الموقف المصري تجاه الأسلحة النووية: ضد الدمار، مع السلام.. القاهرة تدعو لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط.

الموقف المصري تجاه الأسلحة النووية: ضد الدمار، مع السلام.. القاهرة تدعو لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط.

تمتد الخطوات والدعوات المصرية للسلام ونبذ التسلح والابتعاد عن الدمار الشامل قرابة المائة عام، بدأت في عام 1928 وكان آخر هذه الخطوات في هذا المضمار اعتماد مشروع مصر في الأمم المتحدة في نوفمبر 2024 حيث اعتمدت الهيئة الأممية بأغلبية كاسحة مشروع القرار السنوى الذي تتقدم به مصر لإقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط، في إطار جهودها لمواجهة طموح القوى التي تسعى دوما لإشعال المنطقة وتغذية الصراعات.

وقالت الخارجية في بيان لها صادر بعد اعتماد القرار السالف ذكره: “ترحب مصر باعتماد اللجنة الأولى للجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية كاسحة القرار السنوى الذي تتقدم به مصر لإقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط”، وأعربت عن ترحيبها بـ”إخضاع جميع المنشآت النووية لنظام الضمانات التابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية”، معتبرة أن هذه الموافقة بمثابة “دعم دولي واسع للموقف المصرى بالأمم المتحدة”.

ولم يكن هذا الموقف جديدا فيما يتعلق بالدور المصري للحد من أسلحة الدمار الشامل، أو تبنى مواقف أو توقيع معاهدات ترمي في النهاية إلى الحد ومنع الانتشار للسلاح النووي، ويمتد الموقف المصري في هذا المضمار لما يقرب من مائة عام، حيث وقعت عام 1928 على بروتوكول جنيف الخاص بحظر الاستخدام الحربي للغازات الخانقة أو السامة أو ما شابهها، وللوسائل البكتريولوجية للحرب دون تحفظات. 

وفي عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، شاركت مصر عام 1955 من خلال الدبلوماسي المصري إسماعيل فهمي بدور مهم في وضع دستور الوكالة الدولية للطاقة الذرية الموجودة حاليًا في فيينا، كما اشتركت مصر في مؤتمر “الطاقة الذرية في الأغراض السلمية” بجنيف في أغسطس من نفس العام. 

الرئيس السادات وشاه إيران

ولم تأل مصر جهدا، في سبيل الحد من أسلحة الدمار، وفي مؤتمر دول عدم الانحياز في بلجرا عام 1961 دعمت مصر الدعوة للتوصل إلى اتفاق يحظر إجراء التجارب النووية والحرارية، والمطالبة باستئناف المفاوضات بين الدول المختلفة لتحقيق هذا الهدف.

وبعد عامين من هذا الموقف وقعت على معاهدة حظر تجارب الأسلحة النووية في الجو وفي الفضاء الخارجي وتحت سطح الماء في موسكو 5 أغسطس 1963. 

إلى جانب ذلك وقعت مصر على اتفاقية التعاون العربي في استخدام الطاقة الذرية في الأغراض السلمية، في 10 مايو 1966، ومعاهدة المبادئ المنظمة لأنشطة الدول في ميدان استخدام الفضاء الخارجي بما في ذلك القمر والأجرام السماوية في 27 يناير 1967، ومعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية في 1 يوليو 1968، والتي تم التصديق عليها في 26 فبراير 1981. 

وتبنت مصر عام 1974 المقترح الإيراني المقدم إلى الجمعية العام للأمم المتحدة، بإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط ولكن دون استبعاد الاستخدام السلمي للتكنولوجيا النووية، حيث تقدم الرئيس أنور السادات بمبادرة شاملة في 12 أكتوبر 1974 لنزع أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط.

وفي هذا السياق أورد السفير أحمد أبوالغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية في مذكراته المعنونة بـ”شهادتي” شرحا مفصلا لموقف مصر من مسألة منع الانتشار النووي بالشرق الأوسط، حيث أوضح قائلا “انطلقت مصر في مواقفها من مسألة منع الانتشار النووي بالشرق الأوسط، من اقتناع بأن هناك مؤشرات لا ريب فيها بأن لدى إسرائيل قدرات نووية عسكرية، أو أنها تستطيع الحصول عليها في مدى أسابيع قليلة إن قررت ذلك”.

