الأرصفة فى قبضة مافيا الأكشاك

الأرصفة فى قبضة مافيا الأكشاك

«ذوو الهمم» ضحايا فوضى الأكشاك

«مافيا الأكشاك» تنهب حقوق الغلابة.. والمخالفات تتفاقم

غياب الرقابة حول الأكشاك إلى أسواق عشوائية مفتوحة

تأجير الأرصفة تحت مرأى ومسمع موظفى الأحياء

 

رغم الجهود المبذولة من وزيرة التنمية المحلية ومحافظ القاهرة لدفع عجلة التطوير وإنقاذ الجهاز التنفيذى من الفساد، إلا أن هناك بعض المنتفعين الذين لا يزالون يعملون بكل قوتهم لتخريب أى خطة إصلاح، حفاظاً على مصالحهم الشخصية ومكاسبهم غير المشروعة. 

يظهر ذلك بوضوح فى استمرار بناء الأكشاك المخالفة بالشوارع الرئيسية والحوارى، فى تحد واضح للقانون، حيث تحولت الأرصفة فى العديد من شوارع محافظة القاهرة إلى مساحات محتلة، لم تعد ممراً آمناً للمواطن، بل صارت أسواقاً عشوائية مفتوحة، تبتلع حق المارة فى الحركة، فى ظل غياب الرقابة وتراجع دور الأجهزة التنفيذية. 

تنتشر الفاترينات، والأكشاك، والترابيزات فى كل زاوية، بينما يجبر المواطنون على السير فى نهر الطريق، معرضين حياتهم للخطر، أمهات يجرون عربات أطفال وسط السيارات، وعجائز يتعثرون فوق بقايا رصيف مهمل أو محتل، وشباب من ذوى الإعاقة البصرية يسيرون بلا دليل، بعدما فقدوا ما تبقى من مساحة آمنة. 

المشهد بات اعتيادياً، والوجع ثابتاً… الأرصفة تباع وتؤجر على مرأى ومسمع من المسئولين، دون محاسبة، بينما يترك المواطن وحيداً، يواجه الفوضى يومياً فى شوارع القاهرة اختفت منها الرقابة المحلية. 

فى شوارع القاهرة، التى كانت يوماً ما شاهدة على حياة المواطنين البسيطة، أصبحت الأرصفة اليوم مسرحاً للفوضى والتهديد، تتلاشى حقوق المشاة، وتختفى المساحات التى كانت مخصصة لهم، ليتحول الرصيف إلى سوق عشوائى غير منظم، ومع تزايد الظاهرة، تظهر معاناة يومية لا يستطيع الكثيرون تحملها. 

فى جولة ميدانية لـ«تواصل» لرصد معاناة مؤلمة من المواطنين فى العديد من الأحياء الشعبية بمحافظة القاهرة، عبر سكان شوارع العاصمة عن معاناتهم المستمرة جراء احتلال الأرصفة من قبل الأكشاك والفتارين والبائعين، الأمر الذى جعل هذه المساحات المخصصة للمشاة تتحول إلى أسواق عشوائية أمام أعين المسئولين. 

يقول إبراهيم محمود 45 عاماً، من سكان حى الزيتون، معبراً عن معاناته، أن الأرصفة فى المنطقة كانت فى يوم من الأيام ممرات آمنة للمواطنين، لكن الآن أصبحت مقتصرة على الأكشاك والفتارين، كل يوم وأنا رايح شغلى، لازم أمشى فى وسط الطريق وسط السيارات، والأطفال يضطرون إلى أن يمشوا وسط الزحام فى ظل غياب أى اهتمام من المسئولين، الرصيف بقى ملك لتجار ما عندهمش أى اعتبار لحياة الناس. 

