تحليل: نتنياهو يعزز مكانته كأقوى زعيم في إسرائيل ويعكس مستقبل إيران نحو الخطر.

في ضربة نوعية جديدة، يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يرسّخ حضوره كأقوى شخصية في تاريخ إسرائيل الحديث، متجاوزًا كل الخطوط الحمراء التي طالما اعتُبرت محظورات في المواجهة مع إيران.
فمع اغتيال أبرز القادة العسكريين الإيرانيين واحدًا تلو الآخر، تتحول الحرب بين تل أبيب وطهران من حرب ظلّ إلى مواجهة علنية لا تخلو من رمزية كبرى، توحي بإعادة رسم توازنات القوى في الإقليم.
منذ عام 2009، كان نتنياهو يحلم بعبور خطوط السياسة الإسرائيلية التقليدية في التعامل مع الملف الإيراني، واليوم، وبفضل غطاء أمريكي غير مستقر تقوده إدارة ذات مزاج متقلب، وتيار إنجيلي صهيوني يعتبر نتنياهو رسولًا يسبق “عودة المسيح” وقيامة الساعة، تحقّق ما بدا ضربًا من الخيال قبل سنوات.
لكن السؤال الأهم: هل يكفي اغتيال القادة لكسر إيران؟ أم أن طهران قادرة على ترميم منظومتها العسكرية والنووية؟ الواقع يشير إلى أن الجمهورية الإسلامية ستحتاج لعدة سنوات لتعويض الخسائر التي لحقت بكوادرها، سواء في البرامج النووية أو في قيادات الحرس الثوري.
غير أن الحسم الحقيقي سيكون في ما إذا رافقت هذه العمليات ضربة استخبارية داخلية تشعل صراعًا أهليًا يسقط النظام من الداخل.
وفي حال لم يكن الرد الإيراني بمستوى الحدث، أو جاء تقليديًا وغير رادع، فإن النظام الإيراني بقيادة علي خامنئي قد يكون على مشارف سقوط خلال أشهر.
الأمر الذي قد يفتح الباب لنظام سياسي جديد أكثر تماهياً مع المصالح الغربية، وربما أقرب إلى النسق الأمريكي الإسرائيلي.
إننا لا نشهد فقط سلسلة اغتيالات استراتيجية، بل نشهد هندسة لشرق أوسط جديد. شرق أوسط لا يشبهنا، بل يشبه نتنياهو.
مواقف دولية.. بين التواطؤ والصمت والتوجّس
الولايات المتحدة: تتبنى موقفًا مزدوجًا، إذ تندد رسميًا بأي توتر في المنطقة، لكنها فعليًا تغض الطرف عن الاغتيالات، وتوفر الغطاء السياسي والاستخباري عبر التعاون الوثيق بين الموساد والسي آي إيه. الدعم لا يأتي فقط من مؤسسات الدولة، بل من تيارات دينية وسياسية تعتبر ضرب إيران خطوة على طريق “التطهير” الجيو-ديني للمنطقة.
الاتحاد الأوروبي: يقف في حالة ارتباك. فبينما يعبر عن “القلق البالغ” من التصعيد، إلا أن غياب سياسة أوروبية موحدة، والانشغال بالأزمات الداخلية مثل أوكرانيا والهجرة والطاقة، جعله عاجزًا عن ممارسة ضغط فعّال على تل أبيب أو واشنطن. بعض الدول مثل فرنسا وألمانيا تسعى للوساطة، لكن دون أدوات حقيقية.
روسيا والصين: تنددان إعلاميًا وتدافعان عن “سيادة الدول”، لكن انشغال موسكو بحربها في أوكرانيا، وتركيز بكين على مصالحها الاقتصادية، جعلهما تتعاملان مع الملف الإيراني ببراغماتية شديدة.
روسيا، التي تتعاون عسكريًا مع إيران، لم تقدّم دعمًا فعليًا لردع إسرائيل. أما الصين، فرغم اتفاقها الاستراتيجي مع طهران، تفضّل الحفاظ على استقرار خطوط الطاقة لا على نصرة نظام مهدد بالسقوط.