قنبلة واحدة كافية.. التأثير سيكون أقوى بـ 20 إلى 30 ضعفاً من القنابل التي أسقطت على هيروشيما وناجازاكي.

فى أغسطس من عام ١٩٤٥، خلال نهاية الحرب العالمية الثانية، ألقت الولايات المتحدة قنبلتين ذريتين على اليابان، وتحديدا علي مدينتي هيروشيما وناجازاكي، ما أدى إلى مقتل الآلاف، إلى جانب إحداث دمار هائل نتيجة الانفجار.
شكل الهجوم على هيروشيما أول استخدام فعلى للسلاح النووى فى سياق الحروب.
فى السادس من أغسطس، ألقت الولايات المتحدة أول قنبلة نووية، المعروفة باسم ‘الولد الصغير’، على مدينة هيروشيما.
ويقدر أن نحو ٧٠ ألف شخص لقوا حتفهم على الفور نتيجة الانفجار الهائل الذى دمر مدينة هيروشيما، فيما توفى عشرات الآلاف لاحقا متأثرين بجروحهم أو نتيجة التعرض للإشعاع، خلال الأيام والأسابيع والشهور التالية.
وبلغ عدد ضحايا الهجوم على هيروشيما نحو ١٤٠ ألف شخص.
وحين لم تعلن اليابان استسلامها، وجهت الولايات المتحدة ضربتها الثانية بعد ثلاثة أيام، بقنبلة أُطلق عليها ‘الرجل البدين’، لتسقط فوق ناجازاكي، المدينة الواقعة على بعد ٤٢٠ كيلومترا جنوب هيروشيما.
وقتل ما لا يقل عن ٧٤ ألف شخص فى مدينة ناجازاكى نتيجة القصف النووي.
وأسفر الهجوم النووى عن نهاية سريعة للحرب فى آسيا، حيث أعلنت اليابان استسلامها لقوات الحلفاء فى ١٤ أغسطس ١٩٤٥.
غير أن بعض المنتقدين يرون أن اليابان كانت على وشك الاستسلام بالفعل، وأن استخدام القنبلتين النوويتين أسفر عن مقتل أعداد كبيرة من المدنيين.
ماذا لو انفجرت قنبلة نووية حديثة؟
قالت تارا دروزدينكو، مديرة برنامج الأمن العالمى لاتحاد العلماء المعنيين، وهو منظمة غير ربحية مقرها الولايات المتحدة، أن الأسلحة النووية الحديثة أقوى ٢٠ إلى ٣٠ مرة من القنابل التى ألقيت على هيروشيما وناجازاكي.
وسلطت مجلة “لوبس” الفرنسية، الضوء على الآثار المدمرة لانفجار القنبلة الذرية، بما فى ذلك الإشعاع المميت والحرارة وموجة الصدمة.
وذكرت المجلة أن الإشعاع المباشر المميت الناتج عن انفجار نووى بقوة ١٠ كيلو طن، أى ما يعادل نصف قوة قنبلة ناجازاكي، يمكن أن يمتد لمسافة تقارب الميل. ورغم أن هذه الإشعاعات قد تحدث عاصفة نارية، إلا أن تأثيرها يعد محدودا مقارنة بالتأثيرات الأخرى فى القنابل النووية الحديثة، حيث تعد موجة الصدمة العامل الأساسى فى التدمير المادي، ويعتمد مدى هذا الدمار على قوة القنبلة وطبيعة التضاريس المحيطة.
غير أن تأثير القنبلة النووية يختلف باختلاف موقع انفجارها، إذ يكون الانفجار الجوى أكثر فاعلية عند استهداف مدينة، مقارنة بالانفجار الأرضي.
ويعقب الانفجار النووى تساقط إشعاعي، وهو أحد التأثيرات الخاصة بهذا النوع من الأسلحة، وقد تستمر آثاره البيئية والصحية لسنوات أو حتى عقود، رغم أن التأثيرات القاتلة المباشرة تدوم عادة من بضعة أيام إلى أسابيع.
