في خضم الضباب… حكاية حارس المرمى الذي تُرك وحيدًا لمواجهة السراب!

في خضم الضباب… حكاية حارس المرمى الذي تُرك وحيدًا لمواجهة السراب!

لم تكن ليلة ميلادٍ ككل الليالي، بل كانت مسرحًا لحكاية حارس المرمى التي خرجت من رحم الضباب لتعيش أبد الدهر بين دفاتر الأسى وسطور السخرية المُبكية يقصّها عليكم موقع 365Scores.

في الخامس والعشرين من ديسمبر عام 1937، كُتب فصلٌ غريب من فصول كرة القدم على أرض ستامفورد بريدج، ولكن دون أهداف أو تصفيق، دون بطولات تُرفع أو أسماء تُخلّد في التشكيلات.

هناك، في زاوية الملعب البعيدة، وُلدت واحدة من أكثر القصص مأساويةً وسخرية في تاريخ اللعبة… قصة سام بارترام، حارس المرمى الذي صمد في وجه لا أحد.

قفازات حارس المرمى

كانت لندن كالعادة ترتدي ضبابها الكثيف كعباءةٍ من شتاءٍ لا يرحم، لكن في ذاك اليوم، بدا الضباب ككائنٍ حيّ، يزحف ببطء ليبتلع الملعب بأكمله، بلا رحمة.

أُلغيت المباراة وبقيت المروءة.. حارس المرمى ذو الولاء الأبدي

المباراة بين تشيلسي وتشارلتون أثليتيك بدأت كأي ديربي لندني حماسي، ولكن مع كل دقيقة تمر، كان الضوء يتراجع، والرؤية تخبو، وكأن الزمن نفسه يغفو على المدرجات.

وصلت المباراة إلى الدقيقة الستين، وتحوّل الأخضر إلى رماد، الرؤية تلاشت، واللاعبون صاروا أشباحًا يركضون في العدم، حتى اضطر الحكم أن يرفع الراية البيضاء ويُلغي المباراة. غادر الجميع… الجماهير، اللاعبون، حتى الأحلام؛ لكن… واحدًا فقط لم يغادر.

في أقصى الملعب، حيث لا صوت يمرّ ولا إشارة تُرى، كان يقف سام بارترام، رجلٌ في مواجهة ضباب، لم يسمع الصافرة، لم يلمح الزملاء يغادرون، لم يشكّ للحظة أن العالم من حوله قد انسحب بصمت، كانت هتافات المدرجات البعيدة تضلله، والضوء الذي اختفى يُغريه بالبقاء.

ظنّ أن فريقه في هجوم، وأن الكرة في طريقها نحوه، فشدّ قامته، مدّ ذراعيه، وثبّت قدميه… وراح يحرس مرمىً لم يعد موجودًا.

دقيقةٌ بعد دقيقة، كان سام يقف كما يقف الحلم في وجه اليقظة، لا أحد يقترب، لا كرة في الأفق، لا خصم يُرعبK ومع ذلك… ظلّ هناك، كمن يحرس ذاكرة، أو وهْمًا لم يُخلق بعد.

بعد ربع ساعة من العزلة، خرج من رحم الضباب شخصٌ واحد… ضابط شرطة، اقترب منه بخطواتٍ بطيئة، كمن يُخرج رجلًا من غيبوبة، أبلغه أن المباراة انتهت منذ زمن، وأن الجميع رحل، وبقي هو وحده.

سام، حارس المرمى الذي كان على وشك أن يصدّ هجومًا وهميًا، لم يكن أمامه سوى أن يضحك… ضحكة مُرّة، ضحكة من اكتشف أن إخلاصه لم يكن له شاهد، وأن تضحيته لم تُسجّل في دفاتر الشرف، بل في هامش الحكاية.

قال حارس المرمى يومًا: “كنت أُحدّق في الظلام بذراعين ممدودتين، أتوقع الكرة في أي لحظة… لكن لا شيء جاء، كنت وحيدًا، ولم أكن أعلم“.

لم يكن سام بارترام فقط حارس مرمى بارعًا، بل كان قلبًا يقف في وجه الغياب، خاض أكثر من 600 مباراة مع تشارلتون، لكن هذه المباراة التي لم تكتمل… كانت الأهم.

لم يُسجّل فيها هدف، لكن تسجّل فيها اسمه في دفتر الحكايات التي تُروى في صمت، لم تكن إنجازًا رياضيًا، بل لحظة إنسانية… لحظة تجرّد فيها لاعبٌ من الزمن، وبقي واقفًا لأن أحدًا لم يقل له أن كل شيء قد انتهى.

لا تُروى هذه القصة لتثير الضحك، ولا لتُشيد بحماقة حارس المرمى، بل لأنها تُشبه الحياة نفسها؛ أحيانًا نقف، بكل إخلاص، في مواقعنا، نحرس ما لم يعد موجودًا، ننتظر شيئًا لا يأتي، ونصدق أن الغياب تأخر فقط، لكنه في الحقيقة… كان قد غادر منذ زمن.

سام بارترام لم يكن ضحية الضباب، بل كان شهيد الوفاء.

وهكذا، سيظل اسمه محفورًا في ضباب ستامفورد بريدج، ليس كحارس مرمى، بل كرمزٍ للذين صدّقوا حتى النهاية، وحرسوا السراب في زمنٍ لم يترك لهم إلا العتمة.