أوديسيوس سان سيرو: كيف قاد إنزاجي إنتر ميلان في رحلة البحث عن المجد الضائع؟

أوديسيوس سان سيرو: كيف قاد إنزاجي إنتر ميلان في رحلة البحث عن المجد الضائع؟

إنها ليست مجرّد قصة مدربٍ وفريقه، بل ملحمة تتحدث عن العودة من بين فكّي الإفلاس والشكوك، حرب خاضها إنزاجي رافعًا راية فريقه فقط، وكما خاض أوديسيوس حرب طروادة ثمّ عاشَ عقدًا من التيه بحثًا عن وطنه، خاض إنتر ميلان حربًا ماليةً شرسة، بَدَينٍ تجاوز 886 مليون يورو، ثم شرعَ في رحلة إعادة بناءٍ شاقّة، بقيادة قبطانٍ صامت لا يستل سيفه إلّا على أرض الملعب، حيثُ يقود سيموني إنزاجي سفينة إنتر ميلان في مواجهة أمواجٍ عاتية: ديونٌ كثيرة، وفرقٌ أوروبيةٌ جبّارةٌ تتربص كـ”سيكلوب”، وذاكرة جماهيرية تئنُّ من غياب المجد لزمان طويل، وبالبحث عن مزيد من التفاصيل، سنجد أن أروقة سان سيرو تُحاكي حكايةَ الأسطورة “أوديسيوس” العائد إلى جزيرة إيثاكا العصية على الكل.

ولذلك فالسؤال الذي يلوح في الأفق: ما هي الطريقة التي حوّل بها إنزاجي أزمات النادي إلى فرص؟ وكيف استبدلَ النجومية الفردية بـ “كيمياء جماعية”؟ وكيف نجت سفينة إنتر من عواصف الدوري الإيطالي ودوري الأبطال؟ وكيف راوغت أسطورة أوديسيوس هذه المرة ثم كتبت نهايتها بعيدًا على أيدي “سيرين” الإغراءات المالية و”كاليبسو” المنافسين؟ وكيف صمد إنزاجي كـ”بطل ميثولوجي”؟ وقبل أن نبدأ دعنا نقول لك مسبقًا أن الجواب لن يكون في الأرقام، ولا البطولات، بل في الإرث الذي سيتركه وراءَه حين تُرفع الأشرعة مرة أخرى.

الساعة الموقوتة

لم تكن الخسائر المالية مجرد أرقام، بل وحشًا يلتهم مستقبل النادي بأكمله، في موسم 2020-2021، سجل إنتر ميلان خسارةً قياسية بلغت 245.6 مليون يورو، وهو رقمٌ يكفي لدفن أي ناد في الدوريات الصغرى، ورغم تراجع الخسائر إلى 85 مليون يورو في 2022-2023 (موسم وصول الإنتر لنهائي دوري الأبطال)، إلا أن هذه الأرقام دقت جرس إنذار هام: كيف يُمكن لفريقٍ أن يخسر كل هذا المال وهو في ذروة نجاحه الرياضي؟

السبب يعود ببساطة إلى إدارة سونينج الصينية، التي أشعلت نار الصفقات الباهظة (مثل شراء لوكاكو بـ75 مليون يورو) دون حسابٍ لعاصفة جائحة كورونا، ومنذ تلك اللحظة تحوَّل الإنتر إلى سفينةٍ بلا قبطان، تُصارع أمواجًا من القروض البنكية والفواتير المتأخرة، على سبيل المثال: طالب بنك CCB الصيني عام 2023، إدارة تشانج بسداد 300 مليون دولار كاملةً، مدعيًا أنه أخفى أصول النادي المالية عبر شبكةٍ معقدة من الشركات الوهمية، وفي هونج كونج، أصدرت المحكمة حكمًا بسجن تشانغ 3 أشهر إذا لم يُسدد، في الوقت الذي لاحقته أيضًا مذكرات استدعاء في نيويورك تطلب كشف أمواله المخبأة.