أما فاطمة إسماعيل 57 عاماً من سكان حدائق القبة، وهى أم لطفلين يعانى أحدهما من إعاقة حركية، فقد تحدثت بحزن عن الأوضاع فى شارع مصر والسودان «الرصيف كان مكاناً آمناً لولادنا، لكن دلوقتى بقى محتلاً بشكل كامل، بحاول كل يوم أمشى بأولادى للمدرسة، لكن مفيش مكان نمشى فيه بسلام، الرصيف أصبح مغلق أمامنا، مضطرة أواجه خطر السيارات فى الشارع، والرعب يسيطر على قلبى فى ظل غياب دور رئيس حى حدائق القبة». 

ويقول شنودة بخيت 44 عاماً من سكان الزاوية الحمراء، شاب من ذوى الاحتياجات الخاصة، «أنا مصاب بإعاقة حركية، وكل يوم أواجه صعوبة كبيرة فى التحرك على الأرصفة، بدل ما تكون الأرصفة مخصصة لنا، أصبحت تابعة للتجار، لا أستطيع السير بسهولة، والأمر لم يعد محصوراً فى الأكشاك فقط، بل فى الفوضى التى تسيطر على الأماكن العامة». 

ويضيف خالد محمود 52 عاماً، من سكان حى الشرابية، قائلاً «الشارع قدام بيتى بقى عبارة عن سوق عشوائى، كل يوم يظهر كشك جديد على الرصيف، وتجار يسيطرون على الأماكن المخصصة للمشاة بمساحات تتخطى الـ 14 متر، كلما حاولنا التحرك فى الشارع، نجد أنفسنا مضطرين للمشى وسط السيارات التى تعرض حياتنا للخطر، المسئولين مش قادرين أو مش حابين يحلوا الأزمة دى». 

وتؤكد سميرة عيسى، من سكان الزاوية الحمراء، موظفة حكومية، أنها أصبحت تشهد بشكل يومى أعداداً متزايدة من الأشخاص الذين يتعرضون لخطر كبير بسبب احتلال الأرصفة، قائلة «أصبح المارة يواجهون خطراً حقيقياً بسبب تحويل الأرصفة إلى أسواق، جدى مثلاً يحاول كل يوم يعبر الشارع، لكن بسبب الأكشاك والحواجز، يواجه صعوبة كبيرة، لو ده مش فوضى واحتلال، يبقى إيه؟ ده حقنا فى توفير الأمان». 

هذه الشهادات تؤكد غياب الرقابة والمحاسبة على الذين يعبثون بمساحات عامة مخصصة للمواطنين، بينما تزداد معاناة المواطنين فى الشوارع التى كانت فى يوم من الأيام أماكن آمنة للمرور. 

يقول أحمد س، 45 عاماً، أحد سكان منطقة الزاوية الحمراء، إن هناك شبكة منظمة تستغل المواطنين البسطاء ممن حصلوا على تراخيص الأكشاك بعد سنوات من الركض فى طوابير الانتظار «بيدخلوا عليهم باسم الدين واللحية والجلباب، يقنعوهم إنهم ناس محترمة وملتزمة، ويعرضوا عليهم تأجير الكشك بمقابل شهرى من 2000 إلى 3000 جنيه، دون أى مسئولية، بس مجرد توقيع ورقة ويخلص الموضوع، ولكن لم يعلم أحد أن جميع المحاضر والمخالفات تأتى باسم مالك الكشك». 

لكن الكارثة لا تقف عند حد الاستغلال المالى، بحسب «أحمد»، بل تمتد إلى ما هو أخطر، إذ تتحول هذه الأكشاك سبوبة غير قانونية وضد اللوائح المشروطة، وتعمل بعيداً متابعة المحافظة قائلاً «المافيا دى بتجمع فلوس من الناس بحجة تشغيلها فى الأكشاك، وتوعدهم بعائد شهرى محدد أعلى من فوائد البنوك، زى نظام الريان زمان، وبعدها تشترى مواد غذائية بالجملة وتبدأ تبيع وتشغل الأكشاك كأنها شركتهم الخاصة». 

