نور ملحم: سورية: اقتصاديات تحت الحصار: العقوبات وتأثيرها على التنمية
نور ملحم
رغم تحرر السوريين من نظام بشار الأسد، لا يزالون يرزحون تحت وطأة العقوبات الدولية التي لم تُرفع بالكامل حتى الآن. وبعد أكثر من ثلاثة أشهر على فرار الرئيس السابق، أبدت بعض الدول استعدادها لتخفيف هذه العقوبات، في حين تواصل دول أخرى التمسك بشروط صارمة لتنفيذ أي تخفيف محتمل. من جهتها، حثّت الإدارة السورية الجديدة المجتمع الدولي على ضرورة رفع العقوبات، مؤكدة أنها تشكّل عائقًا رئيسيًا أمام التعافي الاقتصادي لبلد أنهكته الحرب.
العقوبات الاقتصادية باتت اليوم أداة رئيسية تستخدمها الولايات المتحدة الأميركية في سياساتها الخارجية، حيث تُفرض على الدول التي تُعتبر تهديدًا للنظام العالمي القائم، مثل روسيا والصين وكوبا وإيران وسوريا. وتتنوع أسباب فرض هذه العقوبات بين محاولة تغيير الأنظمة السياسية أو العسكرية، مكافحة الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان، الحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل، مواجهة التطرف العنيف، ومحاربة تجارة المخدرات.
تشمل العقوبات قيودًا شاملة، مثل حظر السفر، تجميد الأصول، حظر الأسلحة، والقيود التجارية، ما يجعلها تؤثر بشكل مباشر على اقتصادات الدول المستهدفة. وتفرض الولايات المتحدة حالياً عقوبات على أكثر من 20 دولة عبر أنظمة عقوبات مختلفة؛ بعضها يستهدف دولًا بعينها مثل كوبا وإيران، بينما تستهدف أخرى أشخاصًا وشركات محددة أو أنشطة معينة مثل الإرهاب وتجارة المخدرات.
في بعض الحالات، تمكنت دول من تحقيق نجاح اقتصادي رغم العقوبات، كما هو الحال مع بنغلاديش التي نجحت في بناء اقتصاد قوي يعتمد على صناعة الملابس الجاهزة، إذ ساهم القطاع بنسبة 85% من إجمالي الصادرات.
لكن رغم هذا النجاح، شهدت الصناعة اضطرابات كبيرة بعد الإطاحة برئيسة الوزراء الشيخة حسينة، مما أدى إلى إغلاق أكثر من 140 مصنعًا وتسريح آلاف العمال، ما زاد من الضغوط الاقتصادية في البلاد.
إلى جانب الأزمات الداخلية، تفاقمت المشكلات بفعل عوامل خارجية، مثل الحرب الروسية الأوكرانية، ارتفاع تكاليف الإنتاج، والكوارث الطبيعية التي أضعفت سلاسل التوريد.
كما فرضت الولايات المتحدة رسومًا جمركية إضافية على الملابس البنغلاديشية، مما زاد من تعقيد الأوضاع الاقتصادية ، حيث تعتمد بنغلاديش بشكل كبير على القطن المستورد، حيث تلبي 99% من طلبها من مصادر أجنبية، وتنفق 3 مليارات دولار أمريكي سنويًا على واردات القطن، وتوفر الهند أكثر من نصف هذا الطلب، بحصة سوقية تبلغ 12% خلف البرازيل. لطالما تشابهت صناعات النسيج في الهند وبنغلاديش في العمليات، مستفيدة من الروابط الثقافية والاقتصادية الوثيقة لتحسين كفاءة الإنتاج والأرباح.
في ظل هذه التطورات، يبرز التساؤل: هل تُحقق العقوبات أهدافها السياسية أم أنها تُفاقم الأزمات الاقتصادية والإنسانية؟ من الضروري إعادة تقييم هذه السياسات والنظر في حلول بديلة تُحقق التوازن بين الضغوط السياسية وعدم المساس بحياة الشعوب ومعيشتها.
كاتبة سورية