أرصفة محتلة.. ورقابة غائبة

«الشقق الزجاجية» صورة جديدة للانهيار الحضارى فى «عباس العقاد»
العشوائية تحاصر الأحياء.. والأجهزة التنفيذية تكتفى بـ«الفرجة»
تصاعد الغضب..ومطالب بمحاسبة المسئولين المتواطئين
تواصل «تواصل» حملتها الصحفية ضد مظاهر العشوائية على الأرصفة فى مختلف أحياء القاهرة الكبرى، بعدما فشلت الأجهزة التنفيذية فى مواجهة هذا الاحتلال المنتشر فى مصر للأرصفة.. ونالت التجاوزات من إنجازات الدولة. رغم الجهود الحثيثة التى تبذلها الدكتورة منال عوض، وزيرة التنمية المحلية، فى إزالة تلك المخالفات العشوائية، فإن هناك حالات تُظهر بوضوح.
قامت جريدة تواصل بجولة فى مناطق حيوية بالعاصمة، منها شارع عباس العقاد بمدينة نصر، وشوارع حى مصر الجديدة، وحى الزيتون، حيث تم رصد انتهاكات صارخة لا يمكن السكوت عليها. تجاوزات استولت على الأرصفة وعرقلت حركة المرور، فى مشهد يعكس غياب الرقابة الجادة على الأرض، ويطالب بتدخل فورى من الدكتور إبراهيم صابر، محافظ القاهرة، لحماية ممتلكات الدولة وتحقيق العدالة بين المواطنين.
رصدت الجولة الميدانية واقعة اعتداء صارخ على أملاك الدولة من كشك يدعى «أبوعمار»، بشارع المسلة المتفرع من شارع إبراهيم بميدان الكوربة، مصر الجديدة، تجاوزات الكشك تخطت كل الخطوط الحمراء، حيث استولى صاحبه على مساحة واسعة من الشارع العام بالمخالفة لاشتراطات اللجنة العليا للأكشاك بمحافظة القاهرة، حتى بات يعرقل مرور السيارات، وسط صمت غير مبرر من مدير الأكشاك بحى مصر الجديدة، فى مشهد يعكس حجم التواطؤ أو الإهمال داخل المنظومة التنفيذية.
ثلاجات تحتل الرصيف
فى السياق ذاته، قال حسن محمود 52 عاماً من سكان مصر الجديدة، موظف بأحد المحلات الشهيرة، إن الكشك المخالف حول المكان إلى ساحة فوضى، بعد أن نشر أكثر من خمس ثلاجات على امتداد يتجاوز 10 أمتار، إلى جانب تكدس كراتين المياه خلف الكشك، ما تسبب فى اختناق مرورى يومى، ومضايقات مباشرة للسكان والمارة، كل ذلك يحدث دون رقابة أو محاسبة، وكأن القانون قد تم تعليقه لصالح من يملكون «الحماية» و«الواسطة».

المواطنون يستغيثون
أطلق سكان الشارع إبراهيم وشارع المسلة وميدان المحكمة بمصر الجديدة، صرخة غضب، مطالبين محافظ القاهرة بالتدخل العاجل لوقف ما وصفوه بـ«التجاوزات القانونية» فى قلب مصر الجديدة، وفتح تحقيق عاجل فى تقاعس المسئولة عن الأكشاك بالمحافظة، هبة.أ، عن أداء واجبها الوظيفى، بعدما تجاهلت كل ما يجرى من مخالفات واضحة وصريحة للقانون من أكشاك مصر الجديدة، دون أن تحرك ساكنًا.

الأكشاك تتضخم
قالت سميرة سيد، 45 عامًا، موظفة حكومية، من سكان مصر الجديدة: «الكشك استحوذ على أكتر من 15 مترًا مربعًا، واحتل الرصيف بالكامل، والمارة بيمشوا وسط السيارات كأن الشارع مش لينا، الكشك بقى عامل نفسه محل كبير، وأكبر من المحلات اللى بتدفع ضرائب وإيجارات، ومفيش مسئول بيقول لصاحبه عيب أو كفاية مخالفات».
وطالبت سميرة بتدخل فورى من المسئولة بمحافظة القاهرة عن الأكشاك، هبة الفقى، لتشكيل لجنة ميدانية لمراجعة أكشاك مصر الجديدة، قائلة: «لو المسئولين نفسهم عاجبهم الوضع يبقى لازم المحافظ يتدخل ويحاسب كل متقاعس، لأن الشارع مش عزبة ولا ملكية خاصة».