ومن بين التأثيرات الأخرى للسلاح النووى ما يعرف بـ’النبض الكهرومغناطيسي’، الذى ينتج عن طرد الإلكترونات من الهواء بفعل أشعة غاما المنبعثة خلال الانفجار النووي. ويؤثر هذا النبض فى الأنظمة الإلكترونية، بحيث إن تفجير سلاح نووى كبير على ارتفاع نحو ٢٠٠ ميل فوق وسط الولايات المتحدة يمكن أن يولد نبضة كهرومغناطيسية قوية تكفى لتعطيل أجهزة الحاسوب، وشبكات الاتصالات، ومختلف الأجهزة الإلكترونية على مستوى البلاد بأكملها.
وقد يؤثر النبض الكهرومغناطيسى أيضا فى الأقمار الصناعية المخصصة للاتصالات العسكرية، والاستطلاع، والإنذار المبكر.
كما أن الانفجار النووى يخلف آثارا مروعة، إذ يمكن لانفجار واحد فقط أن يؤدى إلى إصابة آلاف الأشخاص بحروق خطيرة تتطلب علاجا طبيا متخصصا، وهو ما قد يتضاعف ليصل إلى الملايين فى حال اندلاع حرب نووية شاملة. إضافة إلى ذلك، يتسبب الانفجار فى انهيار المبانى وتعطيل سلاسل التوريد، مما قد يؤدى إلى مجاعات واسعة النطاق.
كارثة نووية.. حتى لا تتكرر المأساة
تدور تخوفات عدة، وسط تصاعد العمليات العسكرية بين إيران وإسرائيل، ورغبة الأخيرة فى إحباط طموحات إيران النووية، ما يجعل ضرب المنشآت النووية مثيرا للمخاوف فى بلدان المنطقة، فماذا لو حدث تسرب إشعاعي؟ ماذا لو أفلتت الأمور العسكرية وخرجت عن السيطرة؟ وهو ما يذكرنا دائما بالكوارث النووية التى وقعت قبل عقود وكان لها أثر تخريبى وتدميرى امتد حتى يومنا هذا.
قبل ٨٠ عامًا وفى نهاية الحرب العالمية الثانية وقعت كارثة إلقاء قنبلتين نوويتين على بلدتى هيروشيما وناجازاكى من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وقبل ما يقرب من ٤٠ عامًا وقعت كارثة المفاعل النووى تشيرنوبل.
وعلى الرغم من أن هذه القنابل وقعت منذ عقود طويلة وكان تأثيرها مرعبا وأدى لانصهار الحياة فى المدينتين، وسقوط آلاف الضحايا على الفور، فإن السؤال الذى يطرحه الذهن حاليا: ماذا لو وقعت كارثة نووية فى عصرنا الحالي، وماذا سيكون تأثير قنبلة نووية اليوم بعد التطور العلمى الهائل الذى وصلت له البشرية؟ واجتازت مرحلة هيروشيما، كيف سيكون الحدث متجاوزا لعقول وتصورات وأوهام البشرية؟
هيروشيما وناجازاكي
ألقت الولايات المتحدة الأمريكية قنبلتين نوويتين على مدينتى هيروشيما وناجازاكي، دفعتا اليابان على الاستسلام فى الحرب، وهو ما وقع فعلا.
ومع إلقاء قنبلة حملت اسم “الولد الصغير” على هيروشيما فى ٦ أغسطس لعام ١٩٤٥، لقى حوالى ١٤٠ ألف شخص حتفهم، وعندما ألقت قنبلة على ناجازاكى لقى حوالى ٧٤ ألفا بعد ثلاثة أيام.
قتل وأصيب آلاف الأشخاص على الأرض على الفور، حيث أدى الهجوم النووى إلى نهاية مفاجئة للحرب العالمية الثانية، إذ استسلمت اليابان للحلفاء فى ١٥ أغسطس ١٩٤٥.