وأضاف أبوالغيط “أنه من هنا أخذت مصر تتقدم منذ عام 1974، وبالتنسيق مع إيران عندئذ، بقرار أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يطالب بإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية بالشرق الأوسط، واستمر صدور هذا القرار سنويا بدون نتيجة فعلية أو إجراءات لتطبيقه ورغم ذلك، قررت مصر في عام 1981 التصديق على معاهدة منع الانتشار بعد أن كانت قد وقعت عليها في عام 1970”.

وأشار إلى أن مصر انطلقت في موقفها عندئذ، من نقطتين أساسيتين؛ أولاهما أن هذا التصديق المصري سيساعد مصر في مساعيها من أجل إنشاء مشروع نووي سلمي مصري وبناء مجموعة من المفاعلات البحثية ومفاعلات الطاقة، وثانيتهما أن الولايات المتحدة كانت تؤكد لمصر طوال الوقت أنها ستفرض على إسرائيل الانضمام إلى معاهدة منع الانتشار خلال فترة زمنية قصيرة وهو الأمر الذي لم ينفذ وبقي البرنامج النووي الإسرائيلي خارج إطار الرقابة الدولية”.

البرنامج النووي الإسرائيلي

وبعد تبنى مصر الموقف الإيراني في 1974 وقعت على اتفاقية حظر استحداث وإنتاج وتخزين الأسلحة البكتريولوجية والبيلوجية وتدمير تلك الأسلحة في ١٠ أبريل 1977، بالإضافة إلى توقيع اتفاقية حظر تقنيات التغيير في البيئة لأغراض عسكرية أو لأي أغراض عدائية أخرى في 18 مايو من ذات العام. 

كما وقعت مصر على اتفاقية حظر أو تقييد استعمال أسلحة تقليدية معينة يمكن اعتبارها مفرطة الضرر أو عشوائية الأثر في 10 أبريل 1981.

وكان الغزو العراقي للكويت، والتهديد المتبادل بين بغداد وتل أبيب باستخدام الأسلحة النووية سببا في إطلاق الرئيس الراحل محمد حسني مبارك مبادرته إخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل في 18 أبريل 1990 وفي سبتمبر من العام التالي، أكدت مصر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في الدورة السادسة والأربعين أن استقرار المنطقة لن يتحقق إلا من خلال تطبيق نزع أسلحة الدمار الشامل على الجميع دون استثناء.

وتبنت مصر المقاطعة العربية لمؤتمر باريس والخاص بحظر الأسلحة الكيماوية في 13 يناير 1993، وذلك بعد تعثر المفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية لإجبار إسرائيل على التوقيع على اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية مقابل توقيع الدول العربية على معاهدة باريس للأسلحة الكيماوية.

وفي سبتمبر 1993 وبناء على طلب مصر ناقش مجلس الجامعة العربية موضوع تنسيق المواقف العربية تجاه أسلحة الدمار الشامل، والجهود الرامية إلى السلام.

كما وقعت مصر على معاهدة الخطر الشامل للتجارب النووية في عام 1996، ووقعت أيضًا على معاهدة “بلندابا” والخاصة بإخلاء إفريقيا من أسلحة الدمار الشامل والتي وقعتها الدول الإفريقية بالقاهرة في 11 أبريل من ذات العام. 

وشاركت مصر في الاجتماع التحضيري الأول لمراجعة معاهدة منع الانتشار النووي في العاصمة النمساوية في أبريل 2007، وشددت على أن انضمام إسرائيل لمعاهدة منع الانتشار يكون على أساس أنها دولة “غير نووية”، وأن مصر مصممة على ذلك وتلتزم بنظام الضمانات والتفتيش في إطار الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مشيرة إلى أن إسرائيل بوضعها الحالي تمثل تحديًا سافرًا لإرادة المجتمع الدولي.

وكان لمصر رأي واضح عرض على المسئولين في إسرائيل بخصوص عدم التوقيع على وثيقة منع انتشار الأسلحة الكيماوية، في أغسطس 1994، نص على ارتباط مصر بتوقيعها على تلك الوثيقة بتوقيع إسرائيل على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، إلا أن إسحاق رابين رئيس وزراء إسرائيل ـ آنذاك ـ رفض المبدأ.

