رسالة تذكير للفلسطيني.. وعصر القوميات

رسالة تذكير للفلسطيني.. وعصر القوميات

 

 

فؤاد البطاينة
نحن في عصر الدول القومية ويتربع على عرشه الفكر الإستعماري والهيمنة. فيه المبادئ الأخلاقية والعقدية والسياسية المتفق عليها في ميثاق الأمم المتحدة والمعاهدات الدولية ليست من ثوابت الدول. ولذلك جاءت بالنصوص خاضعة للسلطان الداخلي. ونتكلم هنا عن انقلاب دولي في طبيعة السياسة الخارجية. فالمصالح الوطنية للدول بدون استثناء هي اليوم مقدمة على المبادئ من أي نوع كانت، بمعنى إذا تهددت هذه المصالح في دولة ما أو تصادمت مع قوة غاشمة سيُصار الى التضحية بالمبادئ للحفاظ على المصالح الوطنية، ولمن يسأل من هي الدولة العميلة إذاً؟ فأقول هي التي تضحي أو تبيع المبادئ والمصالح الوطنية معاً تحت أي ظرف أو سبب كان.
وأضرب مثالا حياً على تقديم المصالح على المبادئ في هذا العصر تركيا وايران، لكونهما في الإقليم ولديهما إمكانيات ومن يحكمهما إسلاميون ويترتب عليهما أن يقدما المبادئ الإسلامية على المصالح الوطنية إزاء احتلال فلسطين الوقف الإسلامي، ولما نعلق من آمال على أحدهما أو كلاهما لا نعرف مداها.
وأبدأ بتركيا أردوغان الإسلامية. فتركيا قبل ذلك ومنذ الحرب الأولى كانت صريحة في عمالتها للغرب وبحربها على الإسلام. حيث بدأ حكم أردوغان برفع القيود على الإسلام وطقوسه في تركيا والتخلص من حكم عسكر الدونما من الصهاينة يهوديي الأصول، وبناء تركيا حتى أصبحت في مصاف الدول الأوروبية عسكرياً واقتصادا وقراراً سياسيا مستقلاً الى حد كبير. ولذلك بدأ قلق الغرب وصراعه المبطن مع تركيا لأنهم لا يتقبلون دولة إسلاميه وقوية. وهنا نضع نظام أردوغان على المحك، لنجده يرضخ لغضب الغرب وضغوطاته لا سيما في اطار الرد الإجرامي على طوفان الأقصى خوفاً على نفسه كنظام وعلى مصالح تركيا ولم يجرأ على قطع صلاته مع الكيان ولم يتخذ اي خطوات عملية رضوخاً لقاعدة تقديم المصالح على المبادئ.
أما بالنسبة لإيران فنبدأ أيضاً من ثورتها الإسلامية متجاوزين حقبة الشاه. حيث بدأت بفكرة تصدير ثورتها للمنطقة العربية كمشروع قومي والوقوف الحازم لجانب القضية الفلسطينية، مما فرض عليها الدخول بصراع مع أمريكا والصهيونية ومع دول المنطقة العربية. وأصبح الصراع بين مشروعين ايراني وصهيوني تخلله تقاطع مصالح أدى لتقاسم استخدام العراق وتدميره ودخول ايران لسورية كطرف أسهم بطريقة غير مباشرة في تفكيكها وذبح وتهجير شعبها، ودخول اليمن ودعمها ببناء قوة عسكرية نوعية تفتقدها أكبر الدول العربية. ونجحت ايران ببناء أكبر قوة عسكرية مقاومة في لبنان وضاغطة على المشروع الصهيوني، واخترقت حصار غزة ودعمت مقاومتها بالمال والسلاح والخبرات وأصبحت حماس وما زالت حليفاً استراتيجياً حقيقيا لإيران وليس ذراعاً لها. وكل هذا بنته إيران حسب قولها على خلفية المقاومة التحريرية.
