خبير سياسي: الهجوم الإسرائيلي على إيران قد يؤثر بشكل كبير على الجغرافيا السياسية.

خبير سياسي: الهجوم الإسرائيلي على إيران قد يؤثر بشكل كبير على الجغرافيا السياسية.

قال الخبير السياسي عبد اللطيف دنيا، إن تاريخ إسرائيل حافل بالضربات الاستباقية المباغتة، بدءًا من ضرب مفاعل تموز العراقي عام 1981، إلى منشأة الكُبر السورية 2007، ومرورًا باغتيالات نوعية في لبنان وسوريا وحتى طهران؛ إلا أن ما يُميز الضربة الأخيرة لإيران هو أنها نُفذت من داخل العمق الإيراني، ما يعكس اختراقًا استخباراتيًا فائقًا، ورسالة مفادها أن ما كانت تعتبره طهران خطوطًا حمراء لم يعد كذلك، ورسالة لدول الجوار أن كل دولة تعتبر في حالة حرب طالما أن لها حدودًا مع دولة لا عهد ولا ميثاق لها.

استنزاف قدرات أذرع إيران خلال المواجهات الأخيرة

وأضاف في مداخلة هاتفية عبر قناة “صدى البلد”، أنه تم استنزاف قدرات أذرع إيران خلال المواجهات الأخيرة الى جانب خشيتها من تصعيد إقليمي مفتوح وإدراك متزايد بعدم جدوى الرد المحدود في ردع إسرائيل أو إحداث أثر استراتيجي، موضحًا أن اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنه كان على علم مسبق بالضربة يُزيل علامات الاستفهام حول التواطؤ غير المعلن والتنسيق الاستخباراتي مع إسرائيل، وهذا لايضع إدارة ترامب وحسب تحت ضغط داخلي وخارجي بل أيضا حلفائها في المنطقة ويؤكد للجميع من يحتل قائمة اهتمامات الدولة الأقوى في العالم.

وأوضح أنه مع تكرار الضربات الإسرائيلية داخل أراضي دول مثل إيران وسوريا، وخرقها لسيادات دولية دون ردع فوري، قد تضطر بعض هذه الدول إلى نقل المواجهة إلى خارج إسرائيل، عبر استهداف مصالحها أو رعاياها حول العالم، خاصة عندما تستعصي المواجهة العسكرية المباشرة داخل الأراضي الإسرائيلية بسبب تفوقها الاستخباراتي والعسكري والدعم الدولي الواسع لها؛ لكن هذا النهج محفوف بالمخاطر، إذ يضع الدول المنفذة تحت طائلة الاتهام بالإرهاب ويمنح إسرائيل شرعية دولية للرد، كما يفتح الباب أمام تصعيد غير مضبوط قد يطال دولًا ثالثة.

وأشار إلى أنه رغم استنكار روسيا والصين للهجوم، فإن موقفهما ظل رمزيًا وضعيف التأثير، وتحالف “بريكس” رغم صعوده الاقتصادي لا يمتلك بعد أدوات الردع أو الحماية العسكرية الجماعية، ما يطرح تساؤلات حول قدرته على توفير مظلة حماية حقيقية لأعضائه أو من يفكر في الانضمام إليه، مؤكدًا أن دول الخليج العربي بما تحويه من مصالح أمريكية ومصالح غربية تظل أهدافًا محتملة في أي تصعيد خاصة بعد إعلان ترامب الرسمي عن علمه بالضربات الإسرائيلة ولكن هذا لن يتعدى إطار التصريحات والتهديدات، لأن إيران تقف وحدها مكشوفة دون غطاء دولي أو إقليمي وبالتالي لن تتهور لتخسر جميع أوراق التفاوض، ورغم ذلك فأن هذا لا يمنع الخليج من إعادة تقييم وضعه الدفاعي والاستراتيجي، وتعزيز التعاون الأمني والاستخباراتي داخليًا وإقليميًا.

وأكد أن الضربة الإسرائيلية دفعت تل أبيب إلى إغلاق بعض حقول الغاز مؤقتًا، بالإضافة إلى احتمالية تأثر طرق ومنافذ نقل إمدادات النفط من دول الإنتاج إلى دول الاستهلاك؛ مما سيؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط عالميًا، وهذا التطور يُسلط الضوء على الهشاشة الشديدة في سوق الطاقة العالمي، خاصة في ظل اعتماد أوروبا المتزايد على الغاز الإسرائيلي كبديل عن الغاز الروسي، ويؤكد مرارًا على أن أمن الطاقة العالمي وأمن الشرق الأوسط والخليج بصفة خاصة هما وجهان لعملة واحدة، موضحًا أن الضربة الإسرائيلية اتسمت بتجنب استهداف المدنيين أو المؤسسات المدنية، في رسالة ضمنية خبيثة بأن الهدف ليس إشعال حرب شاملة، بل استئصال التهديدات الإيرانية من جذورها فقط وأيضًا محاولة لاسترضاء الرأي العام العالمي خاصة مع استمرار التنديد الدولي بجرائم الحرب في غزة.

ردود الفعل الإيرانية السابقة توحي بالحذر والبراغماتية

ونوه بأن ردود الفعل الإيرانية السابقة توحي بالحذر والبراغماتية، خاصة حينما تكون الخسائر محدودة، وتشير التوقعات إلى أن الرد قد يكون غير مباشر عبر الأذرع أو تصعيد إلكتروني واستخباراتي ولكن طبيعة هذه الضربة باعتبارها خرقًا صارخًا للسيادة الإيرانية قد تدفع النظام الإيراني إلى رد نوعي مفاجئ، ولو على مدى زمني أطول، موضحًا أن الضربة ستعيد رسم المنطقة ليس فقط من حيث الجغرافيا العسكرية، بل من حيث موازين القوة، والتحالفات، وأنماط الصراع، وذلك بكسر قواعد الاشتباك التقليدية والتراجع والفعلي لمحور المقاومة كأداة ردع وكذلك التشجيع على تعزيز فكرة المواجهة خارج الحدود وتهديد استقرار أسواق الطاقة والنقل و فرصة لإيران لإعادة التموضع ومراجعة سياستها مع الدول العربية بعيدا عن أيدولوجياتها، وأول ما ستعيد رسمه هو وهم العمق الآمن لإيران ومدى جدواه وأنها اليوم تحصد بعضًا مما تسببت به في المنطقة، واحتمالية بروز محور عربي أكثر تنسيقًا وتأثيرًا في صياغة أمن المنطقة، فضلا عن تحولات في الاصطفاف الجيوسياسي، وقد تبرز دول غير تقليدية كوسطاء أو شركاء جدد فضلا عن زيادة دور الوكلاء القدامى. 

الضربة الإسرائيلية قد تكون نقطة تحوّل تاريخية

ولفت إلى أن الضربة الإسرائيلية قد تكون نقطة تحوّل تاريخية إذا أحسنت إيران قراءتها، وقد تدفعها إلى كسر النمط الطائفي والصدامي، والتوجه نحو علاقات براغماتية قائمة على المصالح المشتركة مع العالم العربي، وهذا التغيير إن حدث لن يكون فقط لمصلحة إيران، بل للعرب أيضًا، لأنه سيحرم إسرائيل من بيئة الصراعات التي تتغذى منها.