رحلة عبر أمواج التراث: الفنون البحرية في ولاية صور

صور في 21 أبريل /العُمانية/ في شرق عُمان حيث تلتقي أمواج البحر بأنغام
الإبداع، تقف ولاية صور شاهدًا حيًّا على تناغم الفن مع الحياة. ولا تكتفي الفنون البحرية بمرافقة البحارة في
أعمالهم، بل تتحول إلى لغة تعبّر عن هويتهم، وتنسج إيقاعات العمل وتحدّيات البحر لوحة
ثقافية نابضة بالحياة.
وتتسم الفنون البحرية في صور
بقدرتها الفريدة على التكيف مع طبيعة العمل، فالأنشطة التي تتطلب سرعة وحركة دقيقة
تتراقص معها أنغام سريعة الإيقاع، سلسة النظم، كما لو كانت نسمات تهبّ مع الشراع،
أما الأعمال التي تحتاج إلى تركيز وبطء، فترافقها ألحان هادئة تملأ الفضاء بروح التأمل،
وهكذا يصبح الفن هوية معنوية لكل جهد، يعكس إيقاع الحياة البحرية بكل تفاصيلها.
والبحر في صور ليس مجرد
مساحة مائية، بل مصدر إلهام لا ينضب بتضاريسه المتنوعة، أوجد هذا البحر فنونًا
تختلف باختلاف المكان والنشاط، وهناك أنغام تتعانق مع رمال الشاطئ، وأخرى تتردد
أثناء الإبحار، وثالثة تنطلق بين الشاطئ والسفينة، بعض الفنون لا تُؤدى إلا على
سطح السفينة العائمة، بينما تظل أخرى حصرية للحظات تجمّد السفينة في مكانها، هذا
التنوع يعكس علاقة وثيقة بين الإنسان والبيئة، حيث يتجلى الإبداع في كل موجة وكل
رحلة.
لم يكن الإبحار في صور مجرد رحلة عملية، بل كان احتفالًا فنيًّا، حرص
النواخذة على أن تكون سفنهم مزودة ليس فقط بالأدوات البحرية، بل بالآلات الإيقاعية
ومنشدين متمرسين يتقنون الأشعار وفنون الأداء، كان الفن رفيقًا أساسيًّا، يخفّف من
وطأة البعد ويوقد الحماس في القلوب.
و تتعدد الفنون البحرية في ولاية
صور، كل منها يحمل طابعًا خاصًّا يرتبط بنشاط معين، فالشوباني فن يميز بحارة صور،
ويمزج بين العمل والتسلية، ولا يُؤدى إلا على سطح السفينة، حيث تتمايل الأنغام مع
حركة الأمواج.
والمديمة هي أنغام تسلية ترافق البحارة على السفينة، سواء في عرض البحر
أو في الموانئ ونزغة الدكل هو فن غنائي مصحوب بإيقاع الطبول، يرافق نصب الدكل
بحماس جماعي. والدكل هو صاري السفينة وتتفاوت أعداده وفق حجم السفينة.
وهنا أيضا خزر الدكل وهو
غناء يتردد مع تثبيت الدكل، حيث ينسجم الغناء مع دقة العمل، وصكبة الدكل وفيها أنغام
تعكس الجهد أثناء سحب الدكل.
ومن فنون العمل البحرية
أيضا نزغة الشراع أو رفع الشراع وهي أبيات يترنم بها لحظة رفع الشراع تتزين بأنغام
استعداد، وأيضا فن تهليبة الشراع وهو إعلان إنزال الشراع وفيه يقال: أذّن يا بلال
وصيح، معلم فوق لمناره، وفي الدنيا نصيح.
ومن الفنون جرة الباورة
وهي تردد مع سحب المرساة: هي يا الله، أو يا الله، وأيضا جرة الماشوه وهو إيقاع
المجاديف مصحوبا بالغناء.
أما رفع الماشوه فهي لحظة تثبيت الماشوه، والماشوة هي نــوع مــن
القــوارب العُمانيــة تســتخدم لنقــل الشـحن أو تفريـغ حمولـة السـفينة لعـدم
قدرتهـا الاقتـراب مــن المينــاء أو الشــاطئ لضحالــة الميــاه.
كما يوجد فن القلفاط وهو فن يرافق المرحلة الأخيرة من صناعة السفينة، حيث
تحل المطارق محل الإيقاعات والقلفـاط: وهـي عمليـة سـد الفراغـات بيـن ألـواح
السـفينة بواسـطة فتائـل مـن القطـن المشـبعة بزيـت الحـوت.
أما التكويرة فهي احتفالية غناء ورقص عند إنزال السفينة إلى البحر،
والتحميل هو رقص خفيف وتصفيق مع تحميل البضائع،
والتنزيل هي أنغام مشابهة للتحميل ترافق تفريغ السفينة.
وعند صيانة السفينة في المحيدب هناك غناء هادئ يترنم به العمال يسمى
مسوبل، كما أن هناك ألحانًا دقيقة ترافق ترتيب حبال السفينة تسمى العمار.
أما تعميرة الشباك فهي فن يؤديه
الصيادون أثناء إصلاح الشباك بلا آلات موسيقية، ومن بين الفنون هناك حوار غنائي
مميز يسمى الصوت البحري ويقال فيه: يا من عزم قال هيا، طلعت نجوم الثريا.
أما صياديو البحر فلهم أنغام خاصة
تسمى صيد السمك.
إن الفنون البحرية في ولاية صور
ليست مجرد ألحان عابرة، بل هي نبض من التراث يروي قصص البحارة وتحدياتهم.
/العُمانية
/ النشرة الثقافية / طلال المعمري