صمدت 2000 عام| “تدمر”.. مدينة عريقة مزقتها الحرب السورية

القاهرة (خاص عن مصر)- تحملت تدمر الواقعة في قلب سوريا، والتي كانت في يوم من الأيام إحدى أروع مدن العصور القديمة، ندوب الحرب السورية التي دامت 13 عامًا.اشتهرت تدمر بأعمدتها الحجرية الشاهقة ومعابدها الفخمة وقلعتها الشامخة التي تُشرف على مناظر صحراوية خلابة، وكانت مركزًا ثقافيًا مزدهرًا. لكن المدينة القديمة اليوم، تقف كقذيفة من ماضيها، حيث تحولت آثارها إلى أنقاض ودمرت مبانيها التاريخية بفعل القنابل والعنف المتطرف.إعلان
من موقع تراثي إلى ساحة معركة
أُدرجت آثار تدمر القديمة، التي يعود تاريخها إلى العصر الروماني، كموقع للتراث العالمي لليونسكو عام 1980. كانت المدينة، التي كانت في يوم من الأيام محطة رئيسية على طريق الحرير، ملتقى للثقافات، حيث امتزجت هندستها المعمارية بالتأثيرات اليونانية والرومانية والفارسية.لكن مع اندلاع الحرب الأهلية السورية عام 2011، جعل موقع تدمر الاستراتيجي منها ساحة معركة بين فصائل مختلفة، بما في ذلك قوات الحكومة السورية، والمتمردين، والوحدات العسكرية الروسية، والميليشيات الأفغانية المدعومة من إيران.بدأ الدمار الحقيقي عام 2015 عندما سيطر تنظيم داعش على تدمر. وقد شنّ التنظيم المتطرف، مدفوعًا بنفوره من آثار ما قبل الإسلام، حملة تدمير متعمدة. فجّر هياكل شهيرة مثل معبد بعل شمين وقوس النصر.كما شوّه المسلحون التماثيل، ودمّروا التوابيت، وأعدموا قادة الثقافة، بمن فيهم مدير آثار المدينة، خالد الأسعد، الذي مثّل إعدامه الوحشي فصلًا مروعًا في تاريخ المدينة.
بصيص أمل نادر وسط الأنقاض
منذ انتهاء الحرب الأهلية في ديسمبر 2024، ظل الوضع في تدمر هشًا، لكن قلة من الزوار المحليين والدوليين بدأت بالعودة. ولاحظ طبيب سوري زار الآثار برفقة أصدقائه كيف أن الموقع، رغم الدمار الواسع، لا يزال يُقدم لمحة عن الماضي.قال زياد العيسى، مُتأملًا في صمود المدينة رغم حالتها المُدمرة: “كانت هناك حضارة في هذا المكان، ورغم القصف والدمار، لا تزال هناك حضارة”.مع ذلك، لا تزال تدمر بعيدة كل البعد عن الأمان. لا تزال الألغام الأرضية مُنتشرة في المنطقة، وبقايا الحرب – حطام عسكري، وبنية تحتية مُدمرة، وبقايا مُقاتلين سابقين – تُذكرنا بماضي المدينة العنيف.لا تزال المنطقة مُهجورة إلى حد كبير، باستثناء عدد قليل من السكان المحليين الذين يحاولون كسب عيشهم من بيع الحلي للسياح النادرين الذين يُغامرون بزيارة الآثار.
إرث داعش والطريق الطويل نحو التعافي
في حين استعادت الحكومة السورية، بدعم من القوات الروسية، المدينة عام 2016 ، لحقت أضرار جسيمة بمعظم تراث تدمر. معالم أثرية مثل التترابيلون ومعبد بعل إما دُمرت أو تحولت إلى أكوام من الأنقاض. ورغم هذه الانتكاسات، يعتقد خبراء مثل عمرو العظم، المسؤول السابق عن الآثار في سوريا، أن الأهمية التاريخية لتدمر لا تزال قائمة.يقول العظم: “هذا جزء من تاريخ البشرية. مهما كان الضرر الذي لحق بها، فهو جزء من تاريخ هذه الأماكن”.تدمر
مستقبل غامض لتدمر
أما بالنسبة للمستقبل، فالأمل ضئيل في استعادة تدمر مجدها السابق بسرعة. فمع كفاح الحكومة السورية لإعادة الإعمار ومحدودية المساعدات الدولية، من غير الواضح إلى أي مدى سيُعاد ترميم المدينة القديمة.مع ذلك، يشعر زوارها بشعور عميق بالخسارة والإجلال – فمدينة تدمر تُذكرنا ليس فقط بماضيها المجيد، بل أيضًا بالدمار الذي خلّفته الصراعات الحديثة.