احتلال الشارع
فى انتهاك فج لكل القوانين، استولى مطعم «مأكولات» بشارع إبراهيم بمنطقة الكوربة، مصر الجديدة، على الرصيف والشارع العام بالكامل، ناشرًا الطاولات والشمسيات والكراسى لمسافة تزيد على 7 أمتار عرضًا، دون أن يترك حطوة قدم للمارة، الذين أصبحوا مضطرين للسير وسط السيارات معرضين حياتهم للخطر، بينما يلتزم مدير إدارة الإشغالات بحى مصر الجديدة الصمت المريب، وكأن ما يحدث لا يعنيه.

مفيش مسئول
قالت نور محمد، 24 عامًا، من سكان مصر الجديدة «إحنا بقينا محاصرين من كل الاتجاهات، المطعم واخد الرصيف والطريق، وكل يوم بنخاطر بحياتنا وإحنا ماشين وسط العربيات، خاصة الأطفال وكبار السن، اللى بيحصل ده غير طبيعى، ومدير الاشغالات او المتابعات بالحى مش بيكلف نفسه حتى يعدى يشوف بعينه»، وأضافت: «مدير الإشغالات سايب الدنيا سايبة.. وبيتعامل كأنه شريك فى المخالفة مش مسئول عنها».
تواطؤ أم تقاعس
تزايدت مطالب أهالى الكوربة بمحاسبة مدير الإشغالات فورًا وفتح تحقيق موسع فى أسباب تغاضيه عن تلك الفوضى التى تجتاح الشارع، وأكد السكان أن مثل هذه التجاوزات لا تحدث إلا فى ظل غطاء من الفساد أو الإهمال، مشددين على أن السكوت لم يعد مقبولًا، وأن عيون الناس مفتوحة ولن تصمت أمام التعدى على القانون فى حق الشارع والإنسان.
أكد إبراهيم محمود، 47 عامًا، يعمل بأحد المحلات التجارية الشهيرة بمصر الجديدة، أن شارع شريف فى ميدان الكوربة لم يعد كما كان، بعدما استباحته إحدى نصب الشاى، التى سيطرت بالكامل على الرصيف، ونشرت كراسيها بشكل فوضوى يعيق حركة المارة ويشوه المنظر العام، وأضاف أن المنطقة التى كانت يومًا رمزًا للنظام والرقى، تحولت إلى مشهد عبثى، وسط تجاهل تام من موظفى الإشغالات، وكأن الشارع خرج من سلطة الحى.
وأشار إبراهيم، إلى أن الأهالى يعانون يوميًا من هذه التجاوزات، خاصة كبار السن والأمهات بأطفالهن، الذين يضطرون إلى السير وسط الطريق المخصص للسيارات، معرضين حياتهم للخطر بسبب غياب أى رقابة، وقال بنبرة غضب: «بقينا نمشى فى نهر الطريق عشان النصبة واخدة كل الرصيف، ومفيش موظف إشغالات بيعدى أو حتى بيشوف بعينه، هو ده اسمه حي؟».
«فوضى أول عباس»
قال المهندس شاكر حسان، 56 عامًا، مهندس معمارى وأحد سكان مدينة نصر، إن منطقة أول عباس العقاد أصبحت تمثل كارثة عمرانية حقيقية، بعدما تحولت العقارات السكنية إلى شقق تجارية ومعارض مغلفة بالكامل بالزجاج، تعرض الملابس والديكورات والانتيكات، فى مخالفة صريحة وواضحة لاشتراطات البناء والتراخيص، وسط صمت تام من المسئولين بحى مدينة نصر، وعلى رأسهم رئيس الحى الذى لم يكلف نفسه حتى بالنزول لمتابعة ما يجرى على الأرض.
وأضاف حسان، أن المنطقة التى كانت سكنية فى الأساس، اختنقت بسبب الزحام الشديد الناتج عن استخدام الوحدات السكنية كمحال تجارية، دون أى اعتبار لقانون أو لراحة السكان، قائلاً «أصبحت كل عمارة فيها أكثر من 10 شقق و5 أدوار مفتوحة على الشارع، واجهات زجاجية لامعة ولافتات ضوئية تشوه المظهر العام، ولا حد بيسألهم: مين سمح؟ ومين راجع التراخيص؟»، مشيرًا إلى أن هناك حالة من التواطؤ أو الإهمال المتعمد من مسئولى حى مدينة نصر.