وتابع: ما يحدث يعد مخالفة صريحة لكل القوانين واللوائح المنظمة لمنظومة الأكشاك بمحافظة القاهرة، التى وجدت بالأساس لمساعدة محدودى الدخل وتمكينهم من مصدر رزق ثابت، إلا أن المافيا الاكشاك، بحسب الشهود، حولتها إلى سوق سوداء يسيطر عليها مجموعة من المنتفعين، يديرونها من وراء الستار، ويجنون من ورائها أرباحاً طائلة على حساب المستحقين، فى إهدار للمال العام. 

ويضيف: الأخطر أن كل ذلك يجرى تحت مرأى ومسمع موظفين الأحياء، دون أى تدخل حقيقى لإيقاف المخالفات أو مناشدة المسئولين لاصدار قانون ولوائح تحافظ على حقوق استغلال مخصصات الدولة، المواطنون يتساءلون: أين المسئولين؟ وأين إدارة الإشغالات بالمحافظة؟ وكيف تدار هذه الأكشاك، بينما أصحاب التراخيص الحقيقيين مهمشون ومهددون بفقدان مصدر رزقهم الوحيد؟

ووصف أحمد، ما يحدث ليس فقط فساداً إدارياً، بل جريمة اجتماعية تمس الأمن الاقتصادى للفئات الأكثر احتياجاً، إنها قضية تستحق التحقيق العاجل والمحاسبة الشفافة، قبل أن تتحول منظومة الأكشاك إلى وكر رسمى للفساد المقنن. 

فى تصريحات خاصة، كشف أ. ى، مهندس بحى الزيتون، عن انتشار العديد من الأكشاك المخالفة التى تحتل الأرصفة فى مناطق حيوية بالمنطقة، مؤكداً أن بعض هذه الأكشاك تقع فى أحياء ذات كثافة سكانية عالية بالمنطقة الشمالية. 

وأوضح المهندس، أن من بين الأكشاك المخالفة، كشك تابع لمدير المتابعة الميدانية بالمنطقة الشمالية، والذى يقع فى 78 شارع سليم الأول، كما أشار إلى وجود كشك آخر فى 7 ابن الحكم، وهو تابع لأحد موظفى التنمية المحلية، ما يعكس التلاعب الواضح بالقوانين. 

تحويل الفاترينات إلى أكشاك

وأشار المهندس، إلى أن هناك فاترينات قد تحولت إلى أكشاك ثابتة على الأرصفة، ومنها كشك أمام مدرسة هليوبوليس فى ناصية شارع دار السعادة مع ابن الحكم، بالإضافة إلى كشك آخر فى آخر شارع طومان باى، وكشك على ناصية شارع بنى عقيل، وذكر المهندس أن هذه الأكشاك تستولى على المساحات المخصصة للمواطنين، ما يعكس غياب الرقابة والتطبيق الحازم للقوانين من الحى. 

كشك «بنزينة» وكشف تعديات

فى سياق متصل، أكد المهندس أن هناك كشكاً مخالفاً بشكل صارخ يقع بالقرب من ظهر حى الزيتون، يلاصق بنزينة، قائلاً: الكشك مملوك لشخص متوفى، ما يطرح علامات استفهام حول كيفية استمرار هذا الكشك فى العمل رغم وفاة مالكه. 

كما أشار إلى ثلاثة أكشاك تم إنشاؤها فى مكان واحد بالقرب من سور محطة حدائق الزيتون، حيث تقع هذه الأكشاك أمام سور السكة الحديد، وهو ما يعد مخالفة واضحة للقوانين، كما وصفه المهندس. 

سيطرة مافيا الأكشاك على الأرصفة

وتطرق المهندس إلى مافيا احتلال الأرصفة، التى تسيطر على الأكشاك لصالح أفراد معينين، وأكد أن أبوعودية يسيطر على الأكشاك فى حى الأميرية بالكامل، بينما أيمن العوامى يستحوذ على الأكشاك فى حى الزيتون، حيث تم وضع كشك فى مطلع كوبرى، وهو ما يطرح تساؤلات حول كيفية السماح بهذا التعدى الصارخ على الأرصفة. 