 وبقيت إيران تدعم المقاومة الغزية لغاية طوفان الأقصى حيث شعرت بتهديد عملي عليها كدولة وعلى حزب الله ذراعها القاهر. فتراجعت بدءا بالإصرار على عدم تطوير حزب الله لاستراتيجية المساندة التي بقيت تراوح مكانها دون زخم مؤثر بينما الكل يراقب اقتحام غزة المحاصرة والتوغل فيها بالأحزمة النارية، والكل يعلم أيضاً بأن حزب الله هو التالي، وانتهاء بالتعجل في توقيع اتفاق وقف نار مذل ومدمر بشروط المنهزم بلا أسس، بينما انهيار الكيان من الداخل كان صبر ساعة. وهذا كان بالتأكيد قراراً ايرانياً ودافعه الضغوطات والخوف من وصول النار لإيران. وباختصار شعرت إيران وهما باختلال التوازن العسكري فاستجابت له واستنزف العدو قوة حزب الله العسكرية واستشهد نصر الله غدراً ،ووافق على رئاسة عون الذي كان خطاً أحمر للحزب، وخرجت ايران من لبنان وسورية.
ومن ينكر تراجع إيران أو يضعه تحت أي مسمى فهذا من حقه. لكن ما يجب أن يكون محسوماً هو ثنائية الهدف والإستخدام لأذرعها لتشمل هذه الثنائية فلسطين كواجب ديني، وتعزيز مركزها السياسي للضغط على أعدائها وحماية نفسها ومشروعها القومي. وأن الأولوية للهدف الثاني وهو مصالحها الوطنية عندما تتهدد.
تأثير إيران وضغوطاتها على العدو الآن انكمشت وباتت الهجمة عليها. تبدأ بمشروعها النووي كذريعة، ونوايا الأمروصهيوني هي استنزاف قوتها الصاروخية وأسلحتها الهجومية أو تغيير سياستها والتوقف عن الصراع مع الكيان ومشروعه في المنطقة. وأتذكر هنا مفاوضات بيكر مع طارق عزيز قبيل الحرب التدميرية على العراق، والتي كانت مجرد إملاءات رفضها عزيز. وحيث أن ميزان القوة مختلفاً في الحالة الإيرانية، فإن المفاوضات طالت أو قصرت فسيكون الرهان الصهيوني فيها هو على تدمير المشروع النووي سواءً بهجوم أو اتفاق تحت ضغط الحصار والعقوبات، على أن ينتهى الأمر لتسوية تحفظ مصالح إيران غير المنافسة للكيان ولا للمصالح الأمريكية في المنطقة. ونحن في هذا نأخذ بالإعتبار الوضعين الجديدين لروسيا والصين مع إدارة ترمب وغياب حزب الله.
والعبرة المتوخاة من مجمل الحديث أن ينتبه الفلسطينيون ومقاومتهم إلى أن العصر هو عصر القوميات وتقديم المصالح على المبادئ. وتحرير فلسطين لن يكون إلا عربياً بالمقاومة حين تكون طليعتها فلسطينية وتفرض قواعد الإشتباك مع العدو من حيث المكان والزمان وهذا يحتاج الاستراتيجية جديدة تحدثت عن طبيعتها بمقالين. فالمقاومة وحدها التي تُبطل مفعول الخيانات واختلال ميزان القوة، وتضع الإحتلال على الأجندة العالمية كقضية أمن واستقرار للعالم كله. ونقول هذا رغم أن فلسطين قضية العرب كأرض عربية، وقضية المسلمين كوقف إسلامي، وقضية شعوب المنطقة كمشروع صهيو امبريالي إخضاعي تداعياته تصيب كل دول المنطقة. فالقضية الفلسطينية في الواقع قضية الجميع الملقاة على الفلسطيني ظلماً سيؤرخ، وخيانة للمبادئ.
ولمن يعنيه الأمر، فإن القضية الفلسطينية في المراتب العليا من القدسية والتقديس ولا يُمكن أن تكون محلاً للإستخدام. فهي ليست عنصرية أو شوفونية تسوق لهذه القومية وتهاجم تلك ولا مذهبية. ولا يجوز حرف البوصلة عنها لصالح أي قضية أخرى على هذا الكوكب. واستغلال المعطيات السياسية المؤلمة على الساحة العربية الرسمية والنفاذ منها للهجوم على العروبة والشعب العربي أو على أي شعب على الأرض تحت أي غطاء مرفوض. فنحن ننتقد الأنظمة والحكام والسياسات. الألسن التي تتجاوز هذا للشعوب والقوميات عليها التوقف.
كاتب عربي اردني