أبناء هتلر يتسببون في إعدام لاعبي فريق أوكراني بعد انتصارهم على الفريق الألماني.

في ظهيرة 9 أغسطس 1942، وعلى ملعب مهترئ في مدينة كييف، دارت عجلة الكرة وسط دخان الاحتلال الذي يُمارسه آدولف هتلر وكل معاونيه، بين فريق إف سي ستارت الأوكراني، وفريق فلاكليف الألماني.
ما بدا في ظاهره مباراة في كرة القدم، كان في جوهره تمرّدًا على آلة نازية تحكم بالموت قبل الصافرة وبعدها؛ انتصر فريق ستارت، لكن النتيجة لم تُسجَّل على لوحة الملعب، بل في سجلّات الدم، حين أعدم النازيون عددًا من اللاعبين، عقابًا على إذلالٍ رياضي هزّ صورة العرق المتفوق.
مع اجتياح النازيين لأوكرانيا ضمن عملية بارباروسا، وجد الأوكرانيون أنفسهم أسرى في وطنهم، يُساقون للجوع والإذلال، تحوّلت كييف إلى ثكنة، ومعها انهارت الأندية والمؤسسات، وهذا ما نسترسله معًا عبر موقع 365Scores.
لكن كرة القدم، هذه اللعبة العنيدة، عادت من رماد الحرب حين قام جوزيف كورديك، مدير مخبز، بجمع بعض من نجوم دينامو كييف السابقين لتكوين فريق باسم “إف سي ستارت”، وفرّت لهم وظائف بالمخبز مأوى وطعامًا وحماية من الاعتقال أو القتل.
تشكّل الفريق من حارس المرمى نيكولاي تروسيفيتش، الجناح الموهوب ماكار جونتشارينكو، والمهاجم القوي إيفان كوزمينكو، وغيرهم من اللاعبين الذين كانوا نجومًا قبل أن يتحولوا إلى عمال وأشباح جوعى.
كرة القدم ضد الأيديولوجيا.. هتلر يرد على الهزيمة بطريقته
بدأ الفريق بالفوز على خصومه واحدًا تلو الآخر، من فرق رومانية ومجرية وحتى فرق ألمانية ذات طابع عسكري، أصبح أداؤهم تحديًا صريحًا لهرم النازية، فجاءت المباراة التي غيّرت كل شيء: مواجهة ضد فريق “فلاكليف”، المكوّن من أفراد سلاح الجو الألماني، في السادس من أغسطس.
The Death Match, Kiev, 1942 pic.twitter.com/b4cdeMCx3T— History Hub (@HistoryHubb) February 12, 2025
فاز الأوكرانيون بخمسة أهداف مقابل هدف، فيما كان من المفترض أن تكون مباراة استعراضٍ للتفوق الألماني، فجأةً، غيّر الألمان قواعد اللعبة: مباراة “ثأر” جديدة تحددت بعد ثلاثة أيام، مع تعزيزات ألمانية اختيرت من أنحاء أوروبا المحتلة، الملصقات في المدينة نادت بـ”الانتقام”، وجنود نازيون انتشروا في كل زاوية من ملعب زينيت.
في يوم المباراة، وقف لاعبو ستارت في غرفة الملابس يُدركون أن فوزهم يعني ربما نهايتهم، ومع ذلك، نزلوا الملعب، لم يرضخوا، لم يتراجعوا، رغم التهديدات والضغوط، ورغم خشونة الخصوم وتحيز الحكم، لعبوا الكرة بروح الكرامة، ورفضوا حتى أداء التحية النازية قبل البداية.
ما بعد الصافرة؛ القصة الأكثر ظلمة.. مباراة “الموت” لا كرة القدم!
رغم الخسارة أو التعادل – حسب الروايات المتضاربة – كان القرار قد اتُخذ، بعد أيام من المباراة، بدأ الجيستابو في اعتقال لاعبي الفريق، وُضعوا في معسكرات، وأُعدم بعضهم رميًا بالرصاص في ساحة مفتوحة، نيكولاي تروسيفيتش، القائد، سقط أولًا.
(1/3)#OnThisDay 9 Aug 1942 🇺🇦
The infamous ‘Death Match’ takes place in Kyiv, as bakery side FC Start, drawn from Dynamo and Lokomotiv players, beats a German airforce XI 5-3
[📸 Mick Page] pic.twitter.com/Ez1dFAfpLP— Outside Write ⚽️ (semi-active here) (@outsidewrite) August 9, 2023
لا تزال كييف تحتضن نصبًا تذكاريًا شامخًا يُحيي ذكرى أبطال “مباراة الموت”، تمثال لرجل عارٍ يرفع قبضته عاليًا، يسحق نسر النازية، يذكّر العابرين أن كرة القدم ليست مجرد لعبة، كانت في يومٍ ما مقاومة، تمردًا على الظلم، وخطًا فاصلًا بين الكرامة والانكسار.
إنها لحظة تتقاطع فيها الرياضة مع الأخلاق، وتصبح الكرة وسيلة تحدٍّ لسلطة لا تُهزم إلا بالكرامة، قصة تختلط فيها الحقيقة بالأسطورة، لكنها تظل ثابتة في قلب الذاكرة الإنسانية.
ففي عالمٍ تسوده الأيديولوجيات الجائرة، قد يظل الانتصار في مباراة كرة قدم آخر صدى للحرية قبل أن يخبو الصوت تحت رصاص الظلم الذي بدأه هتلر حتى إنتهى بنهايته.