ولذلك حاول تشانج الخروج من المتاهة باستخدام قرضٍ من صندوق “أوكتري كابيتال الأمريكي”، بفائدةٍ مرتفعة تصل إلى 12%، ولكن لم تكن هذه نهاية اللعبة، إن هذا القرض كان أشبه بشريان حياةٍ مسموم: يُبقي النادي واقفًا، لكنه يزيد من احتمالية خسارته لصالح الصندوق إذا تعذَّر السداد بحلول مايو 2024، ولذلك وقف الإنتر في تلك اللحظة عند مفترق طرق: إما أن يبيعه تشانج لمستثمرٍ جديد، أو تفقد عائلته السيطرة لصالح “أوكتري”، وفي ظل تلك المخمضة كانت التحديات أكبر من أي وقتٍ مضى: 

شيخوخة التشكيلة: 10 لاعبين أساسيين تجاوزوا الـ30 عامًا. 

الملعب القديم: مشروع الملعب الجديد في روزانو يتطلب استثماراتٍ تفوق 500 مليون يورو. 

الدين العالق: سندات بقيمة 415 مليون يورو بفائدة 6.75%، تُثقل كاهل أي مالكٍ جديد.

ولذلك قرر سيموني إنزاجي خوض المعركة بطريقة مختلفة، فاعتمد على لاعبين منخفضي التكلفة مثل دارميان ودي ماركو، وبنى نظامًا تكتيكيًّا من 3-5-2 حوَّل الفريق إلى آلةٍ متناغمة، والنتيجة؟ وصول الإنتر لنهائي دوري الأبطال 2023، وفوز بكأس إيطاليا مرتين، وتألق لاعبين مثل لاوتارو مارتينيز الذي سجل 28 هدفًا في موسم واحد، المفارقة العجيبة أن النجاح الرياضي لم يُترجم إلى استقرار مالي أبدًا، بل زاد من تناقض الصورة: حتى وصلنا إلى اللحظة التي تولت فيها شركة الاستثمار “أوكتري كابيتال مانجمنت“، ملكية النادي بشكل رسمي بعد تتويج الأخير بلقب الدوري الإيطالي لكرة القدم مباشرةً. 

عرض هذا المنشور على Instagram ‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎365Scoresarabic‎‏ (@‏‎365scoresarabic‎‏)‎‏

وهنا يأتي الوجه الآخر للسؤال الأول: كيف ينجح الفريق رياضيًا رغم كل تلك الأزمات المالية؟ والسبب يعود ببساطة أكبر إلى قبضة سيموني إنزاجي على تفاصيل اللعبة، فالمدرب الإيطالي لم يُبدِ اهتمامًا بضوضاء المليارات، واختار أن ينغمس في عالمه التكتيكي، يُحلل حركات اللاعبين، ويُعيد تشكيل الفريق كأنه يُعيد تركيب أحجيةٍ نادرة. 

والنتيجة؟ وصل لنهائي دوري الأبطال، وأثبت أن كرةَ القدم تُلعَبُ بالعقل، وأن المحفظة ولو أنها جزء لا يتجزأ من اللعبة الحديثة، إلا أنها ليست الجانب الأهم وحدها، وكما فعل أوديسيوس حين أدار ظهره لعويل البحر وركز على دفة السفينة، صنع إنزاجي من الملعب ملحمة أخرى، لا مكان بها للخوف، بل هي مصنوعة فقط للإبحار نحو المستحيل، حتى لو كان الثمنُ غاليًا. 

“أحياناً يجب أن نضيع كي نعثر على أنفسنا من جديد”. 
الكاتب الإسباني كاميلو خوسيه ثيلا.