وأوضح حسان، أن الكثافة المرورية زادت بشكل لا يحتمل، وتحولت الأرصفة إلى معارض وبضائع، والمواطنون لم يعودوا يجدون مكانًا للسير أو حتى للمرور الآمن، بينما يغيب تام أى دور رقابى من إدارة الإشغالات أو إدارة التنظيم بالحى، ما يفتح الباب لتساؤلات مشروعة حول ما إذا كانت هناك مصالح تحمى من خلف الكواليس. وشدد المهندس شاكر قائلًا: «مدينة نصر بتنهار حضاريًا، ومفيش أى احترام لتخطيط أو قانون، وإحنا بندفع التمن فى شكل زحام خانق، وفوضى معمارية، وصمت إدارى مستفز من رئيس الحى، اللى واضح إنه ناوى يسيب الأمور تنهار تمامًا من غير ما يتحرك مثل الآن».
العقاد يغرق
اعترضت نورهان محمد، 35 عامًا، عاملة بأحد المحلات التجارية فى شارع عباس العقاد الرئيسى، على انتشار بائعى الخضروات والفاكهة بشكل عشوائى على الأرصفة، ويشكل معوقات كبيرة للمواطنين وأصحاب المحلات التجارية، قائلة: إن هذه الفوضى أدت إلى شلل مرورى كامل فى الشارع، وأصبح المواطنون مجبرين على السير فى الطريق المخصص للسيارات، فى ظل غياب تام لأى رقابة أو تدخل من قبل المسئولين.
وأوضحت نورهان، أن الوضع تفاقم بشكل ملحوظ فى الفترة الأخيرة، تكدست البضائع على الأرصفة بشكل غير قانونى، ما جعل حركة المرور مستحيلة فى بعض الأوقات، وأدى إلى ازدحام شديد يعجز المواطنون عن تحمله، وأشارت إلى أن المحلات التجارية أصبحت تعانى من قلة الزبائن بسبب هذه الفوضى، وتجد صعوبة فى استقبال العملاء بسبب المعوقات الناتجة عن هذا الانتشار العشوائى. وأضافت نورهان، تم تقديم العديد من الشكاوى إلى حى مدينة نصر، إلا أن استجابة المسئولين كانت غائبة تمامًا، إذ لم تتم إزالة هذه المخالفات أو اتخاذ أى إجراء لإزالة الاشغالات، وقالت: «لقد تقدمنا بشكاوى عديدة للمسئولين فى الحى، ولكن لم نجد أى استجابة أو تحرك من جانبهم، أصبحنا نعيش فى معاناة يومية بسبب هذه الفوضى، والأمور تزداد سوءًا مع مرور الوقت».
وأكدت نورهان، أن هذا الوضع لا يضر فقط بالسكان، بل يعكس أيضًا غياب الرقابة والمحاسبة من قبل المسئولين، مطالبة بضرورة تدخل عاجل من حى مدينة نصر لإعادة النظام فى الشارع وإزالة المخالفات التى تؤثر سلبًا على الحياة اليومية للمواطنين وأصحاب المحلات التجارية.
استغاثة الزيتون
واختتمت الجولة الميدانية فى حى الزيتون، التابع للمنطقة الشمالية بمحافظة القاهرة، رصد شكوى جماعية من 16 مواطنًا فى شارع محمد على من ابن الحكم، الذين كشفه أحد المسئولين فى حى الزيتون بإنشاء كشك أمام عقارهم بشكل غير قانونى ودون موافقة سكان العقار، وقالوا إن الكشك الذى تم بناؤه على الرصيف قد احتل المساحة بالكامل، مما حول الرصيف إلى ساحة مغلقة، وأدى إلى عرقلة حركة المشاة بشكل كامل، لاسيما بالنسبة لكبار السن والأطفال الذين أصبحوا يضطرون لتغيير مسارهم بشكل يومى لتفادى الإزعاج والمخاطر.
وأضاف، سكان العقار أن هذا التعدى على الرصيف ألحق أضرارًا كبيرة بالمحلات التجارية الموجودة فى العقار، حجبت واجهات المحلات، ما أدى إلى خسائر مالية فادحة لأصحابها الذين أصبحوا غير قادرين على جذب الزبائن أو عرض بضائعهم بشكل طبيعى، وأكدوا أن المنطقة الأمامية للعقار أصبحت شبه مغلقة بالكامل بسبب الكشك، فى ظل غياب أى تدخل من رئيس حى الزيتون اسلام سيد، لتصحيح الوضع.
وأكد جميع السكان أن الكشك يعود إلى أحد المسئولين فى حى الزيتون، وهو ما يجعلهم غير قادرين على رفع الثلاجة أو حتى تحريك الكشك من مكانه، ويعتبرون أن أى محاولة للمطالبة بإزالة المخالفة ستكون بلا جدوى، بسبب حماية الكشك من مسئولين الحى وقال أحد السكان: «من المستحيل أن نرفع أى شكوى، الكشك يخص أحد المسئولين فى الحى، ونحن نعيش فى فوضى قانونية كاملة، ولا يستجيب إسلام سيد رئيس حى الزيتون لاى شكوى يتم إرسالها لأسباب مجهولة».