الصراع المستمر بين إيران والولايات المتحدة.. متى ستحدث المواجهة؟

الصراع المستمر بين إيران والولايات المتحدة.. متى ستحدث المواجهة؟

نعرف جيدًا أن الحرب خدعة.. ونعي أيضًا أن العالم بات بقعة ملتهبة بسبب النزاعات التي اندلعت شمالًَا وجنوبًا شرقًا وغربًا.. فهناك في السودان حرب أهلية.. وفي غزة حرب إبادة على البشر والحجر.. وفي أوكرانيا بادرة لحرب عالمية بين قوتين على النقيض.. وهي كلها مواجهات عسكرية مسلحة مفهومة البوادر والأحداث ومتوقعة النتائج إلى حد ما.. لكن الأمر بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران له شأن آخر، خاصةً وأن الجانبين يظهران العداء الصارخ لبعضهما البعض.. طرف يفرض عقوبات وطرف يتملص من التزاماته، ويهدد كل طرف بالهجوم على الآخر في ميادين الشرق الأوسط، على الرغم من الجلسات الودية التي تجمعهما في روما ومسقط بين وقت وآخر، وعليه بات مصطلح الحرب مجرد كلمة حائرة بين الجانبين تقال بلا ضابط ولا رابط.، وأفقدت الكلمة معناها.

(1)

لقد أظهرت واشنطن خلال الساعات المنصرمة رسائل من شأنها أن يفهم المجتمع العربي والدولي كله أنها بدأت تحضر لعملية عسكرية ضد إيران، فسحبت دبلوماسييها من عدة مناطق في الشرق الأوسط كالعراق والكويت والبحرين، وسحبت عددًا من عسكرييها من القواعد الأمريكية في البحرين، وحلق طيران عسكري أمريكي بكثافة في سماء محافظة الأنبار العراقية، وأعلنت البحرية الأمريكية عن حالة التأهب القصوى في قاعدتها بالبحرين، ثم حذرت دول غربية رعاياها من تطورات أمنية محتملة في الشرق الأوسط، وانتهت بسماح وزير الدفاع الأمريكي بالمغادرة الطوعية لعائلات العسكريين في المنطقة.

(2)
كل ذلك جعل العالم يجهز نفسه لحالة حرب مرتقبة بين الجانبين اللذين حددا يوم الأحد المقبل موعدًا لاستكمال المفاوضات بينهما. ولم يتساءل البعض عن كيفية قيام حرب بين قوتين أصلًا مازالا يجلسان على مائدة المفاوضات، ولا يرغبان في خوض حرب شاملة قد تؤدي إلى أزمات لكلا الجانبين، خاصة وأن واشنطن نفسها تعلم جيدًا أن حربًا مع إيران قد تكلفها أكثر مما تتوقع، نتيجة تشابك علاقات إيران مع دول المنطقة وقدرات إيران العسكرية التي لا يجوز الاستهانة بها، ففي النهاية إيران دولة على مشارف العتبة النووية، ولديها واحد من أقدم الجيوش المنظمة في التاريخ شئنا أم أبينا، علاوة على جيشها العقائدي الذي يتحرك من منطلقات آخرى وبأذرع في مناطق متفرقة.

(3)

في البداية والنهاية لجأت الولايات المتحدة الأمريكية إلى اتخاذ القرارات السالفة الذكر بناء على عدة محددات كان أبرزها أنها كانت تعلم أن مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية سيتخذ إجراءًاً تتحفظ عليه إيران وهو إدانتها الكاملة عن تلقيص التزاماتها بشأن التوقيع على معاهدة حظر الانتشار النووي منذ 20 عامًا، وقد لجأت واشنطن لسحب دبلوماسييها خشية رد فعل قوي من إيران ردًا على قرار مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولا علاقة لتلك الإجراءات بقيام حرب، بل خوفًا من رد فعل إيراني سبق أن حذرت منه إذا ما لجأت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى مثل هكذا إجراء.

(4)

وبالإضافة إلى ذلك هناك بلا شك قنوات دبلوماسية سرية تعمل للتوصل إلى مقاربة بين الطرفين قبيل جلسة الأحد لتجنب تفاقم الصراع، والوصول إلى خيارات يمكن البناء عليها، خاصة أن الرئيس الأمريكي في الأساس لا يرغب في خوض حرب ضد إيران، وقد أعلن موقفه هذا في أكثر من مناسبة، حتى لرئيس الوزراء الإسرائيلي نفسه. ذلك لأن واشنطن تدرك جيدًا أن الحرب مع إيران معناها إغلاق إيران لمضيق هرمز الذي تمر منه ما يعادل 30% من حجم التجارة العالمية وتحديدًا التجارة النفطية، وهو ما من شأنه أن يرفع أسعار النفط والغاز بشكل مبالغ فيه ويتسبب في موجة تضخم كبيرة تعاني منها دول أوروبا بالتحديد. وكل ذلك بالطبع بند واحد فقط من تداعيات الحرب مع إيران.

(5)
وتدرك الولايات المتحدة الأمريكية جيدًا أن إيران دولة لا يمكن عنادها، خاصة وأن كبرياءها القومي يجبرها ألا تخضع أمام الولايات المتحدة أو إسرائيل، علاوة على أن سياسات واشنطن تجاه إيران وخضوع واشنطن لإملاءات إسرائيلية تتعلق بضرورة تفكيك البرنامج النووي الإيراني قد تتسبب في تحويل إيران إلى قوة نووية خلال أقل من شهر، ووقتها لن تستطيع واشنطن أو إسرائيل توجيه ضربة لإيران أو التوصل معها لاتفاق يعيدها إلى النقطة صفر بعد كل هذه الأعوام من التخصيب، ولذلك فإن واشنطن تدرك جيدًا أن الحرب مع إيران قد تفيد إيران أكثر مما تضرها، وعليه يسعى ترامب أن يوقف رعونة نيتنياهو الذي يرغب في توجيه ضربة لإيران بأي شكل، لكنه في النهاية يبقيه خيارًا متاحًا إذا ما أحب أن يلجأ إليه.

(6)
وختامًا من المهم التأكيد على أن استراتيجية الولايات المتحدة لا ترتكز على مبدأ إسقاط إيران كدولة أو إسقاط النظام الحالي على وجه التحديد، فواشنطن مستفيدة من وجوده كونه يمثل فزاعة لدول الشرق الأوسط في مراحل زمنية معينة، ويضمن بقاء القوات الأمريكية في المنطقة وسيطرتها على القرار في بعض الدول، ويضمن استمرار بيع السلاح الأمريكي بمعدلات عالية لدول المنطقة حديثة العهد بالعلاقات مع إيران، ويضمن استخدام إسرائيل لورقة إيران وبرنامجها النووي وسلوكها التوسعي للتشدق بحماية إسرائيل واستمرار حروب دولة الاحتلال في المنطقة ضد الدول المجاورة لإسرائيل والتي أصابها الضعف نتيجة انهيار أنظمتها السياسية وفي القلب منها سوريا ولبنان.