شذرات

يرى مايكل كوكس، محلل “ذي أثليتيك” أن إنتر ميلان أصبح يُجسِّد روح الكرة الإيطالية الكلاسيكية بامتياز؛ وضرب مثالًا في مواجهة بايرن ميونخ، حين تحوّل الدفاع العميق إلى حصنٍ منيع منع سيل ميونخ الضاري، وتصدّى للهجمات ببراعة هائلة، مدعومًا أيضًا بنسبة نجاح في الكرات العالية (59%) تتفوّق على جميع فرق الدوريات الكبرى، متفوقًا حتى على بايرن نفسها بفارق 3%، ولم تكن أهدافهم في مباراة الإياب (2-2) وليدة الصدفة، إذ يعتمد الفريق على نظام دفاعي ثلاثي مع ظهيرين كثيري الركض. 

وهو نهجٌ أصبح علامةً فارقة للأندية الإيطالية، حيثُ يُفضّلون الركض لاسترداد الكرة بدلًا من المراوغة، مما جعلهم الأقل في المراوغة بين فرق الدوريات الكبرى، هجماتهم المرتدة السريعة، المدعومة بتمريرات قصيرة حادّة، تتحوّل إلى كوابيس للخصوم، كما فعل تورام عندما مرّر بكعبه الذهبي إلى لاوتارو ليسجّل الهدف الأول في ذهاب ميونخ، في لمسةٌ عبقرية تُلخّص فنّ الشراكة الهجومية التي لا مثيل لها في أوروبا، فهكذا يلعب الإنتر: كل تفصيلة تُحاك بدقة، وكل فرصة تُحوَّل إلى درسٍ في الكفاءة، مُثبتين أن الأسلوب الكلاسيكي يمكنه أن يزهو حتى في عصر المراوغة والبهجة الهجومية. 

الأمر الأكثر إثارة للدهشة هنا أن إنتر عادةً ما يلعب أيضًا بنظام يدور الكرة بطول الملعب، وغالبًا ما يحمل المدافعون الكرة إلى نصف ملعب الخصم، بينما يتراجع أحد لاعبي الوسط للحفاظ على شكل الفريق، وحتى في هذه الحالة، لن يثني هذا مدافعهم الآخر عن فعل الشيء نفسه، لذا ينتهي الأمر بثلاثي دفاع إنتر ممتدًا على طول الملعب ومنفصلًا تمامًا عن بعضهم البعض، قد تبدوا هذه الطريقة مندفعة للبعض، إلا أنهم رغم ذلك لا يفقدون الكرة بسهولة.

عرض هذا المنشور على Instagram ‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎365Scoresarabic‎‏ (@‏‎365scoresarabic‎‏)‎‏

الأمر الأكثر غرابة فعلًا في طريقة لعبهم، هو أن فرانشيسكو أتشيربي، قلب الدفاع البالغ من العمر 37 عامًا، يركض بانتظام دون كرة في وسط الملعب، ليتحول فجأة إلى مهاجم مركزي. وقد فعل عدة مرات في مباراة برشلونة الأخيرة، مما تسبب في مشاكل جسيمة لبرشلونة الذي اعتمد على أسلوب الرقابة الفردية في أجزاء من المباراة. 

ركنيات

تُحاكي ركلات إنتر الركنية دقةَ سهام أبولو، حيثُ يسجلون أعلى معدل أهداف متوقعة (xG) في الدوري الإيطالي (4.6 لكل 100 ركنية)، مع اعتمادهم على الركلات الخارجية (57%) التي تستهدف المنطقة بين قائمي المرمى كـسهمٍ ينطلق من قوسٍ ذهبي، حيث يحول تشالهانوجلو ودي ماركو  هذه الكرات إلى كوابيس للخصوم بتمريراتهما المُحكَمة، أما في التمريرات الطويلة، فيتحوَّل أليساندرو باستوني إلى حارس بوابات هاديس، يقف عند حافة منطقة الست ياردات، بينما ينسحب زملاؤه خلفه كجنودٍ مستعدين للانقضاض، مثلما وضح أحمد وليد أيضًا في تقرير آخر حمل عنوان: “How Inter’s outswinging corners have become a routine part of their success in 2024-25”. 

