساني لهم حال عودتهم، من خلال إصدار أوراق اعتراف رسمية، وتوفير الحماية الاجتماعية والاقتصادية لجميع العائدين على حد سواء، والتعهد بعدم تعريض الساسة أو المطلوبين منهم على ذمة تهم إرهابية إلى أي اعتقالات أو محاكمات، لاسيما في حال صدور قانون “العفو العام” من البرلمان التركي، وهو الأمر الذي -على الأرجح- لن يقبله المجتمع التركي، وقد يعتبره الكثيرون تهديدًا إرهابيًا مباشرًا للدولة التركية.

4- مدى التزام جميع عناصر وأجنحة الحزب بمقررات المؤتمر: لا تخلو المرحلة القادمة من مخاوف وجود انقسامات وانشقاقات مُحتملة داخل أجنحة حزب “العمال الكردستاني” الإقليمية، لاسيما بالنسبة لأكثر العناصر راديكالية، ومدى التزامها بمخرجات مؤتمر حل الحزب ونزع سلاحه. فبينما أشاد رئيس إقليم كردستان العراق، نيجيرفان بارزاني، بقرار حل حزب “العمال الكردستاني” ونزع سلاحه، مؤكدًا على أهمية الاستجابة لهذه المبادرة بشكل بناء وجماعي، وكذا على التزام الإقليم بدعم جميع محاولات حل النزاعات سلميًا، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية “قسد” في وقتٍ سابق، أن نداء أوجلان الخاص بوقف إطلاق النار، وحل حزب “العمال الكردستاني” وإلقاء أسلحته لا يعنيها.

فعلى الرغم من توقيع قائد قوات “قسد”، مظلوم عبدي اتفاقًا مع الإدارة السورية، في 10 مارس 2025، يقضي بدمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية الكردية في إطار الدولة السورية، وإعادة هيكلة “وحدات حماية الشعب”، إلا أن قوات “قسد” لا تزال تصر على البقاء ككتلة عسكرية مُوحدة، والحصول على مناطق حكم ذاتي “إدارة لا مركزية” في شمال سوريا على الحدود التركية، الأمر الذي دفع تركيا لإعلان عدم انسحابها من مناطق تواجدها في شمال سوريا خشية استمرار التهديدات الأمنية على حدودها، أو انشقاق بعض الجيوب عن التنظيم الأم وإعادة تشكيل صفوفه في هيكل عسكري جديد أكثر راديكالية.

ختامًا، يمكن القول إنه من المُبكر الحكم على نجاح عملية السلام التركية – الكردية التي دفع بها أردوغان لخدمة أجنداته السياسية الداخلية والخارجية على حد سواء، إذ أن إعلان حل حزب “العمال الكردساتي” ليس إلا بداية مرحلة جديدة من التفاهمات بين الجانبين التركي والكردي، وهي مرحلة تتطلب من الدولة التركية الالتزام بوعودها بشأن ضمان حقوق الأكراد الديمقراطية على كافة الأصعدة السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية، فضلاً عن ضرورة اتخاذ كافة التدابير القانونية والأمنية اللازمة لضمان عدم تصاعد أي توترات أو تهديدات داخلية إثر عودة عناصر الحزب والنازحين الأكراد إلى مجتمعاتهم المحلية، لاسيما في ظل رفض التيار القومي المُتشدد لهذه المبادرة. كما تتطلب على صعيد آخر التزام جميع عناصر وأجنحة حزب العمال بمخرجات المؤتمر، لاسيما بالنسبة للجناح السوري، مع الإشارة إلى أن قرار حل الحزب قد يصبح في المرحلة القادمة ورقة ضغط من جانب الإدارة السورية على “قسد” للالتزام باتفاق تسليم أسلحتها، والاندماج في إطار مؤسسات الدولة العسكرية، وهو الأمر المحوري في نجاح مبادرة السلام التركية – الكردية، خاصة أن تركيا تعتبر “قسد” تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، وحلقة أساسية في سلسلة مفاوضاتها مع الجانب الكردي.