البابا فرنسيس والإمام الطيب.. قصة التحالف الروحي بين الأزهر والفاتيكان

البابا فرنسيس والإمام الطيب.. قصة التحالف الروحي بين الأزهر والفاتيكان

في ديسمبر عام 1936، وُلد البابا فرنسيس (خورخي ماريو بيرجوليو) في حي فلوريس ببوينس آيرس، ليكون الابن البكر لعائلة إيطالية هربت من براثن الفاشية، ليعيش بين أربعة إخوة، مُفتوناً برقص التانجو ومُغرماً بنادي سان لورينزو، وهو لا يعلم أنه سوف يصبح في يوم من الأيام صاحب أقوى منصب ديني في العالم وأول بابا من الأمريكتين، وأول بابا من النصف الجنوبي للكرة الأرضية منذ أكثر من 1200 عام. 

رحلةٌ بين الموت والكهنوت 

كادت إصابته البابا فرنسيس  بالتهاب رئوي حاد في شبابه أن تنهي حياته في ، لكنه نجا بعد استئصال جزء من رئته، ليصبح جسده بعدها ضعيفا  أمام الأمراض. ومع ذلك، واصل مسيرته الدينية بحماسة، وانضم إلى الرهبنة اليسوعية – ليصبح أول بابا من اليسوعيين، رغم ريبة الفاتيكان التاريخية منهم. 

أسقف الشعب يفضل الدرجة الاقتصادية 

عندما أصبح رئيس أساقفة بوينس آيرس، رفض بيرجوليو مظاهر البذخ، مفضلاً الدرجة الاقتصادية في الطائرات، وارتداء الثوب الكهنوتي الأسود بدلاً من الأرجواني والقرمزي. كان يطبخ لنفسه، ويقود سيارته القديمة، ويزور الأحياء الفقيرة تحت جنح الظلام لمساعدة المرضى والمهمشين. 

صوت العدالة.. وصانع المصالحات 

لم يخشَ البابا فرنسيس انتقاد الأنظمة الظالمة، قائلاً: “نعيش في أكثر مناطق العالم تفاوتاً.. النمو موجود، لكن الفقراء يُنسَون”. كما سعى لرأب الصدع بين الكنائس:  أقنع بطريرك القسطنطينية، بحضور تنصيبه، لأول مرة منذ الانقسام الكبير عام 1054، ولعب دوراً محورياً في التقارب الأمريكي-الكوبي، مستفيداً من جذوره اللاتينية. 

إرث من الألم والتواضع 

عانى في شيخوخته من آلام مبرحة في ركبته، واصفاً إياها بـ*”إماتة الجسد”، لكنه ظلّ يخدم الفقراء بلا توقف. اليوم، يُذكر كبابا كسر القوالب، وحوّل البابوية من منصب احتفالي إلى رسالة إنسانية عالمية. 

لقاء الأخوة بين الإمام الطيب والبابا فرنسيس

علاقةٌ نادرة، جمعت بين زاهدين، يتحدثان بلسان الفقراء، مؤمنين بأن الأديان لم تُشرع إلا لبناء الإنسان، لا هدمه، ينسجان خيوطاً من الذهب فوق هوة الاختلاف: الإمام الأكبر أحمد الطيب، شيخ الأزهر ورئيس مجلس حكماء المسلمين، والبابا فرنسيس، حبر الكنيسة الكاثوليكية. 

البداية رسالة من القاهرة إلى روما 

في مارس 2013، وبعد ساعات فقط من تنصيبه، أطلق البابا فرنسيس صرخةً للعالم: “الحوار مع الإسلام ضرورةٌ إنسانية”، فيما  لم ينتظر الإمام الطيب طويلاً؛ فأرسل تهنئةً تاريخيةً حملت بذور المصالحة، مشترطاً خطواتٍ عمليةً لاحترام الإسلام.

 كانت تلك الورقة الأولى في سفر المصالحة، الذي أعاد بعد عامٍ واحدٍ (نوفمبر 2014) تفعيلَ لجنة الحوار الأزهرية-الفاتيكانية بعد سنواتٍ من الجفاء. 

عناق فوق أسوار التاريخ 

2016 بالفاتيكان في أول لقاءٍ بينهما، قال البابا للصحفيين: *”الرسالة هي اللقاء نفسه”. بينما ناقش الرجلان كيف تُحوَّل نصوص الأديان إلى جسورٍ ضد التطرف. 

وفي القاهرة 2017 حين دخل البابا فرنسيس أرض الكنانة لحضور مؤتمر الأزهر للسلام، احتضن الإمامَ الطيب أمام أنظار العالم. كانت كلمتاهما نداءً واحداً: “الأديان بريئةٌ من العنف”. 

أما في الفاتيكان 2017 فهذه المرة على مائدة الغداء في المقّر البابوي، حيث قال الإمام الطيب: “نقدم خبرة الأزهر لسلامٍ بلا حدود”، ووصف البابا فرنسيس بأنه “قلبٌ مفعمٌ بالمحبة”. 

وفي الفاتيكان 2018 أكد البابا أن العالم يحتاج إلى “بُناة جسورٍ لا أسوار”، فيما أشاد الإمام بدور الفاتيكان في دعم المستضعفين، مؤكداً أن “الرحمة جوهر الأديان”. 

حين يتحدث الضمير العالمي 

لم يكن حوارهما مجرد كلمات؛ بل مشروعاً إنسانياً هدفه مواجهة الفقر والتطرف بسلاح القيم المشتركة، وتحرير الأديان من سطوة المتعصبين، وإعادتها إلى دورها الأصيل: حماية الحياة، وكتابة لغة جديدة للعلاقات بين الشرق والغرب: لغة القاهرة وروما، لا صراع الحضارات. 

في زمنٍ يتاجر الكثيرون بالدين، ظل الرجلان نماذج للبساطة: بابا يُلقى خطاباً وهو يرتدي حذاءً رثاً، وشيخٌ يقف مع المهمشين في أحياء القاهرة.. قادةٌ يؤمنون أن العظمة ليست في القصور، بل في مدّ اليد إلى الجائع والخائف.