وأشار المهندس إلى أن الشيخ وليد يحتكر الأكشاك فى الزاوية الحمراء، وسراى القبة، والشرابية، وحدائق القبة، وشبرا مصر، مهدداً بتفشى هذه الظاهرة إذا لم يتم اتخاذ إجراءات قانونية حازمة. 

الدور الغائب

وكشف المهندس، عن استفسار غريب من قبل هبة. أ، المسئولة عن تنظيم الأكشاك فى المنطقة، حيث بدأت طرح أسئلة عن عدد الأكشاك التى يسيطر عليها أبوعودية فى حى الأميرية، وهو ما أثار الشكوك حول نواياها فى التعامل مع هذه القضية، وأضاف أن الأكشاك تستغل تجارياً، ويتم تأجيرها بأسعار تتراوح بين 15 ألف و 25 ألف جنيه شهرياً حسب الموقع، ما يشير إلى غياب التنظيم ووجود تلاعب فى الأسعار. 

التحقق من المخالفات

وطالب المهندس، من هبة الفقى، المسئولة عن تطبيق قوانين الأكشاك فى المنطقة، بضرورة إجراء جولة ميدانية للوقوف على حجم المخالفات المنتشرة، وأوضح أن الأكشاك المخالفة تسيطر على الأرصفة والشوارع بمساحات تتجاوز 13 متراً، بالإضافة إلى وجود أكثر من خمس ثلاجات ونصبات شاى، فى غياب تام لتطبيق القوانين. 

وأشار المهندس إلى أن الوضع قد يتفاقم أكثر فى حال استمرار تجاهل المسئولين لهذه التعديات، مما يضر بالمصلحة العامة ويؤثر سلباً على حركة المرور والأرصفة المخصصة للمواطنين. 

وقال أ. م. مدير إشغالات بمحافظة القاهرة: وفقاً للوائح والقوانين المنظمة للانتفاع بالأكشاك المرخصة، تم تحديد قيمة مقابل الانتفاع بالأكشاك وفقاً للفئات المختلفة، حيث يتراوح المبلغ الشهرى للانتفاع بين 750 جنيهاً للأكشاك من الفئة «أ»، و500 جنيه للأكشاك من الفئة «ب»، و250 جنيهاً للأكشاك من الفئة «ج»، ويشترط سداد هذا المبلغ سنوياً عند تجديد الترخيص. 

يضاف إلى ذلك، زيادة فى مقابل الانتفاع وفقاً لكل فئة، بناءً على المساحة الزائدة على 6 أمتار، وفقاً للأسس التى تحددها اللجنة العليا للأكشاك وإقرارها من السلطة المختصة، كما يتم زيادة مقابل الانتفاع سنوياً بنسبة 15%. 

ويفرض رسم إضافى قدره 10 آلاف جنيه سنوياً يتم دفعه عند تجديد الترخيص، عن الإعلان المقام على الكشك، هذا النظام يهدف إلى تنظيم وضبط عملية استغلال الأكشاك فى الأماكن العامة، وضمان حقوق الدولة فى الانتفاع. 

وكشف مدير الإشغالات، الذى رفض ذكر اسمه، عن وجود مخالفات واضحة للأكشاك التى يتم تشغيلها فى القاهرة، أوضح أن العديد من هذه الأكشاك لا تلتزم بشروط اللوائح المنظمة، بل تتحايل على القوانين وتستغل المساحات العامة بشكل غير رسمى، مضيفاً أن بعض الأكشاك تضاف إليها «نصبات شاى» غير مرخصة بجانبها، بينما يتم التلاعب بالرسوم عن طريق إخفاء الإعلانات أو الأسماء أعلى الأكشاك، وأشار إلى أن هناك محاولات للتحايل على القوانين عبر تركيب «خوازيق حديدية» حول الأكشاك، مما يؤدى إلى استغلال الأراضى العامة ونهب حقوق الدولة دون علم السلطات المعنية، وهو ما يضر بالمصلحة العامة ويعكس غياب الرقابة الفعالة على هذه الأنشطة المخالفة.