يقوم أليساندرو باستوني بدور “بروميثيوس” الهجومي، حيثُ يهاجم القائم القريب ليُشعل الفوضى في صفوف الدفاع، بينما ينقسم زملاؤه في خطٍّ قطريٍّ، كلٌّ في مسارٍ وزاويةٍ مختلفة، لاعتراض العَرَضيات من ارتفاعاتٍ وأوقاتٍ متباينة، هذه الاستراتيجية، التي تُعرف بـ”تأطير الصليب”، تحوّل الكرة إلى لغزٍ يشبه خيوط مويرا (أقدار الإغريق): إن أخطأ أحد اللاعبين في قطع الخيط، يظهر آخر ليبُرهِفَ الحل، مخلّفًا وراءه عدمَ القدرة على التنبؤ وفرصًا متجددة. 

الجزء الأخير من اللغز هو ماركوس تورام، الذي يتحرك كـصيادٍ خفيّ نحو القائم البعيد، مُستعدًّا لتسديد كرة سريعة أو اصطياد ارتدادٍ عشوائي، في هذا المشهد ضد كومو (ديسمبر الماضي)، يتصل الخط القطري لإنتر بلاعب مثل تشالهانوجلو، الذي يُرسل عرضية دقيقة ينقض عليها  تورام ببراعة، مُحولًا التمريرة إلى تهديد حقيقي، ليسددها كارلوس أوجوستو برأسه في شباك الخصم دون أن يحتاج إلى تورام.

وفي هذا المثال، ضد إمبولي في يناير الماضي، كان بنيامين بافارد على حافة منطقة الست ياردات، وكان تورام متمركزًا نحو القائم البعيد، وكان دي فريج وأوجوستو ودنزل دومفريس مستعدين لمهاجمة العرضية.

وبينما يرسل كريستيان أسلاني الكرة نحو المنطقة، تتكشف حركة إنتر المُحكَمة الأخرى: ينشغل بافارد (رقم 28) بإعاقة أحد المدافعين، بينما يندفع تورام نحو القائم البعيد، يتقدم العدّاؤون القطريون، دي فريج أولاً، ثم أوجوستو، مُخلّفين ارتباكًا في صفوف دفاع إمبولي (بالأحمر)، بينما ينتظر دومفريز بترقُّب، وفي قلب هذه العاصفة، يحاول ليبيراتو كاكاشي (رقم 13 لإمبولي) الصمود. 

وبينما انشغل لاعبا خط الدفاع الآخران (باللون الأحمر)، إيمانويل جياسي وليام هندرسون، بجري أوجوستو ومسار الكرة العرضية، كانت هذه هي اللحظة التي اندفع فيها دمفريز للأمام، ليستقبل الكرة ويسددها داخل الشباك.

هذه الاستراتيجية، التي تجمع بين القوة الذكية والتنفيذ الدقيق، تُكرِّس فلسفة إنزاجي: تحويل نقاط القوة الفردية إلى سيمفونية جماعية، حيثُ كل لمسة كرة تُشبه لمسة عازف قيثارة في ملحمة هوميروس.

ثلاثيات

إذا كان لا بد من اختيار عبارةٍ واحدةٍ لوصف إنتر ميلان تحت قيادة سيموني إنزاجي، فستكون “هيفايستوس الملاعب”، إله الحدادة الأسطوري الذي حوَّل النارَ والحديدَ إلى فنٍّ جيد وعتيق، فكما جمع الإغريقي القديم بين الجمال والوظيفة في صنع درع أخيل، جمع إنزاجي بين الأناقة التكتيكية والصلابة الدفاعية، محوِّلاً الفريق إلى كيانٍ يشبه “حصان طروادة”، جميلٌ في شكله، ومميتٌ في جوهره.