لم تنته مأساة القنبلتين فقد راح ضحيتهما الكثير من أرواح البشر الذين ماتوا متأثرين بالإشعاع بعد أسبوع وبعد شهر وبعد سنة، خلافا للأمراض التى أصابت البشر والطبيعة من حولهم.
وتعد كارثة التلوث الإشعاعى الناتج عن انفجار المفاعل النووى فى محطة تشيرنوبل واحدة من الحوادث الخطيرة التى تحذر من عواقب الإقدام على أى حرب نووية، أو التهور فى ضرب منشآت نووية فى ظل الصراعات والحروب بين روسيا وأوكرانيا مثلا، أو بين إيران وإسرائيل.
مأساة المفاعل النووى تشيرنوبل
فى أبريل عام ١٩٨٦، وقع انفجار المفاعل النووى تشرنوبل نتيجة خطأ فى إجراء اختبار أثر انقطاع الكهرباء، حيث وقع خطأ فى التشغيل بعد إغلاق توربينات المياه المستخدمة فى تبريد اليورانيوم، ما أدى إلى ارتفاع حرارة اليورانيوم بالمفاعل الرابع إلى درجة الاشتعال.
ووفقا للمعلومات التى نشرتها الأمم المتحدة على موقعها، فبعد ٧ ثوان أدى ارتفاع درجة الحرارة إلى وقوع موجة انفجار كيميائية أطلقت بدورها النويدات المشعة إلى الغلاف الجوي، وقد أدرك رئيس الفريق المناوب الخطر فحاول إغلاق المفاعل كى يجعل أعمدة الجرافيت تنزل فى قلب المفاعل وتبطئ من سرعة التفاعل النووى وارتفاع الحرارة.
ولأن المفاعل كان غير مستقر، والدورة الحرارية مشوشة من آثار الاختبار أدى إلى اعوجاج أعمدة الجرافيت، ومنع ذلك من سقوطها فى قلب المفاعل ما جعل الحرارة ترتفع بشكل كبير وتشتعل بعض الغازات المتسربة وتسبب الكارثة.
وأدى الانفجار إلى انتشار سحابة مشعة على أجزاء كبيرة من الاتحاد السوفيتي، والتى تسمى الآن (بيلاروسيا، وأوكرانيا والاتحاد الروسي). وتعرض ما يقرب من ٨.٤ مليون شخص فى البلدان الثلاثة إلى الإشعاع.
وأدت قوة الانفجار إلى انتشار التلوث على أجزاء كبيرة من الاتحاد السوفيتي، ووفقا لتقارير رسيمة، لقى ٣١ شخصا حتفهم على الفور، وتعرض ٦٠٠ ألف من المشاركين فى مكافحة الحرائق وعمليات التنظيف، لجرعات عالية من الإشعاع.
ووفقا لتقارير رسمية، تعرض ما يقرب من ٨،٤ مليون شخص فى بيلاروسيا وروسيا وأوكرانيا للإشعاع، وهو عدد يزيد على إجمالى سكان النمسا. وتعرضت ١٥٥ ألف كيلومتر مربع من الأراضى فى التابعة للبلدان الثلاثة للتلوث، وهى مساحة تماثل نصف إجمالى مساحة إيطاليا.
وتعرضت مناطق زراعية تغطى ما يقرب من ٥٢ ألف كيلومتر مربع، وهى مساحة أكبر من مساحة دولة الدنمارك، للتلوث بالعنصرين المشعين سيزيوم – ١٣٧، وعنصر سترونتيوم – ٩٠، وأعيد توطين ما يقرب من ٤٠٤ آلاف شخص، إلا أن الملايين ظلوا يعيشون فى بيئة تسبب فيها استمرار بقايا التعرض الإشعاعى إلى ظهور مجموعة من الآثار الضارة.
وكانت الكاتبة البلاروسية سفيتلانا الكسييفيتش، الحائزة على جائزة نوبل، قد وثقت حجم المعاناة الإنسانية الهائلة جراء وقوع الانفجار المروع فى كتابها المثير “صلاة تشيرنوبل”.
