نووي مروع: لتفادي تكرار أحداث هيروشيما وناجازاكي وتشيرنوبل

تدور تخوفات عدة، وسط تصاعد العمليات العسكرية بين إيران وإسرائيل، ورغبة الأخيرة في إحباط طموحات إيران النووية، ما يجعل ضرب المنشآت النووية مثيرا للمخاوف في بلدان المنطقة، فماذا لو حدث تسرب إشعاعي؟ ماذا لو فلتت الأمور العسكرية وخرجت عن السيطرة، وهو ما يذكرنا دائما بالكوارث النووية التي وقعت قبل عقود وكان لها أثر تخريبي وتدميري امتد حتى يومنا هذا.
قبل 80 عامًا وفي نهاية الحرب العالمية الثانية وقعت كارثة إلقاء قنبلتين نوويتين على بلدتي هيروشيما وناجازاكي من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وقبل ما يقرب من 40 عامًا وقعت كارثة المفاعل النووي تشيرنوبل.
وعلى الرغم من أن هذه القنابل وقعت في منذ عقود طويلة وكان تأثيرها مرعبا أدى لانصهار الحياة في المدينتين، وسقوط آلاف الضحايا على الفور، فإن السؤال الذي يطرحه الذهن حاليا: ماذا لو وقعت كارثة نووية في عصرنا الحالي، وماذا سيكون تأثير قنبلة نووية اليوم بعد التطور العلمي الهائل الذي وصلت له البشرية؟ واجتازت مرحلة هيروشيما، كيف سيكون العرب متجاوزا لعقول وتصورات وأوهام البشرية.
هيروشيما وناجازاكي
ألقت الولايات المتحدة الأمريكية قنبلتين نوويتين على مدينتي هيروشيما وناجازاكي، دفعًا لليابان على الاستسلام في الحرب، وهو ما وقع فعلا.
ومع إلقاء قنبلة حملت اسم “الولد الصغير” على هيروشيما في 6 أغسطس لعام 1945، لقى حوالي 140 ألف شخص حتفهم، وعندما ألقت قنبلة على ناجازاكي لقى حوالي 74 ألفا بعد ثلاثة أيام.
قتل وأصيب آلاف الأشخاص على الأرض على الفور، حيث أدى الهجوم النووي إلى نهاية مفاجئة للحرب العالمية الثانية، إذ استسلمت اليابان للحلفاء في 15 أغسطس 1945.
لم تنته مأساة القنبلتين فقد راح ضحيتها الكثير من أرواح البشر الذين ماتوا متأثرين بالإشعاع بعد أسبوع وبعد شهر وبعد سنة، خلافا للأمراض التي أصابت البشر والطبيعة من حولهم.
وتعد كارثة التلوث الإشعاعي الناتج عن انفجار المفاعل النووي في محطة تشيرنوبل واحدة من الحوادث الخطيرة التي تحذر من عواقب الإقدام على أي حرب نووية، أو التهور في ضرب منشآت نووية في ظل الصراعات والحروب بين روسيا وأوكرانيا مثلا، أو بين إيران وإسرائيل.
مأساة المفاعل النووي تشيرنوبل
في أبريل عام 1986، وقع انفجار المفاعل النووي تشرنوبل نتيجة خطأ في إجراء اختبار أثر انقطاع الكهرباء، حيث وقع خطأ في التشغيل بعد إغلاق توربينات المياه المستخدمة في تبريد اليورانيوم، ما أدى إلى ارتفاع حرارة اليورانيوم بالمفاعل الرابع إلى درجة الاشتعال.
ووفقا للمعلومات التي نشرتها الأمم المتحدة على موقعها، فبعد 7 ثوان أدى ارتفاع درجة الحرارة إلى وقوع موجة انفجار كيميائية أطلقت بدورها النويدات المشعة إلى الغلاف الجوي، وقد أدرك رئيس الفريق المناوب الخطر حاول إغلاق المفاعل كي يجعل أعمدة الجرافيت تنزل في قلب المفاعل وتبطيء من سرعة التفاعل النووي وارتفاع الحرارة.
ولأن المفاعل كان غير مستقر، والدورة الحرارية مشوشة من آثار الاختبار أدى إلى اعوجاج أعمدة الجرافيت، ومنع ذلك من سقوطها في قلب المفاعل ما جعل الحرارة ترتفع بشكل كبير وتشتعل بعض الغازات المتسربة وتسبب الكارثة.
وأدى الانفجار إلى انتشار سحابة مشعة على أجزاء كبيرة من الاتحاد السوفياتي، والتي تسمى الآن (بيلاروسيا، وأوكرانيا والاتحاد الروسي). وتعرض ما يقرب من 8.4 مليون شخص في البلدان الثلاثة إلى الإشعاع.
وأدت قوة الانفجار إلى انتشار التلوث على أجزاء كبيرة من الاتحاد السوفياتي، ووفقا لتقارير رسيمة، لقى 31 شخصا حتفهم على الفور، وتعرض 600 ألف من المشاركين في مكافحة الحرائق وعمليات التنظيف، لجرعات عالية من الإشعاع.
