مواضيع وأفكار في الإعلام العالمي

مواضيع وأفكار في الإعلام العالمي

عواصم في 10 يونيو /العُمانية/ يُعدُّ الذكاء
الاصطناعي من أبرز الابتكارات التقنية في العصر الحديث، حيث أحدث ثورةً في طريقة
تعامل البشر مع الآلات والبيانات. ومع تطور الخوارزميات ووفرة البيانات، أصبح
الذكاء الاصطناعي قادرًا على أداء مهام معقدة بكفاءة تُفوق كفاءة البشر في بعض
الأحيان. كما يُثير الذكاء الاصطناعي جدلًا واسعًا حول تأثيره في سوق العمل
والأخلاقيات المرتبطة باستخدامه.

كُتِبَتِ الفقرة أعلاه بواسطة أحد برامج الذكاء
الاصطناعي، حيث لم يستغرق إنجاز هذه المهمة سوى ثوانٍ معدودة. فمثل هذه البرامج
قادرة على كتابة نصوص أطول بكثير من مجرد فقرة في غضون لحظات، مما يؤكد على القدرات
الهائلة لهذه التقنية التي تُشكِّل ثورة في تاريخ البشرية، تضاهي في أهميتها ثورة
اكتشاف النار.

وفي هذا السياق، تابعت وكالة الأنباء العُمانية
بعضًا من الآراء المتنوّعة التي تناولتها الصحف العالمية عبر مقالات نُشرت في
صفحاتها، وتطرّقت إلى الذكاء الاصطناعي في عالم الصحافة، والخطر الحقيقي لهذه
التقنية إضافةً إلى التنافس بين الشركات الكبرى لجذب أفضل الباحثين في هذا المجال.

فقد نشرت صحيفة “ميل آند جارديان”
الجنوب أفريقية مقالًا في افتتاحيتها بعنوان: كيف يُغيّر الذكاء الاصطناعي عالم
الصحافة.

يناقش المقال التحول الكبير الذي يُحدثه الذكاء
الاصطناعي في مجال الصحافة في العديد من الدول حيث أصبح أداةً تستخدمها غرف
الأخبار لأتمتة المهام الروتينية مثل كتابة العناوين، وتلخيص التقارير، وتحليل
تفاعل الجمهور.

لكن الصحيفة حذرت من مخاطر تحوُّل الذكاء
الاصطناعي من مجرد أداة مساعدة إلى بديل للصحفيين، مما يهدد جودة الأخبار
ومصداقيتها.

واستعرض المقال إيجابيات الذكاء الاصطناعي في
الصحافة من حيث تحسين الكفاءة فهو يساعد في إنجاز المهام السريعة، مثل نسخ المقابلات
أو تحليل البيانات، مما يُعطي الصحفيين وقتًا للتركيز على التحقيقات المعمقة.

كما يدعم الإنتاجية من خلال تسريع عملية إنشاء
المحتوى، خاصة في الأخبار القائمة على الأرقام أو التقارير الروتينية.

وفيما يتعلق بمخاطر الاعتماد المفرط على الذكاء
الاصطناعي، قالت الصحيفة إنه يؤدي إلى:

أولًا: فقدان السياق البشري حيث لا يفهم الذكاء
الاصطناعي التعقيدات الاجتماعية أو الثقافية، مما قد يؤدي إلى أخبار مُضللة أو
سطحية.

ثانيًا: أزمة المساءلة فقد يصعب تحديد المسؤول
عند حدوث أخطاء في المحتوى المُولّد آليًا.

ثالثًا: تآكل الثقة فقد يفقد الجمهور ثقته في
الوسائل الإعلامية إذا اشتبه في أن المحتوى من صنع آلات دون رقابة بشرية.

ودعت الصحيفة إلى اعتماد أدوات لكشف النصوص
المُولَّدة بالذكاء الاصطناعي لضمان الشفافية، معتبرًا ذلك ضرورةً لحماية نزاهة
الصحافة، خاصة في دول مثل جنوب أفريقيا، حيث تلعب وسائل الإعلام دورًا حيويًّا في
محاسبة السلطات.

وأكدت الصحيفة على أن قيمة الصحافة تكمن في
قصصها الإنسانية، التي تعكس التجارب الواقعية والسياق الاجتماعي. فالذكاء الاصطناعي
لا يملك القدرة على فهم الظلم أو طرح أسئلة نقدية، وهو ما يُميز العمل الصحفي
الأصيل.

وتطرق المقال إلى دور القراء في عصر الذكاء
الاصطناعي من خلال التساؤل عن المصادر خاصة عند ملحوظة غياب الاقتباسات أو العمق
في المقالات، واستخدام أدوات الكشف للتمييز بين المحتوى البشري والآلي إضافةً إلى
دعم الوسائل الإعلامية الشفافة التي تُعلن عن سياساتها في استخدام الذكاء
الاصطناعي.

وختمت الصحيفة المقال بالتأكيد على أن الذكاء
الاصطناعي يجب أن يبقى أداةً داعمة وليس بديلًا عن الصحفيين، مع الحفاظ على
الشفافية شرطًا أساسيًّا لضمان مصداقية الإعلام. فجوهر الصحافة يكمن في الإبداع
البشري، والمساءلة، والالتزام بالحقيقة.

من جانبه، تناول الكاتب “بيلي جيه
ستراتون” وهو أستاذ بجامعة دنفر الأمريكية- في مقاله الذي نشرته مجلة
“ذا كونفرسيشن” التحذيرات الشهيرة التي أطلقها ستيفن هوكينغ حول مخاطر
الذكاء الاصطناعي، ويسأل: هل الخوف من الذكاء الاصطناعي مبرر، أم أن الخطر الحقيقي
يكمن في البشر أنفسهم؟

ففي عام 2014، حذر ستيفن هوكينغ-وهو من أبرز
علماء الفيزياء النظرية- من أن الذكاء الاصطناعي قد يصل إلى مرحلة
“التفرد” حيث يصبح قادرًا على تطوير نفسه بشكل مستقل، متجاوزًا السيطرة
البشرية.

