تزايد أنشطة تنظيم داعش في أفغانستان يثير قلقاً على الصعيدين الإقليمي والدولي

تزايد أنشطة تنظيم داعش في أفغانستان يثير قلقاً على الصعيدين الإقليمي والدولي

أكد رئيس جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، ألكسندر بورتنيكوف، خلال القمة الأمنية لرابطة الدول المستقلة التي عُقدت في موسكو، أن نشاط تنظيم “داعش” في أفغانستان يشهد تصاعدًا مقلقًا؛ مشيرًا إلى أن الجماعة الإرهابية باتت تعتمد على المسلحين المنتشرين في الأراضي الأفغانية والسورية.

وفي تحذير مزدوج، أشار بورتنيكوف إلى تنامي نفوذ التنظيم في سوريا أيضًا، لافتًا إلى ما وصفه بـ”استغلال تدفق اللاجئين والنازحين داخليًا” كوسيلة لاختراق المجتمعات واستهدافها من الداخل، بمساعدة ما أسماه “أجهزة استخبارات أجنبية”. ورغم هذه التصريحات الروسية التي تعكس قلقًا متزايدًا من خطر الإرهاب العابر للحدود، سارعت حركة طالبان إلى نفي هذه الادعاءات، حيث وصف نائب المتحدث باسم الحركة، حمد الله فترت، التصريحات بأنها “لا أساس لها من الصحة”.

وأكد أن قوات طالبان نجحت في “تحييد” أنشطة تنظيم داعش في البلاد. غير أن الوقائع الميدانية، وتصريحات داعش نفسه، تكشف عن واقع أكثر تعقيدًا، حيث يواصل التنظيم شن هجمات متفرقة في عدد من المحافظات الأفغانية، وخاصة في العاصمة كابول.

من خراسان إلى أفغانستان

ظهر تنظيم “داعش – ولاية خراسان” للمرة الأولى في أفغانستان في أواخر عام ٢٠١٤، بعد أشهر قليلة من إعلان أبو بكر البغدادي الخلافة في العراق وسوريا. انشق عدد من مقاتلي “طالبان باكستان” ومسلحين أفغان على قيادة حركة طالبان.

وأعلنوا بيعتهم للبغدادي، مشكّلين بذلك نواة فرع التنظيم في منطقة “خراسان” التي تشمل، وفق أدبيات التنظيم، أجزاءً من أفغانستان وباكستان وإيران وآسيا الوسطى.

منذ نشأته، تمركز التنظيم في ولاية ننغرهار شرق البلاد، على الحدود مع باكستان، حيث خاض معارك ضارية مع القوات الأمريكية، ثم مع طالبان، وأخيرًا مع الحكومة الأفغانية السابقة. وقد تميز “داعش – خراسان” بوحشيته وهجماته العشوائية التي تستهدف المدنيين في الغالب، ما جعله مختلفًا عن طالبان التي تتبنى خطابًا أكثر محلية، وتسعى إلى الاعتراف السياسي.

أبرز عمليات داعش في أفغانستان

على مدار السنوات الماضية، نفذ تنظيم “داعش – خراسان” عددًا من الهجمات المروعة التي تؤكد استمرار حضوره، رغم تعرضه لضربات عنيفة من قبل طالبان والولايات المتحدة:
الهجوم على مطار كابول (أغسطس ٢٠٢١): بعد أيام من استيلاء طالبان على السلطة، فجر انتحاري من داعش نفسه وسط حشود من المدنيين قرب بوابة مطار كابول، ما أدى إلى مقتل أكثر من ١٧٠ شخصًا، بينهم ١٣ جنديًا أمريكيًا. شكّلت هذه العملية صدمة كبرى للتحالف الدولي، وعكست خطورة التنظيم في المرحلة الانتقالية.

الهجمات على المساجد الشيعية: نفذ التنظيم سلسلة من التفجيرات داخل مساجد تابعة للطائفة الشيعية في ولايات مثل قندوز وقندهار، ما أسفر عن مقتل وجرح العشرات، في محاولة لإشعال فتنة طائفية داخل أفغانستان، وإظهار طالبان كعاجزة عن حماية الأقليات.

اغتيال مسئولين وقادة محليين: استهدف داعش شخصيات محسوبة على حركة طالبان، إضافة إلى قضاة، وعلماء دين، ومسئولين محليين، في إطار حربه المفتوحة مع الحركة، التي يعتبرها التنظيم “مرتدة” و”متساهلة”.

الهجوم على فندق في كابول (ديسمبر ٢٠٢٢): تبنى داعش هجومًا مسلحًا على فندق يقيم فيه دبلوماسيون ورجال أعمال صينيون، ما أسفر عن إصابة عدد منهم. واعتُبر الهجوم رسالة مزدوجة لطالبان ولحلفائها الجدد في بكين.

طالبان وداعش.. صراع النفوذ

منذ استيلاء طالبان على السلطة في أغسطس ٢٠٢١، تصاعدت وتيرة الصراع بينها وبين “داعش – خراسان”. وبينما تحاول الحركة تقديم نفسها كقوة مسيطرة قادرة على فرض الأمن، يرى تنظيم داعش أن طالبان انحرفت عن “الجهاد الحقيقي”، ويصفها بـ”القومية الجاهلية”. هذا التباين العقائدي يعزز من احتمالات استمرار المواجهة بين الطرفين.
في المقابل، تقول طالبان إنها نجحت في القضاء على خلايا التنظيم في عدة ولايات، وإنها تشن عمليات استباقية لمنع توسع داعش. وآخر هذه العمليات كانت قبل يومين، حيث ذكرت وسائل إعلام تابعة لطالبان أن قوات الأمن هاجمت مخبأً لداعش في منطقة “قصبة” بكابول، وقتلت عددًا من عناصره.

روسيا والقلق الإقليمي

تأتي التصريحات الروسية في سياق تحذيرات متكررة من تمدد التنظيمات الإرهابية في محيط آسيا الوسطى، خاصة بعد انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان. ويبدو أن موسكو تنظر بعين الريبة إلى تطورات الساحة الأفغانية، ليس فقط من زاوية داعش، بل أيضًا في ظل الغموض الذي يكتنف نوايا طالبان وعلاقتها بقوى إقليمية، خصوصًا تركيا وقطر.
وبينما تحاول روسيا تعزيز وجودها الأمني عبر قواعد في طاجيكستان وقرغيزستان، فإنها تدرك أن فراغ السلطة في أفغانستان، وغياب الاعتراف الدولي بحكومة طالبان، يمكن أن يخلقا بيئة خصبة لنمو التنظيمات المتطرفة، بما في ذلك داعش.
رغم الحملات المتواصلة من قبل طالبان، والدعم المحدود الذي يحظى به داعش بين الأفغان، إلا أن التنظيم لا يزال قادرًا على تنفيذ هجمات نوعية، مستفيدًا من الفوضى، والانقسامات العرقية والطائفية، وغياب أجهزة أمنية قوية. كما أن طبيعة التنظيم اللامركزية، واعتماده على خلايا نائمة، يجعل من الصعب القضاء عليه بشكل نهائي.

في ظل هذا الواقع، تبدو أفغانستان مقبلة على صراع طويل الأمد بين طالبان وداعش، فيما يبقى المدنيون الضحية الكبرى، وتبقى الهواجس الإقليمية والدولية مرشحة للتزايد، لا سيما مع تصاعد الهجرة واللجوء، واستمرار الفراغ السياسي والأمني.