شيماء البرديني تكتب: «وصف مصر» بقلم أحمد رجب

انظر حولك ستجد «كمبورة».. وقبل أن تغمض عينيك عنه يقابلك «عبده مشتاق» في أقصى الزاوية، تتلفت يمنة ويسرة وهم حولك فى كل مكان.. «الكحيت والأليت وعلى الكوماندا وعزيز بيه ومطرب الأخبار وفلاح كفر الهنادوة»، وأكثر من ألف وجه رسم ملامحها الساخر الراحل الكبير أحمد رجب، قبل أن تتلقفها ريشة مصطفى حسين، وتحيل الملامح إلى هيئة مكتملة، تعيش حولنا الآن وتصنع الدهشة على وجوهنا، حول عبقرية الرجل الذى سبق زمانه.
صحيح أن المفكر الكبير جمال حمدان له فضل وصف شخصية مصر، بسماتها وظروفها فى سياق واقعى جاد، قبل أن يلحق به وصف الشخصية المصرية بأعمدتها السبعة على يد المفكر الكبير د. ميلاد حنا، وتفسيرات تغير المصريين التى قدمها المفكر الكبير د. جلال أمين، لكن سيظل للعبقرى الساخر أحمد رجب فضل تقديم 1000 وجه للشخصية المصرية تعيش بيننا إلى الآن، دون أن يطرأ على ما قدمه «رجب» وجسَّدته ريشة «حسين» أى تغيير.
أكان عبقرياً حقاً أم سابقاً لزمانه؟، هل رصد واقعه بسخرية، أم أنه استشرف ما نحن فيه فمهد إليه باحترافية؟.. كل الإجابات تفضى إلى ناتج واحد، أننا نعيش الآن مع شخصيات كانت أبطالاً لرسوم كاريكاتيرية ساخرة، حملت كل أزمات ومشكلات المجتمع وقتها وقررت مواجهتها بروح ساخرة، تصادف القبول والصلف على السواء، فتواجه حيناً وتستتر خلف ابتسامة أحياناً أكثر.. هذه الشخصيات تظهر حولنا، فنترحم على الساخرَين اللذين عالجا المجتمع بكشف علاته، قبل أن تعود العلل مرة أخرى حين حاربنا السخرية وحاصرناها.
شاركت منذ أيام فى «صالون الوطن» الذى يشرف عليه الزميل العزيز حسام حربى، وكان معنوناً للاحتفال بعام جديد من عمر الجريدة، التى سطرت تاريخها يوماً بيوم مع الجمهورية الجديدة ومهدت لها بمقاومة الأخونة ودولة الخلافة، تداولنا والضيوف الكرام الحديث، تذكر الجميع ما كان عليه الوطن الكبير، وما واجهه «الوطن» الصغير فى حروب الوعى، قبل أن يلقى الكاتب الكبير د. ثروت الخرباوى بقاذفته علينا، قال إنه حارب بقلمه ومن معه تفشى التطرف الدينى والسياسى، وترك للصحافة مهمة الوعى، لكنه أغفل عامداً أن التطرف أنواع، وأننا انشغلنا معهم عبر فنون صحفية بمواجهة آل التطرف والإرهاب، وترك كلانا المواطن يمارس تطرفه باقتدار، لا صحافة تنمى وعيه ولا كُتاب يستهدفونه ولا أحزاب تبنى لديه الحس السياسى وتنميه، فصار الرأى تطرفاً والاختيار تطرفاً، وصرنا فى مواجهة مع صنف من المصريين، نحن ندعوهم إلى التفكير وهم يدعوننا إلى التكفير.
هنا تدخل السياسى البارز عصام خليل، تلقف الكرة التى ألقاها «الخرباوى»، مقرراً الحياد والموضوعية، ملقياً بالاتهام والمسئولية على أساتذة الاجتماع، الغائبين عن بحث أسباب تغير المصريين، أو عودة تلك الوجوه التى صدرها الساخر أحمد رجب ليبرز علاتهم، عادت الوجوه لكن ليست بصورة ساخرة، بل بصورة مخيفة ومرعبة، لقد أضحى فساد «كمبورة» واضحاً للعيان، وصار «الكحيت» حال ملايين، تراهم فى بيوتهم على حال وترى صورهم عبر منصات السوشيال ميديا على حال آخر، يستدين من أجل أكلة، ويقترض من أجل فسحة، دائم النقمة والاعتراض، باحث عن حياة لم يخلق لها، فى مقابله يجلس «الأليت» منفصلاً عن واقعنا، يعيش فى مدينة بط مغطاة بالذهب، يخطط لقضاء عطلة الصيف فى قارة، والاستمتاع بزخات المطر فى قارة أخرى، فيما لا زال فلاح كفر الهنادوة يجلس إلى جوار البيه المسئول، يذكره بأحواله وأقرانه الفلاحين واحتياجاتهم.. وهكذا بقية وجوه وشخصيات «رجب».
سبق الصالون الاحتفالى لـ«الوطن» انتخابات التجديد النصفى لنقابة الصحفيين بأيام، لم يرصد ضيوفه حالة التراشق والاستقطاب الذى سارت إليه الجماعة الصحفية المنوط بها توجيه الرأى العام وتهذيب الاختلاف فى الرأى، لكنه تطور طبيعى بدا وكأنه كأس ومكتوب علينا، أن ينالنا ما نال المجتمع، نحن جزء منه بل نحن صوته وعيناه وكل حواس التعبير لديه، فإذا مرض الجسد نالت الحواس نصيبها من أعراض المرض.. آه لو عرفوا الكواليس، ستتسع اتهامات عصام خليل، لن يحصرها فى أساتذة الاجتماع، سيوزعها بالتساوى بين علماء نفس يعالجون وعلماء اجتماع يحللون، ربما نخرج من الدائرة المفرغة، ويعود الكل إلى صوابه، بدلاً من حالة انتحال الصفة التى أصبحنا أسرى لها، الكل يتخيل نفسه «المستشار»، ويطلق لسانه على من حوله، رغم أن القانون له نصل يقطع هذا اللسان ومن على دربه، فما الذى يعطل النصل عن القطع؟