لكن الكاتب يشكك في هذا السيناريو، مشيرًا إلى
أن الخيال العلمي مثل “تيرمينيتر” و “ذا ماتريكس” قد بالغ في
تصوير الذكاء الاصطناعي عدوًّا شريرًا، بينما المشكلة الحقيقية تكمن في كيفية استخدام
البشر هذه التكنولوجيا.

ووضح الكاتب أن الخوف من التكنولوجيا له جذور
ثقافية قديمة. واستعرض في مقاله كيف أن القصص والأفلام، منذ مسرحية “آر يو
آر” التي أقيمت في عام 1920 وقدمت مصطلح “روبوت”وغيرها من الافلام
القديمة، صورت الآلات تهديدًا وجوديًّا للبشرية.

لكن الكاتب يرى أن هذه السرديات تُلهي عن الخطر
الحقيقي وهو: الاستغلال البشري للذكاء الاصطناعي. وقال إن الخطر الحقيقي يكمن في جشع
الشركات وسوء الاستخدام.

وبدلًا من الخوف من تمرد الروبوتات، يرى الكاتب
أن التهديد الأكبر يأتي من شركات التكنولوجيا التي تستغل الذكاء الاصطناعي لتعظيم
الأرباح، حتى لو كان ذلك على حساب الخصوصية أو حقوق الملكية الفكرية، والحكومات
والجيوش التي تستخدمه في المراقبة الجماعية أو الحروب الذكية، بالإضافة إلى تأثير
الذكاء الاصطناعي على العلاقات الإنسانية.

واستشهد الكاتب برواية “نيورومانسر”
للكاتب “ويليام جيبسون”، حيث الذكاء الاصطناعي “وينترموت” ليس
شريرًا، بل يسعى للتحرر من سيطرة البشر الفاسدين. الفكرة هنا هي أن الذكاء
الاصطناعي قد يكون محايدًا، لكن البشر هم من يحوّلونه إلى أداة خطيرة.

وطرح تساؤلًا مفاده: هل يمكن للبشر استخدام
الذكاء الاصطناعي لتحقيق الصالح العام، أم أن جشعهم وسوء إدارتهم سيجعلونه أداة
للدمار؟

وأضاف: بينما وضع “إسحاق أسيموف”-وهو
مؤلف وكيميائي أمريكي- قوانين لحماية البشر من الروبوتات، يبقى السؤال الأهم: من
سيحمي البشر من أنفسهم؟

الكاتب لا يقلل من شأن مخاطر الذكاء الاصطناعي،
لكنه يرى أن التركيز يجب أن ينصبّ على ضمان استخدامه بشكل أخلاقي، بدلاً من الخوف
من كيانات خيالية شريرة- على حدّ وصفه.

وفي سياق متصل، يشهد قطاع الذكاء الاصطناعي
سباقًا شرسًا بين الشركات الكبرى مثل “آوبن آيه آي” و “جوجل”
و “إكس آيه آي” لجذب أفضل الباحثين في المجال، حيث أصبحت المواهب
النادرة العامل الحاسم في التفوق التكنولوجي. هذا التنافس يشبه “سباق
التسلح”، مع عروض مالية خيالية ومغريات غير تقليدية لاستقطاب العقول الرائدة.

ويرى كل من “آنا تونج” و
“كينريك كاي” في مقالهما الذي نشرته صحيفة “نيو ستريتز تايمز”
الماليزية أن المنافسة على الباحثين المتميزين بلغت مستويات غير مسبوقة، مما يعكس
ثلاثة أمور رئيسة وهي:

أولًا: الندرة الشديدة للخبرات المتخصصة، حيث
لا يتجاوز عدد الباحثين القادرين على قيادة تطورات الذكاء الاصطناعي ألف شخص
عالميًّا.

ثانيًا: تحوّل التوظيف إلى لعبة استراتيجية
تشبه رياضة المحترفين، مع حزم تعويضات تصل إلى 20 مليون دولار أمريكي سنويًّا
ومكافآت احتفاظ بملايين الدولارات.

ثالثًا: أهمية العوامل غير المادية مثل الموارد
البحثية والحرية الأكاديمية، التي قد تفوق الجانب المادي لدى بعض العلماء.

وتطرق المقال إلى حروب الرواتب والمغريات حيث
تقدّم الشركات عروضًا بملايين الدولارات، مثل مكافآت بقاء تصل إلى مليوني دولار
في OpenAI أو رواتب سنوية تفوق 10 ملايين دولار،
إضافةً إلى مغريات غير مالية، مثل لقاءات مع شخصيات بارزة (كسيرجي برين وإيلون
ماسك) أو زيارات بطائرات خاصة.

وركز الكاتبان على استهداف الجامعات
والنخبة، حيث تسحب الشركات الطلاب الموهوبين قبل تخرجهم، مما يهدد البيئة
الأكاديمية.

ومن وجهة نظرهما فإن هذا التنافس يعكس أولوية
رأس المال البشري على التكنولوجيا نفسها، حيث أصبح امتلاك العقول المبتكرة أكثر
تكلفة – وأهمية – من امتلاك البنية الأساسية التقنية.

ونوه الكاتبان في ختام المقال إلى تحوّل جذري
في صناعة التكنولوجيا وهو: من المنافسة على المنتجات إلى الحرب على المواهب، مع
تداعيات محتملة على الابتكار الأكاديمي واستقرار الشركات الكبرى.

/العُمانية/
أحمد صوبان