ترامب يهدد الأسواق مجددًا وإقالة رئيس الفيدرالي تلوح في الأفق

تلوح في الأفق أزمة تهدد الاستقرار المالي العالمي، بعدما بات احتمال تدخل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في سياسات الاحتياطي الفيدرالي، وإقالة رئيسه جيروم باول، حديث الساعة في الأوساط المالية، وذلك في ظل تصاعد التوترات السياسية والاقتصادية في الولايات المتحدة،ارتفعت حدة القلق بين المستثمرين بعد أنباء متكررة حول نية ترامب تقويض استقلالية البنك المركزي الأمريكي، وإذا تحولت هذه التهديدات إلى واقع، فقد تتعرض الأسواق العالمية لزلزال اقتصادي.إعلانإقالة جيروم باول أو الضغط المباشر عليه لتغيير السياسات النقدية يمكن أن تؤدي إلى تراجع الثقة بالنظام المالي الأمريكي، وانخفاض حاد في الأسهم، وهروب رؤوس الأموال.
خلفيات تاريخية: عندما تكرر التدخل الرئاسي
لم تكن هذه المرة الأولى التي يحاول فيها رئيس أمريكي التدخل في السياسة النقدية، ففي السبعينيات، مارس الرئيس ريتشارد نيكسون ضغوطاً على رئيس الاحتياطي الفيدرالي آنذاك آرثر بيرنز لإبقاء أسعار الفائدة منخفضة قبل الانتخابات، مما أسفر لاحقاً عن انفجار في معدلات التضخم.وقد يكون التاريخ يعيد نفسه، ولكن هذه المرة في ظروف عالمية أكثر تعقيداً، وسط أجواء جيوسياسية تلقي بظلالها على الوضع الاقتصادي العالمي.
أصوات داخل الكونجرس تدق ناقوس الخطر حول سياسات ترامب
النائب الجمهوري فرانك لوكاس، رئيس فريق عمل الاحتياطي الفيدرالي بمجلس النواب، دق ناقوس الخطر بشكل كبير.حيث أعرب عن مخاوفه العميقة من هذه التوجهات قائلاً: “إذا تمّت إقالة باول، فإن الأسواق ستدخل في موجة هائلة من التقلبات، وسيبدأ المستثمرون في التخارج السريع من الأصول الأمريكية”.
سياسات ترامب التجارية تزيد الوضع تعقيداً
بجانب ملف الفيدرالي، لا تزال الحروب التجارية التي شنها ترامب ضد الصين وأوروبا والدول الأخرى تلقي بظلالها على الاقتصاد العالمي، ففي الوقت الذي تحاول فيه بعض الدول التوصل إلى اتفاقات مع واشنطن، فإن الهوة ما زالت واسعة، والاتفاقات الشاملة لا تزال بعيدة المنال.وفي هذا الصدد، يسعى ترامب إلى فرض سياسات تجارية تُجبر الدول الأخرى على تقليص تعاملاتها مع الصين، وهو ما قد يُعقد المشهد الدولي بشكل أكبر.ويُنظر إلى هذه السياسات كخطوات غير محسوبة من شأنها أن تقوّض مكانة الولايات المتحدة كمركز للثقة في الأسواق العالمية.
الصين في قلب العاصفة
بينما ترد بعض الدول على الرسوم الجمركية الأمريكية بسياسة التهدئة، اتخذت الصين موقفاً متحدياً.حيث فرضت تعريفة جديدة على السلع الأمريكية، لكنها أبدت تحفظاً في الاستمرار بالتصعيد، نظراً لانخفاض عائدات الضرائب وانكماش الاقتصاد المحلي، وهو ما يحدّ من قدرتها على دعم المصدرين أو الاستجابة السريعة.وفي ذات الأثناء تتصاعد أزمة سوق العقارات في الصين، وتراجع عائدات الضرائب، واقتراب العديد من الحكومات المحلية من الإفلاس، وهي كلها عوامل تضع بكين في موقف صعب.وحتى الآن، اضطرت الحكومة الصينية إلى تقليص إنفاقها بسبب الانكماش الاقتصادي، مما يحدّ من قدرتها على مواجهة الرسوم الجمركية المفروضة من قبل واشنطن.
لاجارد: آمل ألا يُقال باول
من جانبها علقت كريستين لاجارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، على الأزمة المرتقبة قائلة: “آمل ألا يكون احتمال إقالة جيروم باول مطروحاً فعلياً”.وأكدت أن استقلالية البنوك المركزية ضرورية للحفاظ على الاستقرار المالي، مشيرة إلى أن أي تدخل سياسي في عمل الفيدرالي ستكون له تداعيات خطيرة.وفيما يخفض البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة لدعم النمو، يواجه الفيدرالي الأمريكي ضغوطاً من البيت الأبيض لاتباع نفس المسار.غير أن الحفاظ على استقلالية القرار النقدي في الولايات المتحدة يُعدّ عاملاً جوهرياً في استقرار الدولار والأسواق.وتباين أداء مؤشرات الأسهم العالمية، اليوم الثلاثاء، وسط شكوك عالمية بشأن الاستثمارات الأمريكية والحرب التجارية التي يشنها الرئيس دونالد ترامب. وتراجع مؤشر التداولات الأوروبية المبكرة.
لماذا استقلالية الفيدرالي مهمة؟
بحسب وزارة الخزانة الأمريكية قفزت حيازة السندات الأمريكية في الخارج إلى مستوى قياسي بلغ 8.82 تريليون دولار في فبراير الماضي، في أكبر ارتفاع منذ عام 2021.وكان أبرز المشترين كندا واليابان، مما يدل على استمرار الثقة، وإن كانت مهددة بفعل التحركات السياسية الحالية.استقلالية الاحتياطي الفيدرالي تعني أن قرارات السياسة النقدية، مثل تحديد سعر الفائدة، تُتخذ على أساس اقتصادي بحت وليس وفق الأجندات السياسية.هذه الاستقلالية ضرورية للحفاظ على استقرار الدولار، وجاذبية السندات الأمريكية، وقوة الاقتصاد العالمي بأسره.فعلى الرغم تراجع حصة الدولار في الاحتياطيات العالمية إلى 57.4% في نهاية العام الماضي، فإنه لا يزال العملة الأقوى والأكثر تداولاً.وارتباط الدولار بالسياسات الفيدرالية يجعل من الضروري حماية استقلالية هذا الكيان لضمان استمرار ثقة العالم في العملة الأمريكية.لذا فإنه من شأن أي خطوة متسرعة من إدارة ترامب، سواء بإقالة رئيس الفيدرالي أو مواصلة الحرب التجارية، أن تضع الاقتصاد الأمريكي، والعالمي في مسار خطر.وفي هذا الصدد فإن الأسواق تراقب، والمستثمرون يترقبون، وأي تحرك خاطئ قد يفتح الباب لأزمة مالية تشبه أو تفوق تلك التي شهدها العالم في 2008.