الشاعر العُماني حسن المطروشي: القصيدة العربية تمرّ عبر البوّابة العُمانية مذ وضع عروضها وأوزانها الخليل بن أحمد الفراهيدي

الشاعر العُماني حسن المطروشي: القصيدة العربية تمرّ عبر البوّابة العُمانية مذ وضع عروضها وأوزانها الخليل بن أحمد الفراهيدي

مسقط في 5 مايو /العُمانية/ “أشعر أن قضية
سطوة السرد على الشعر قضية مفتعلة” هكذا يقف الشاعر العُماني حسن بن عبيد
المطروشي ليتحدث عن المواجهة الحتمية الدائمة بين الشعر والسرد، فهو يشير إلى أن
الشعر فنٌّ أزلي رافق الإنسان منذ بداية وجوده على هذه الأرض.

والراصد للمسيرة الثقافية للكاتب والمترجم
“المطروشي”، يجد حضوره الممتد لأكثر من 30 عاما، تمثل ذلك في نتاجات
وإصدارات شعرية منها ” وحيدا.. كقبر أبي” و “على السفح
إيّاه”، و “لَدَيَّ ما أنسى” و “مكتفيا بالليل” و
“ليس في غرفتي شبح” و “أحدّق باتجاه الريح”، كما للكاتب
والشاعر إصدارات أخرى تجسدت في مقالات من بينها ” شبابيك الكلام”،
و”بريد المحطات” و”الكتاب والحكمة” وهو عبارة عن مراجعات في
الآيات القرآنية لمشروعية السنَّة. وفي سياق مشواره مع الشعر حصل المطروشي على
العديد من الجوائز المحلية والدولية آخرها جائزة “المعلقة” من المملكة
العربية السعودية 2025م.

وفي حديث خاص لوكالة الأنباء العُمانية يتحدث
” المطروشي” عن القصيدة العُمانية وواقعها المعاصر؛ ورؤيته لحضورها
عربيًّا وخليجيًّا، ويقول: القصيدة العُمانية راسخة شامخة كنخيل عُمان، أزلية
كبحارها، فسيحة ممتدة كشواطئها، خفاقة كأشرعتها. وعُمان بوصلة الشعر ومنبعه، بل إن
القصيدة العربية كلها تمر عبر البوابة العُمانية مذ وضع عروضها وأوزانها عالم اللغة
وإمامها الخليل بن أحمد الفراهيدي العُماني القادم من ودام الساحل بجنوب الباطنة.

إنه الركب المبارك منذ أول بيت كتبه مالك بن فهم
الأزدي وما تبعه من شعر عظيم أنجبته صحار عبر علمائها من سلالة بني الجلندى، قبل
الإسلام، مرورا بابن دريد الصحاري والمبرّد العُماني الصحمي (نسبة إلى صحم)، وصولا
إلى الستالي واللواح الخروصي والكيذاوي والنبهاني والبهلاني والخليلي، وليس انتهاء
بتيار التجديد والحداثة الذي نقل القصيدة العُمانية إلى ضفاف جديدة مفتتحًا فصلًا
مختلفًا وأفقًا مغايرًا من المغامرة، لتصبح القصيدة العُمانية مواكبة للتحولات
الجمالية والحساسية الشعرية الجديدة في العالم. إننا نستطيع القول إن القصيدة
العُمانية لم تتراجع في يوم من الأيام عن موقعها ولم تتخلَّ عن صدارتها، وهي اليوم
تجسد امتدادا أصيلًا لذلك المتن الشعري الصلب..

كما يتطرق الشاعر المطروشي إلى التحولات التي
تمر بها القصيدة العربية وتقاطعها مع العديد من القضايا، ومدى محافظتها على
مكانتها وجوهرها الحقيقي، وقربها وملامستها للواقع الاجتماعي والسياسي للإنسان
العربي، وقدرة الشعر على تحمّل قضايا العصر اليوم ويؤكد: نقول في هذا الصدد إن
القصيدة العُمانية مواكبة للتحولات وقد دخلت معترك الحداثة وسجلت حضورها بقوة
ووضوح، وبات لديها رصيد كبير في مضمار قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر، بل حتى عندما
شهدت القصيدة العمودية موجة التجديد كان الشاعر العُماني مسهِما في ذلك بفعالية،
حين بدأنا ذلك منذ أواخر التسعينات من القرن الماضي، ليصبح الآن لدينا جيل من
الشعراء يكتب القصيدة المقفاة الناضجة التي انفتحت على آفاق التجديد وانسلخت من
عباءة اللغة القديمة. ونشعر أن القصيدة في عمومها قريبة من الناس وهمومهم وتعبر عن
مشاعرهم. أما أن نحمّل القصيدة قضايا السياسة وهموم العصر ومشاكل الاقتصاد وشؤون
المجتمع فإننا نطلب من الشاعر أن يكون مصلحا اجتماعيًّا ومحلّلًا سياسيًّا
ومنظّرًا اقتصاديًّا ومنصة إعلاميّة، أليس هذا كثيرًا في حق شريحة من الناس تعيش
على هامش الحياة؟ الشاعر لا يملك الخيول ولا الجيوش، ولا يملك القنوات الفضائية،
ولا يملك الأنصار والمشجعين الذين يملكهم المغنّون والفنّانون ولاعبو الكرة. ولا
يملك الملايين التي يملكها سدنة البورصات وأصحاب المؤسسات العابرة للقارات. للشاعر
قصيدة يقولها ويمضي.