وتجدر الإشارة إلى أنه في مؤتمر عام 1995، تعهد وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك شيمون بيريز أمام نظيره المصري أنئذ عمرو موسى بأن إسرائيل ستلتزم بمعاهدة حظر الانتشار النووي في غضون عام من عقد السلام العربي الإسرائيلي الشامل.

وعلى الرغم من أهمية معاهدة عدم الانتشار النووى 1995 إلا أن وزير الخارجية السابق السفير سامح شكري، انتقد المد اللا نهائي لها.

وقال شكري أمام مؤتمر مراجعة معاهدة حظر الانتشار النووي الذي عقد بنيويورك في أبريل 2015 إنه من المهم أن نؤكد على أن المد اللانهائى لمعاهدة عدم الانتشار النووى عام 1995 لم يكن يعنى، بأى حال، السماح للدول النووية بالاستمرار في حيازتها للسلاح النووى بشكل دائم، وأن أي افتراض بذلك لا يتسق مع روح ونص المعاهدة والغرض الرئيسى منها.

البرنامج النووي الإيراني

وحول موقف مصر من البرنامج النووي الإيراني، قال السفير أبو الغيط في “شهادتي” إنه رغم أن مصر وإيران لم تتمكنا خلال هذه السنوات من تحقيق انفراجة كاملة في علاقاتهما، فإن الموقف المصري كان يتمسك دائما طوال هذه الفترة بحق إيران في ممارسة الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية. 

وأضاف “لكننا كنا نطالبها بأن تخضع كل ترتيباتها لإشراف الوكالة وكان المنطلق في ذلك يدور حول نقطتين جوهريتين؛ الأولى أن مصر لا تؤيد ظهور قوى نووية إقليمية؛ لأن هذا الأمر سيؤدي إلى القضاء تمامًا على الفكرة المصرية بإخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل، والنقطة الثانية تتمحور حول خطورة هذا التطور الذي قد يقود – في غالب الأحوال – لمواجهة مسلحة سوف يعانيها الإقليم بشكل غير مسبوق ويكون لها انعكاساتها الضارة جدًّا على مصر”.

وتابع “إنه إذا سارت الأمور إلى بزوغ قوى نووية بالمنطقة وهى مسألة كنت دائما أخشى عواقبها فإن ذلك التطور كان سيفرض على مصر – بالتداعي – أن تسعى هي الأخرى إلى شحذ همتها للدخول في هذا المعترك بكل تكاليفه المادية الهائلة وبذا تتعطل برامج التنمية المصرية لصالح مشروع نووي عسكري لا طائل من ورائه إلا هدف السطوة والسلطان أو الدفاع عن نظام حكم محتمل مماثل لما هو موجود في إيران أو كوريا الشمالية”.

ونوه “أبوالغيط” إلى أن تقديره كان دائما أن السلاح النووي في عالم اليوم هو سلاح للردع وليس للدفاع وأنه حتى في حالة إسرائيل فإن مسألة الردع لم تتحقق لها؛ إذ قامت القوات المصرية بعبور قناة السويس وتدمير خط بارليف ولم يردعها عن ذلك ما كان يتردد عن وجود سلاح نووي إسرائيلي.

وكان لمصر موقف واضح من الاتفاق النووي الإيراني، وحينما ألغاه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عام 2018 إبان ولايته الأولى، أصدرت وزارة الخارجية بيانا طالبت فيه بضرورة إشراك الدول العربية في أي اتفاق جديد مع إيران يتعلق ببرنامجها النووي. يتبين مما تقدم، أن مصر لا تدعم استخدام أي دولة في إقليم الشرق الأوسط لـ”النووي” إلا لأغراض سلمية، وموقفها واضح من الدولتين المتنافستان للحصول على أسلحة الدمار الشامل “إيران وإسرائيل”، لأن هذا السباق يقوض في النهاية إلى استنزاف الدول حتى لو لم يستخدم السلاح في الحرب فإنه يستحوذ على مقدرات الدول ويجعل التنمية متأخرة وبطيئة.