لم تكن القدرة على اختراق ضغط الخصم بأنماطٍ سلسةٍ مجرد إنجاز، بل كانت معجزة مكتملة الأركان، أضف إلى ذلك الضغط الهجومي القاتل، والكتلة الدفاعية المصمتة، والتحولات السريعة التي تُشبه سهام أرتميس، لا تُرى إلّا عند اختراق الشباك، والتنوع الهجومي في الثلث الأخير الذي يُحاكي تنوع أسلحة أثينا في الحرب، لتحصل على فريقٍ يزدهر في كل زاوية من الملعب، حتى في الكرات الثابتة التي تُدار بدقة متناهية، وإليك مثال كاشف للغاية: في تحليله لمباراة الفريق ضد أتلتيكو مدريد، لماذا مباراة أتليتكو مدريد تحديدًا؟ لأنها كانت مباراة جمعت طرفي النقيض، ولذلك فهي هامة للغاية لفهم ما يفعله الفريق داخل الملعب.   

عرض هذا المنشور على Instagram ‏‎تمت مشاركة منشور بواسطة ‏‎365Scoresarabic‎‏ (@‏‎365scoresarabic‎‏)‎‏

المهم؛  في تحليله لمباراة الفريق ضد أتلتيكو مدريد، يرى أحمد وليد، الكاتب في مجلة “ذي أثليتيك“، أنه إذا كان هناك عبارة واحدة تصف إنتر ميلان، فربما تكون “الفن الوظيفي”، حيث أن الفريق اخترق ضغط الخصم بانسيابية شديدة، وعندما تراجع أتلتيكو إلى عمق دفاعه، لم يتردد الرجل في اقتحام الأسوار بقيادة باستوني وبافارد، اللذين تحركا بسلاسة، مع إعادة تشكيل التمركزات الهجومية بصفة أقرب. 

وهكذا، لم تكن المباراة مجرد مواجهة عابرة، بل كانت أسطورةً جديدةً تُكتب بأنامل إنزاجي، الذي حوَّل التكتيك إلى قصيدة، والملعب إلى مسرحٍ للأسئلة التي لا إجابة لها إلا انتصاراتُه، ومن ناحية أخرى، حدّ ضغط إنتر وتكتله الدفاعي العنيد من فرص أتلتيكو، حيث راقب الثلاثي الدفاعي ووسط الملعب تحرّكات أنطوان جريزمان بين الخطوط، مع قدره غير عادية على استعادة الكرة بسرعة بعد فقدانها.

ومع تميَّز ثُلاثي وسط إنتر بالدقة كلما خرجت الكرة من حوزتهم، كان الخروج بالكرة أسهل دائمًا، فإلى جانب فهمهم العميق لمساحات الضغط وانسحابهم الاستباقي إلى مناطق التكتل، سهَّل تركيز باريلا وشالهان أوجلو ومخيتاريان على استرداد الكرة فور فقدانها، مما قيَّد تحولات أتلتيكو الهجومية، وسمح للفريق بمهاجمة دفاعٍ مُشتت في كل مكان، هذا النمط المتمرس من اللعب الوظيفي، حيثُ تتحول الكفاءة الدفاعية إلى فرص هجومية، بدا جليًّا منذ صافرة البداية، كأنه خطة مُحكمة تُنفَّذ بلا رتوش.

باريس سان جيرمان بدون النجوم: فريق جديد.. فلسفة جديدة.. هوية جديدة


ومن الأمثلة التي ذكرها وليد أيضًا لفهم الأمر بشكل أوضح، هو المثال القادم: حين تم اعتراض تمريرة ماتيو دارميان إلى تشالهانوجلو بواسطة صامويل لينو وبينما تتحرك الكرة نحو ساؤول نيجيز، كان رد فعل تشالهانوجلو سريعًا للغاية، حيث أجبر ساؤول على تمرير الكرة بسرعة إلى لينو، قبل أن يتعرض للضغط من قبل باريلا، في الوقت الذي يتراجع فيه لاعب خط وسط إيطاليا لإكمال الضغط المضاد لإنتر واستعادة الاستحواذ.

وفي مثال آخر، نرى باريلا متمركزًا على أقصى اليمين، بينما أخطأ شالهان أوجلو في تمريرة وصلت إلى يورينتي، حسنًا، ما الحل؟ الحل بسيط للغاية، سيتحرك بافارد بذكاء لعرقلة موراتا، ويقطع مسار التمرير إلى لينو المتقدم. 