فبعد حدوث الانفجار فى ليلة ٢٦ أبريل من العام ١٩٨٦، كان رجال الإطفاء أول الذين وصلوا للعمل على إخماد الحرائق فى المحطة النووية وهم لا يعرفون أنهم يعملون على إخماد كتل ومواد إشعاعية قاتلة، الأمر الذى جعلهم يشعرون بالقيء والإغماءات ونقلوا إلى المستشفيات فورا، كانت جلودهم تتساقط وماتوا بعد أسبوعين من أداء مهامهم.
تقول إحدى زوجات عمال الإطفاء، وكانت تمرض زوجها: “لا توجد أية ثياب إنه عارٍ؟ يوجد فقط شرشف خفيف يغطيه من الأعلى كنت أبدل هذا الشرشف كل يوم عندما يحين المساء يكون قد امتلأ بالدم وحين أرفعه تبقى على يدى قطع من الجلد وتلتصق”؛ وقد نقلت تفاصيل قصتها بالكامل فى كتاب “صلاة تشيرنوبل”.
ماتت الطيور والحيوانات غدرا
فى البداية، تعاملت سلطات الاتحاد السوفيتى على إخفاء الخبر، ومن المدهش ما نقلته سفيتلانا فى كتابها من حديث لأحد مربى النحل فى القرى القريبة من المحطة، تقول: “خرج فى الصباح إلى الحديقة، شيء ما ناقص، صوت معروف، ليس من نحلة واحدة، لا يسمع طنين أية نحلة، أبدا ماذا إذا؟ ما الذى حصل؟ وفى التالى لم يطرن. وفى الثالث أيضا. أخبرونا فيما بعد أن حادثا قد حصل فى المحطة الذرية وهى قريبة منا، لم نعرف شيئا لفترة طويلة والنحل قد عرف، أما نحن فلا”.
من القصص المؤلمة التى ترويها الكاتبة هى عملية إبادة الحيوانات فى القرى المجاورة للمحطة والتى تلوثت بالإشعاع، خوفا من هجرتها للمنطقة ونقل سموم الإشعاع إلى مناطق أبعد، تقول الكاتبة: “دخلت القرى بعد النزوح مجموعة من الجنود أو الصيادين وأطلقوا النار على الحيوانات فقتلوها. الكلاب كانت تركض نحو الصوت الإنساني، والقطط والخيول، لم تستطع هذه المخلوقات فهم ما يحدث لها، وهى غير مذنبة فى شيء، لا الوحوش ولا الطيور، لقد ماتت بصمت، هل هناك ما هو أكثر رعبًا؟”
وعن حصيلة الخسائر التى تعرضت لها بيلاروسيا وحدها، نقلت الكاتبة أنه نحو٧٠٪ من النويدات المشعة سقطت فى بيلاروسيا فأصبح نحو ٢٣٪ من مساحتها ملوثا بالنويدات المشعة بكثافة.. ومن المساحة الزراعية الملوثة نحو ١.٨ مليون هكتار، ونحو ٢٦٪ من الغابات وأكثر من نصف الهضاب التى تقع فى مجارى أنهار بريبيات وسوج تدخل ضمن منطقة التلوث الإشعاعي. وكنتيجة لتأثير الدائم للجرعات الصغيرة من الإشعاعات يزداد كل عام عدد المصابين بالأمراض السرطانية والتخلف العقلى والاضطرابات النفسية العصبية والتغيرات الجينية المفاجئة.
شاركت دول العالم فى مساعدة أوكرانيا فى بناء قبة ضخمة لدفن المفاعل النووى بما يحتويه من مواد مشعة سامة وخطرة، هذه القبة والبناء الضخم يعمل على منع أى تسرب إشعاعى من المفاعل، بينما أصبحت المناطق والقرى المحيطة به ملوثة تماما وغير صالحة للحياة.