الطايف تبدء تصدير هذا المنتج الذي سيجعلها أهم مدينة في السعودية

الطايف تبدء تصدير هذا المنتج الذي سيجعلها أهم مدينة في السعودية

الطايف تبدء تصدير هذا المنتج الذي سيجعلها أهم مدينة في السعودية

April 9th, 7:02amApril 9th, 7:02am

الرياض – ياسر الجرجورة في الأربعاء 9 أبريل 2025 07:02 صباحاً – وسط الجبال الشاهقة التي تحتضن مدينة الطائف، تبدأ قصة واحدة من أعذب الروائح وأكثرها نقاء في العالم، “تولة الورد الطائفي”، تلك القطرة العطرية الثمينة، لا تأتي عبث، بل هي خلاصة لمئات الآلاف من الزهور، وجهود لا تعرف الكلل، وفن متوارث عبر الأجيال.

الطايف تبدء تصدير هذا المنتج الذي سيجعلها أهم مدينة في السعودية 

منذ عقود طويلة، تحتفظ هذه الصناعة برونقها وسحرها، حيث لا تزال تحافظ على خطوات دقيقة لا يمكن تجاوزها، تعتمد فيها آلية تقطير تقليدية عالية الدقة، جمعت بين عبق الماضي ومهارات الحاضر، حتى باتت “تولة الورد” عنوان فريد في عالم العطور الراقية.

يبدأ يوم العمل في مزارع الورد الطائفي قبيل بزوغ الشمس، عندما تنبعث خيوط الفجر الأولى، وتخرج الأسر لقطف الورد قبل أن تشتد حرارة الشمس، وهي لحظة حساسة تحافظ على زيوت الورد العطرية مركّزة في البتلات.

كما يروي المزارع المعروف خلف الطويرقي، فإن هذه العادة لم تكن مجرد مهنة بل إرث عائلي، حيث تعلم فنونها من والده، الذي شيد معمل تقطير خاص في مزرعته.

كانت كل وردة تقطف تعد كنز صغير، ومع مرور الساعات تتجمع آلاف الزهور تمهيد للدخول في مرحلة التقطير اليدوي.

بعد الانتهاء من عملية القطف اليومية، تنقل الورود مباشرة إلى قدور نحاسية كبيرة تعرف محليا بـ”قدور الطبخ”، حيث توضع كمية هائلة من الزهور تصل إلى ما بين 80 ألف إلى 100 ألف وردة في القدر الواحد، بحسب سعته.

يوقد تحت هذه القدور النار بهدوء وبانضباط، فتبدأ الزهور في الغليان وإطلاق بخارها العطري، والذي يمر عبر أنابيب معدنية تصل إلى إناء مملوء بالماء البارد، ليتم تبريده وتكثيفه بشكل تدريجي.

هذه العملية اليدوية التي تستمر لساعات، تفضي إلى تقطير نقي، حيث تتجمّع القطرات في إناء خاص يطلق عليه اسم “التلقية” – وهو قنينة زجاجية ذات عنق نحيل تتسع لما بين 20 إلى 35 لتر.

في أعلى هذه القنينة تطفو المادة العطرية الصافية، التي تفصل لاحقا عن الماء وتجمع بعناية فائقة، وهي ما يعرف بـ”تولة الورد” التي تمثل أجمل خلاصة يمكن أن تنتجها زهرة.

يروي الطويرقي أن الآباء والأجداد كانوا يعتمدون على مواقد نارية بسيطة، تقام وسط مبانٍ طينية صغيرة بمساحات تتراوح ما بين متر إلى ثلاثة أمتار، وبارتفاع لا يتجاوز المتر الواحد.

كانت هذه المواقد بمثابة معامل متكاملة لتقطير دهن الورد، تعمل ليلا ونهار وفق إيقاع مدروس، وتخرج منها أطيب العطور بطريقة لا تعتمد على آلات معقدة، بل على دقة الملاحظة، وخبرة الحواس، وصبر طويل.

التقنية الأساسية كانت تقوم على تبخير أزهار الورد داخل القدور، ثم تكثيف البخار إلى قطرات تجمع في أوانٍ زجاجية، وبعد فصل الماء عن الزيت، يعبأ دهن الورد في قوارير صغيرة نادرة القيمة، أما ماء الورد فيُستخدم في التطيّب، والطعام، والطقوس الدينية، وحتى في ترطيب الأماكن المقدسة.

اليوم، تحتضن الطائف ما يزيد على 70 معمل متخصص في صناعة الورد ومشتقاته، وتنتج هذه المزارع ما يتجاوز 550 مليون زهرة سنويا.

هذه الزهور تستخدم في تصنيع أكثر من 80 منتج عطري مختلف، بعضها يذهب للأسواق المحلية، بينما يحجز بعضها الآخر مكانه بين أفخم المتاجر العالمية للعطور.

ومع كل “تولة” يتم بيعها، هناك قصة تعب وجمال تنبعث منها رائحة الأصالة، وتعكس خصوصية هذا المنتج الذي لا يشبه أي عطر آخر، سواء في طريقة تصنيعه أو مصدره الطبيعي أو رمزيته في الوجدان العربي.

تعد “تولة الورد الطائفي” أكثر من مجرد منتج عطري، إنها تحفة حسية وروحية تعبر عن تاريخ مدينة، وتقاليد شعب، وجمال الطبيعة السعودية. إنها اختزال لرحلة من الزراعة الدقيقة، والعمل الحرفي، والتقطير المتقن، الذي يستمر في إبهار العالم برائحته الأخّاذة.

فما بين شروق شمس الطائف ونسائم جبالها، تتفتح زهور لا تذبل، لتنتج عطر لا ينسى… عطر ولد من الجهد، وتقطر من الوفاء، وتوج بالتقاليد التي لا تزال تنبض في كل قطرة من “تولة الورد”.