قصر الحلابات.. دليل على روعة العمارة الإسلامية في بدايتها

عمَّان، في 16 يونيو/العُمانية/
يُعد “قصر الحلابات” الواقع في منطقة البادية شرق العاصمة عمّان، من
أبرز المعالم الأثرية الإسلامية في الأردن، إذ يتميّز بتاريخه الممتد إلى العصور
الرومانية والبيزنطية، وتم تجديده وتطويره في العهد الأموي ليصبح أحد القصور
الصحراوية التي تعكس فن العمارة الإسلامية المبكرة، ويجمع القصر بين الأبعاد
الدينية والسياسية والمعمارية، ويُعد شاهدًا على التفاعل الحضاري بين العرب
المسلمين والحضارات السابقة في المنطقة.
وأطلق اسم “الحلابات”
على القصر تحويرًا للّفظة المحكية للكلمة العربية “الحلبات”، وتعني
ميادين السباق، إذ تؤكد الدراسات أن ساحات القصر كانت تشهد سباقات الخيل والنزالات
والتدريبات العسكرية.
كما تحيط بالقصر أراض شبه صحراوية،
وتم اختيار هذا الموقع بعناية من قِبل الأمويين لأسباب عدة منها؛ توفر المياه عبر
قنوات مائية وخزانات، ووقوعه على طرق التجارة والقوافل المتجهة من الشام إلى
العراق والحجاز، فضلًا عن كونه يُستخدم كاستراحة للحكام والولاة أثناء تنقلاتهم.
وتعود أصول قصر الحلابات، حسب
الخبراء، إلى العهد الروماني، في القرنين الثاني والثالث الميلاديين، حيث أُنشئ في
البداية كحصن عسكري صغير لحماية الطرق التجارية من الغارات، ثم تطور البناء في
العهد البيزنطي، حيث أضيفت إليه بعض العناصر الدفاعية كالأبراج والأسوار، كما شهد
القصر في العصر الأموي تحوّلًا جذريًّا لا سيّما في عهد الخليفة هشام بن عبد الملك
الذي أمر بتحويل الحصن إلى قصر فخم ومرفق إداري وديني، حيث جُدّد البناء بالكامل باستخدام
الحجارة المحلية، وتمت إضافة عناصر زخرفية ومعمارية مميزة تعكس الفن الإسلامي في
تلك الحقبة.
يمزج القصر بين الأساليب الرومانية
والبيزنطية والإسلامية، ويتكوّن من أجزاء رئيسة تتمثل في الأسوار الخارجية مربعة
الشكل المبنية من الحجارة البازلتية السوداء والحجر الجيري الأبيض، مما يُضفي عليه
طابعًا فنيًّا خاصًّا، ويتخلل السور عدد من الأبراج المربعة التي كانت تستخدم
للحراسة.
ويقع المدخل الرئيس لقصر الحلابات
في الجهة الجنوبية، ويتميز بعناصر معمارية غاية في الدقة والإتقان، منها الأقواس
نصف الدائرية والكتابات الكوفية، وينفتح على ساحة داخلية واسعة تحيط بها الغرف
والمرافق.
أما المسجد الواقع داخل القصر فيعد
أحد أبرز المعالم المعمارية رغم حجمه الصغير وذلك لأنه مليء بالنقوش والزخارف
الإسلامية، وبه محراب تمت زخرفته بزخارف جصية، وتظهر في جدرانه عناصر زخرفية
إسلامية بدائية منها تشكيلات للنجوم وللأشكال الهندسية.
ويحتوي مجمع قصر الحلابات كذلك على
نظام حمّامات متكامل يُظهر تأثر الأمويين بالثقافة الرومانية والبيزنطية، حيث يوجد
نظام أرضي لتسخين الماء، وغرف ينساب عبرها الماء الدافئ والبارد، وهي أشبه ما تكون
بالحمامات الموجودة في العصر الحديث.
ويحتوي القصر على عدد من القاعات
والغرف السكنية والإدارية، والتي كانت تُستخدم لاستضافة الوفود أو لإقامة الخليفة
أو الحاكم أثناء زياراته.
أما الجدران فقد تزيّنت بالزخارف
والنقوش الجصية والفسيفساء التي عرفتها المنطقة منذ قرون بتأثير من الحضارتين
الرومانية والبيزنطية، خاصة في استخدام الأشكال النباتية والحيوانية والهندسية،
وقد وجد الباحثون مجموعة من الكتابات الكوفية التي تعد اليوم من أقدم ما كتب بهذا
الخط العربي المعروف.
وفي أوائل القرن العشرين بدأت
أعمال التنقيب والحفريات الأثرية في قصر الحلابات من قبل البعثات الأردنية
والدولية، وتم خلال هذه الأعمال ترميم أجزاء من القصر، وخاصة المسجد والسور، مع
المحافظة على النمط الأصلي للبناء.
ويُعد قصر الحلابات اليوم موقعًا
سياحيًّا له أهمية حضارية وتاريخية، تشرف عليه وزارة السياحة والآثار، ويستقطب
الزوّار من داخل الأردن وخارجها، خاصة المهتمين بالآثار الإسلامية، كما تُنظَّم
زيارات للموقع ليطلع الطلبة والمهتمون على جماليات القصر الساكن في قلب الصحراء
الهادئة شاهدًا على عظمة العمارة الإسلامية المبكرة في المنطقة.
/العُمانية/
النشرة الثقافية/ شيخة الشحية