ولأن الشاعر والأديب “المطروشي” منجز
أدبي يمتد لأكثر من ثلاثين عامًا، وحصيلة واسعة بين الشعر والترجمة وقراءات أخرى
ونقترب من ماهيته، والإضافات التي أسست لتجربة نوعية مغايرة في العلاقة مع الفعل
الثقافي في مسيرته الأدبية فيقول: لا أزعم أنني أنجزت الكثير. الرحلة بدأت
بإرهاصات أولية منذ نعومة أصابعي حينما كنت بحّارا يافعا، أقضي الكثير من الوقت
على شواطئ شناص الوادعة، أتأمل أسراب النوارس المهاجرة والأشرعة الذاهبة بحنان
مهيب في سكون المحيط. ثم تجسد ذلك في عشق عميق للقراءة التي أقبلت عليها بنهم
كبير. وفي لحظة وجدتني أحمل القلم والورقة حينما شعرت أنه بات بإمكاني أن أقول
شيئا. كنت محاربا صغيرا يشعر أنه على وشك أن يبتكر معاركه الخاصة. وحينما دخلت
الميدان وجدته شاسعا وعليّ أن أمضي طويلا لكي أصل. وها أنا ما أزال أبحث في هذا
الفضاء الشاسع الذي يبدو لي أنه لا نهاية له. إنها الطريق المخاتلة التي سلكها
الشعراء والفلاسفة والمتصوفة والمجانين الذين جرفتهم اللجج العميقة وغابوا في
عتمات العصور.

حيث سطوة السرد والمواجهة الحتمية الدائمة مع
الشعر محليًّا وإقليميًّا، يشرح المطروشي هذه الظاهرة وعن انحسار حضور الشعر أمام
الرواية، على سبيل المثال لا الحصر ويجيب قائلا: أشعر أن قضية سطوة السرد قضية
مفتعلة. الشعر فنٌّ أزلي رافق الإنسان منذ بداية وجوده على هذه الأرض، وهو في نظري
النهر الأعمق خلودًا وتدفقًا عبر التاريخ. والحكاية أيضا كانت دائما وسيلة من
وسائل التعبير الإنساني. وكلا الجنسين الأدبيين شهدا تطورات وتحولات كبيرة على
المستويات الفنية في أساليب الطرح والتعبير. ولا يمكن لجنس أدبي أن يلغي الآخر.
هناك أطنان من الرواية تكتب الآن، ولكن كم منها يصل القارئ ويحظى بالنجاح والقبول.
وفي المقابل هناك الكم الهائل الذي يكتب باسم الشعر الآن، ولكنه في موازين الفن لا
يصل إلى مرتبة الشعر. وإذا كان ثمة من أزمة يعاني منها الشعر الآن فهي أزمة شعراء
وليس أزمة شعر. الشعر الحقيقي ينجح، والرديء يفشل. أنا شخصيا أشعر أن هناك كثرة من
الدخلاء على الشعر، أساؤوا للشعر أكثر مما أحسنوا. أظن أن أحدا ما عليه أن يسكتهم
أو أن تفرض عليهم عقوبات لارتكابهم الجرائم في حق الشعر.

ويقترب المطروشي برؤيته من المسابقات والجوائز
الأدبية والثقافية، كونه حقق أخيرا لقب
“شاعر المعلّقة” فيتحدث عن هذه الإضافة، ويوضح مدى صحة المقولة الآتية في سياق
الاستفهام /هل الجوائز تصنع الأديب، أم أن الأديب هو من يمنح الجائزة قيمتها/
فيقول: الجوائز في حدّ ذاتها مهمة في مختلف المجالات ومنها المجال الأدبي
والثقافي. ومما لا شك فيه أن الجوائز تختلف من حيث القيمة، فهناك جوائز ذات قيمة
أدبية ومالية، وهناك جوائز ذات قيمة مالية فقط، وليس لها قيمة أدبية لأنها لا
تستند على المعايير الأدبية المحضة، وهناك جوائز لها قيمة أدبية عالية ولكن قيمتها
المادية بسيطة، أو تكاد تكون معدومة، ولكن هذا لا يقلل من القيمة الأدبية لها،
نظرا لاعتبارات المعايير والتاريخ. والجوائز في عمومها تسهم في إبراز المبدع وتركز
عليه وتمنحه شيئا من الشهرة والبريق. شخصيا لا أظن أن الجوائز تصنع مبدعا
حقيقيًّا، ولكنها تعد مؤشرا جيدًا على موهبته وجودة نتاجه، لا سيما إذا ما تواصلت
إنجازاته وتكرر فوزه بجوائز مختلفة وفي بلدان متعددة