 فشلت الفكرة، واستمرت الهجمة المرتدة بوصول الكرة إلى كوكي، الذي وجد مساحةً خطيرةً أمام دفاع الإنتر، ولذلك انطلق باريلا كالسهم لاعتراض تمريرة كوكي. 

ليجهض الهجمة ببراعة، لم تكن هذه اللحظة عادية، بل نتيجة إصرار لا يُضاهى من لاعبي الوسط، باريلا وشالهان أوجلو ومخيتاريان، على استرداد الكرة فور فقدانها، مما يحوّل كل خطأ دفاعي إلى فرصة هجومية، هكذا يعمل الإنتر تحت قيادة إنزاجي: آليةٌ دفاعيةٌ لا تهدأ، تُحوّل الفوضى إلى نظام، والتهديدات إلى نقاط قوة.

حسنًا، ربما يكون خط وسط إنترناسيونالي عبارة عن كائن هجين يجمع بين أناقة السيطرة على الكرة وشراسة استعادتها، وسواء واجه الفريق ضغطًا عاليًا كـتيّارات سيربيروس العنيفة، أو دفاعًا عميقًا يشبه قلعة طروادة، أو هجماتٍ مُندفعة كعاصفة زيوس، فإن آلية إنزاجي التكتيكية تُحيل التحديات إلى فرص، هذه المرونة الأسطورية  هي التي أوصلتهم إلى نهائي دوري أبطال أوروبا، حيثُ تُكتب الملاحم بأقدام اللاعبين لا بأموال الأثرياء.

الطريق إلى إيثاكا 

إنتر ميلان ليسوا مجرد فريقٍ يُحاكي الماضي، بل هم الاستثناء: يُحرزون النتائج بلا ضجيج، ويصنعون الأساطير بأقدامٍ صامتة تمامًا، وفي عصرٍ تُقدّس فيه الأضواء أكثر من الكؤوس، يبقى سؤالهم الأزلي: هل الإنجاز الحقيقي هو الفوز، أم أن الاعتراف الدولي هو الجائزة الأكبر؟ الإجابة قد تأتي من ملعب “ملعب أليانز أرينا”، لكنها لن تُختزل في لحظة تتويج أو خسارة، خاصة وأن الجزيرة المجهولة التي يبحر إليها الإنتر ليست مجرد مكان على الخريطة فقط، بل فكرةٌ عن كرة قدم نقية تُذكِّرنا بأن الجوهر لا يصدأ أبدًا. 

وسواء رست سفينة الإنتر على شاطئ التتويج أم بقيت تُصارع الأمواج، سيظل مسار إنزاجي وفريقه دليلًا على أن الجمال الحقيقي يكمن في التفاصيل: تمريرة بكعب، اعتراضٌ في اللحظة الأخيرة، هدف في آخر لحظات المباراة بقدم لاعب يحمل قصة ملحمية في قلبه ووجدانه، أو تصدٍ أسطوري من حارس جيد، مع إصرارٌ يُذكّرنا بأن التاريخ لا يكتبه المنتصرون وحدهم، بل أولئك الذين يرفضون أن يُغيّبهم الضجيج أيضًا. 

وحتى لو لم يصلوا إلى «إيثاكا» هذه المرة، فطريقهم سيظل مُضاءً بدماء التحدي، فالتاريخ لا يذكر فقط من رفع الكأس، بل من أبحر عكس التيار، مثل أورفيوس الذي دخل عالم الأموات ليعيد فنَّه إلى الحياة،  إنتر ميلان، برغم كل شيء، هم أبطالٌ من نوعٍ آخر: يُعيدون إحياء الروح الكروية في زمنٍ يلهث خلف الوهج الزائف، فليكن الفوز أو الخسارة، فالقيمة ليست في عدد النجوم على الشعار، بل في النجوم التي أشعلوها في قلوب المتابعين، فالكنز، كما تعرف، يظل في الرحلة.