أسرار صفات الله: كيف نتعرف على كماله في مخلوقاته؟

قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق، وعضو هيئة كبار العلماء إن جميع المخلوقات الموجودة في هذا الكون هي مظهر من مظاهر صفات الله تعالى، من خلال مشاهدتنا لهذه المخلوقات، نتعرف على عظمة صفات الله، مما يعزز إيماننا بأنه لا معبود بحق إلا الله سبحانه وتعالى.
الفرق بين الأسماء والصفات
وأكد الدكتور علي جمعة أن هناك فارقًا جوهريًا بين الأسماء والصفات الإلهية، فالأسماء تشير إلى كل ما يدل على ذات الله عز وجل مع صفات الكمال القائمة به، مثل: “الحي، العليم، السميع، البصير”، وهي تعبر عن حقيقة الله بما يتصف به من خصال الكمال.
بينما الصفات هي نعوت الكمال التي تتمثل في جوانب معينة من ذات الله، مثل: الحياة، والعلم، والسمع، والبصر.
وأشار المفتي السابق إلى ضرورة الإيمان بأن صفات الله تعالى ليست مشابهة لما يتصف به المخلوقون من صفات، إذ ليس لها شبيه أو نظير، سوى الأسماء والأحكام. كما أن الله عز وجل منزه عن أي نقائص أو صفات تُمَس بأي شكل من الأعراض المحسوسة مثل الطعم، أو اللون، أو الرائحة، أو الألم.
ولا يجوز أيضًا أن ننسب إليه الحركة أو السكون، أو أي وصف يتعلق بالمكان والزمان مثل القرب والبعد، أو الحجم والجرم.
التوقيف الشرعي في إثبات صفات الله
تطرق الدكتور علي جمعة إلى مسألة إثبات صفات الله من خلال التوقيف الشرعي، الذي يعني أن إثبات الصفات يكون بناءً على ما جاء في الكتاب الكريم أو السنة النبوية الشريفة، أو ما استقر عليه الإجماع. وأضاف أنه يمكننا من خلال الآيات القرآنية الثابتة إثبات صفات الله، فمثلاً من خلال قوله تعالى: “إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ”، نثبت له صفة القدرة، وفي قوله “إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ”، نثبت له صفة العلم.
صفات الله في الحديث النبوي
وفي إطار توثيق صفات الله، استشهد الدكتور علي جمعة بعدد من الأحاديث النبوية التي تعزز هذه الصفات. فمثلاً، عندما نسمع عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو ينبه الصحابة قائلاً: “يا أيها الناس، اربعوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائبًا، إنه معكم، إنه سميعٌ قريبٌ”، نثبت لله سبحانه وتعالى صفة السمع والقرب.
كما استعرض الدكتور جمعة حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنه، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: “احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك”، وهو حديث يتضمن الدعوة للتعلق بالله في كل أمور الحياة، ويؤكد على أن الله وحده هو المتفرد بالخلق والرزق والعطاء والمنع.
تنزيه الله عن الشبيه والنظير
ركز الدكتور علي جمعة على أن الله تعالى نُزَّه عن كل ما يليق بالمخلوقات من صفات، فقد جاء في القرآن قوله تعالى: “لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ” [الشورى: 11]، وهو تأكيد على أن الله سبحانه وتعالى ليس كمثله شيء في صفاته. وأشار إلى بعض آيات القرآن التي تثبت تنزيه الله عن النقص والشبيه، مثل قوله: “قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ” و**”اللَّهُ الصَّمَدُ”** التي تدل على أن الله لا شريك له ولا نظير.
أهمية الوقوف على صفات الله
وفي ختام حديثه، أوضح الدكتور علي جمعة أن من أغراض التأمل في صفات الله تعالى هو إظهار العبودية التامة لله، والافتقار إلى عظمته. كما أشار إلى أن التعلق بهذه الصفات يساعد المسلم في التخلق بالأخلاق الكريمة والتعامل مع الكون بروح الرحمة والمغفرة، مما يعكس جوانب من رحمة الله عز وجل.