ضائعٌ بين أقرانه

ضائعٌ بين أقرانه

 

رشيد مصباح (فوزي)
الجــــزء الثّالث
(1)

 لأنّه لم تكن للعبد الفقير  تجارب  في الحياة، ولأن كل المشاكل تقريبا لها علاقة بالجانب  النّفسي؛ ولأن الحالة النفسية تأثيرها واسع وكبير  على شخصية الانسان. ونحن في العالم الثالث بصورة خاصّة لا نعطي أهمية للجانب النفسي وهو مهم جدّا، إن لم يكن هو الأهم في كل جوانب الحياة. ولكم أن تتصوّروا حياة مريض يعاني نفسيّا؛ كما هو  مرهق ضعيف، يعاني من أمراض  الشّخصية في مجتمع وبلد مثل بلادنا التي لا يحظى النشء فيها  بمراعاة نفسيّة، مقارنة بالمجتمعات الرّاقيّة التي تولي أهميّة قصوى وكبيرة  لصحّة الأفراد النفسيّة. فأنّى لهذا النشء أن ينهض ويرتقي؟
كلمّا حاولتُ معاتبة نفسي، أعود فألتمس لها كل الأعذار، و للظروف، النفسية والاجتماعية، كالتي عشتها وأنا برعم في سن الحداثة، كلمتها العليا.  تجعلك تبدو هزيلا ضعيفا أمام الصّعاب، وللأمر علاقة بالمجتمع الذي عانى، ولا يزال يعاني من سوء فهم للدّين والحياة… على الرّغم من كثرة المعاهد والجامعات، ووفرة الوسائل المعرفية الحديثة، خاصّة في العصر الذي نحن فيه. لكن كل ذلك لم يجدِ نفعا أمام تشبّثه بالذهنيّة والممارسات  القديمة التي ترفض العصرنة، إلّـا فيما يتعلّق بالقشور، والوسائل المادّية للحضارة المعاصرة.
لقد تعرّض المجتمع الجزائري للتهميش لفترة طويلة. شأنه في ذلك شأن كل المجتمعات والشّعوب التي عانت من الاستدمار والغزو الخارجي، ولم يعرف هذا المجتمع معنى الحريّة إلّـا بعد حصوله على الاستقلال، حتى وإن كان هذا الاستقلال ناقصا، إلّـا أن حصوله على الحريّة يعتبر مكسبا في حدّ ذاته. الظروف والأحوال السيّاسيّة والأمنية هي من لعبت دورا في هذا التهميش، على الرغم من ”الشعوبية“ أو ”الشعبوية“ التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة ولم تكن مجدية؛ ونحن كأفراد في هذا المجتمع كان  لا بد وأنّ نسدّد ثمن كل التجاوزات والسيّاسات الخاطئة للحكومات المتعاقبة. هذا الفرد الأنا الذي هو جزء لا يتجزّأ من الأنا الأعلى الذي هو  المجتمع الذي تربّيتُ وترعرعتُ فيه، ومنحني الحريّة كاملة غير منقوصة لكي أعبث وارتكب  الأخطاء والزلّـات، ثم هو الآن يقف ساكنا.
الحريّة لا تليق بالإنسان في كثير من الحالات، ولأنّ الحريّة قد تضرّ يصاحبها و تجعله يندم. وهناك أسباب كثيرة ومتنوّعة تحول دونها ودون الانسان الفاقد للوعي والإدراك، ففي مثل هذه الحالات  تصبح الحرية خطرا على صاحبها، ويتعذّر منحها، مُنحتُ الحريّة وأنا صغير، وحمّلوني المسؤولية قبل أن أنضج. فكان ذلك سببا في ارتكابي العديد من الزلّـات والأخطاء والكمال لله وحده، ولكن، من الأخطاء ما ينغّص الحياة على الآخرين، لا تكفي النيّة معها وحدها، ولا ينفي الجهل  بها خطورة المسئولية .
غيّاب الوعي وميولي للعبث اللذان كانا سببا في رسوبي للمرّة الثالثة في البكالوريا، لم ينفع معه طموحي الجامح المتمثّل في مزاولة التعليم العالي بإحدى الجامعات، وشغفي الكبير بمادّة علم النّفس خاصّة والفلسفة  عموما. ولم يشفع معه دموع والدتي المسكينة وحسرتها الكبيرة في كل مرّة أخيّب فيها ظنّها… الآن فحسب أقول هذا وكلّي أسف؛ خذلتكِ والله؛ آسف لتلك الدموع والحسرات!

الجزائر