ويفسر الشاعر المطروشي حول ما يعقب إعلان نتائج
الجوائز الأدبية من لغط كبير حول أحقية الفائز لنيل تلك الجائزة، ومصداقية
التحكيم، لاسيما في الجوائز الكبرى. ولكن لم نشهد ذلك في جائزة (المعلقة) التي حصل
عليها أخيرا بالمملكة العربية السعودية. وكأن هناك إجماعًا عربيًّا على فوزه ويقول
في هذا الصدد: نعم هذه الظاهرة موجودة لدينا في العالم العربي، وتبرز بقوة عند
إعلان الفائزين، وتثور أسئلة حول جدارتهم، وكثيرا ما تصحبها موجة تشكيك في نزاهة
التحكيم، وما إلى ذلك من السجال الذي تذكيه الضغائن والأحقاد ويجر العداوات.

ولكن
بالنسبة لجائزة المعلقة ليس من السهل الطعن والتشكيك لأن كل شيء يجري في العلن
ومنقول على القنوات الفضائية. ولجنة التحكيم تقول رأيها بكل مهنية وحيادية
ومصداقية، وتتخذ قراراتها بناء على قراءات فاحصة ومراجعات دقيقة للنصوص. وأنا بقدر
ما تشرفت بثقة لجنة التحكيم، أسعدني هذا الإجماع العربي بجدارتي بالفوز، في الوقت
الذي أرى أن الذين وقفوا بجانبي كمنافسين على مسرح المعلقة جميعهم شعراء كبار
وتجارب مهمة جديرة بالتتويج.

ولا يبتعد رأي الشاعر حسن المطروشي عما يحدث من
جدل عميق وأزمة النقد الأدبي، وهناك من يرى أن ثمة تراجعًا حقيقيًّا في هذا
المجال، ما يؤثر في تراجع النقد الجادّ على التجارب الشعرية محليًّا وعربيًّا،
وهنا يوضح: أنا متفق تماما بأن هناك أزمة حقيقة في النقد الأدبي لدينا في العالم
العربي. والنقد لا يوكب حراك المشهد الثقافي ولا يشتبك معه. والنقد يعيش في معزل
عن أغلب ما تنتجه الساحة الثقافية. والكثير مما ينتج من النقد يعتمد على العلاقات
والإخوانيات، أو يتجه للأسماء الكبيرة المكرسة التي تحقق الشهرة للناقد ذاته. وهذا
بكل تأكيد له عواقبه الكارثية على المشهد الذي يعج بالغث والثمين ويختلط فيه الجيد
بالرديء الذي بات صوته عاليا ويطغى على السطح، لا سيما في ظل الوسائل المتاحة
لنشره وتداوله عبر منصات التواصل والاجتماعي التي أصبحت ميدانا للتداول حتى
الإشاعات والأخبار الصفراء دون تمحيص أو مراجعة، ناهيك عن النقد المنهجي البناء.
إنني أجزم بأن النقد بحاجة إلى عملية إنعاش كبرى.

ويختم الشاعر حديثه حول كتابته للشعر وما إذا لا
تزال الكتابة أمرًا روحيًّا أم أن هناك مسارات أخرى، بما فيها النضال من أجل
البقاء ويؤكد أن هذا السياق بالرغم من بساطته إلا إنه لا يخلو من التعقيد، وقد
اختلفت حوله مذاهب الكتّاب والأدباء، وهو دائما ما يعيدني إلى نقط البداية، إذ
كثيرا ما أسأل نفسي: لماذا بدأت أكتب؟ ما الذي دفعني للكتابة؟ هل كان ذلك بمحض
إرادتي، أم أن ثمة قوة داخلية جرفتني إلى هذا الطريق الغامض، أعرف أن الذي يدخل الحرب
يبحث عن مكاسب. والذي يدخل التجارة يبحث عن مكاسب. والذي يقرر الزواج غالبا ما
تكون لديه أهداف واضحة. أما ممتهن الشعر والكتابة، ففي أغلب الأحوال لم يكن
بالنسبة لهم قرارا مدروسًا، أو عن سابق تخطيط وإصرار. لذا فإن الأمر الذي تجهل
لماذا بدأته، فبكل تأكيد لا تعلم على سبيل الجزم لمَ تمارسه وتستمر فيه، رغم ما
تتكبده فيه من خسائر وتضحيات وآلام، سوى إنك تجد فيه متعة ما .. هذا كل ما في
الأمر بالنسبة لي. وما عدا ذلك من أهداف وغايات كلها تتطور وفقا لرؤيتك وموقفك في
الحياة.

/العُمانية/ النشرة الثقافية/

خميس الصلتي