ووفقا لتقارير رسمية، تعرض ما يقرب من 8،4 مليون شخص في بيلاروسيا وروسيا وأوكرانيا للإشعاع، وهو عدد يزيد عن إجمالي سكان النمسا. وتعرضت 155 ألف كيلومتر مربع من الأراضي في التابعة للبلدان الثلاثة للتلوث، وهي مساحة تماثل نصف إجمالي مساحة إيطاليا.
وتعرضت مناطق زراعية تغطي ما يقرب من 52 ألف كيلومتر مربع، وهي مساحة أكبر من مساحة دولة الدانمرك، للتلوث بالعنصر المشعين سيزيوم – 137، وعنصر سترونتيوم – 90، وأعيد توطين ما يقرب من 404 ألف شخص، إلا أن الملايين ظلوا يعيشون في بيئة تسبب فيها استمرار بقايا التعرض الإشعاعي إلى ظهور مجموعة من الآثار الضارة.
وكانت الكاتبة البلاروسية سفيتلانا الكسييفيتش، الحائزة على جائزة نوبل، قد وثقت حجم المعاناة الإنسانية الهائلة جراء وقوع الانفجار المروع في كتابها المثير “صلاة تشيرنوبل”.
فبعد حدوث الانفجار في ليلة 26 أبريل من العام 1986، كان رجال الإطفاء أول الذين وصلوا لعمل على إخماد الحرائق في المحطة النووية وهم لا يعرفون أنهم يعملون على إخماد كتل ومواد إشعاعية قاتلة، الأمر الذي جعلهم يشعرون بالقيء والإغماءات ونقلوا إلى المستشفيات فورا، كانت جلودهم تتساقط وماتوا بعد أسبوعين من أداء مهامهم.
تقول إحدى زوجات عامل إطفاء، كانت تمرض زوجها: “لا توجد أية ثياب إن عار؟ يوجد فقط شرشف خفيف يغطيه من الأعلى كنت أبدل هذا الشرشف كل يوم عندما يحين المساء يكون قد امتلأ بالدم وحين أرفعه تبقى على يدي قطع من الجلد وتلتصق”؛ وقد نقلت تفاصيل قصتها بالكامل في كتاب “صلاة تشيرنوبل”.
ماتت الطيور والحيوانات غدرا
في البداية، تعاملت سلطات الاتحاد السوفييتي على إخفاء الخبر، ومن المدهش ما نقلته سفيتلانا في كتابها من حديث لأحد مربي النحل في القرى القريبة من المحطة، تقول: “خرج في الصباح إلى الحديقة، شيء ما ناقص، صوت معروف، ليس من نحلة واحدة، لا يسمع طنين أية نحلة، أبدا ماذا إذا؟ ما الذي حصل؟ وفي التالي لم يطرن. وفي الثالث أيضا. أخبرونا فيما بعد أن حادثا قد حصل في المحطة الذرية وهي قريبة منا، لم نعرف شيئا لفترة طويلة والنحل قد عرف، أما نحن فلا”.
من القصص المؤلمة التي ترويها الكاتبة هي عملية إبادة الحيوانات في القرى المجاورة للمحطة والتي تلوثت بالإشعاع، خوفا من هجرتها للمنطقة ونقل سموم الإشعاع إلى مناطق أبعد، تقول الكاتبة: “دخلت القرى بعد النزوح مجموعة من الجنود أو الصيادين وأطلقوا النار على الحيوانات فقتلوها. الكلاب كانت تركض نحو الصوت الإنساني، والقطط والخيول، لم تستطع هذه المخلوقات فهم ما يحدث لها، وهي غير مذنبة في شيء، لا الوحوش ولا الطيور، لقد ماتت بصمت، هل هناك ما هو أكثر رعبًا؟”
وعن حصيلة الخسائر التي تعرضت لها بيلاروسيا وحدها، نقلت الكاتبة أنه نحو70% من النويدات المشعة سقطت في بيلاروسيا فأصبح نحو 23% من مساحتها ملوثا بالنويدات المشعة بكثافة.. ومن المساحة الزراعية الملوثة نحو 1.8 مليون هكتار، ونحو 26% من الغابات وأكثر من نصف الهضاب التي تقع في مجاري أنهار بريبيات وسوج تدخل ضمن منطقة التلوث الإشعاعي. وكنتيجة لتأثير الدائم للجرعات الصغيرة من الإشعاعات يزداد كل عام عدد المصابين بالأمراض السرطانية والتخلف العقلي والاضطرابات النفسية العصبية والتغيرات الجينية المفاجئة.
شاركت دول العالم في مساعدة أوكرانيا في بناء قبة ضخمة لدفن المفاعل النووي بما يحتويه من مواد مشعة سامة وخطرة، هذه القبة والبناء الضخم يعمل على منع أي تسرب إشعاعي من المفاعل، بينما أصبحت المناطق والقرى المحيطة به ملوثة تماما وغير صالحة للحياة.