داعش: تنبؤات أمريكية وهياكل غامضة وتوجه نحو الاستراتيجية

داعش: تنبؤات أمريكية وهياكل غامضة وتوجه نحو الاستراتيجية

في نبوءة جديدة، قال الجنرال مايكل كوريلا، قائد القيادة الأميركية المركزية، إن “داعش ما زال يحتفظ بالقدرة على إعادة تشكيل قوته القتالية، ويحاول استغلال الفوضى في سوريا، ويمكنه السيطرة على البلاد خلال عامين إذا ما تم خفض الضغط عليه”.
يُمكن تفكيك هذه النبوءة إلى ثلاثة عناصر: الأوّل يتعلق بالماضي، إذ إن “داعش” لا يزال يحتفظ ببنية قتالية قابلة لإعادة التشكيل. الثاني يخص الحاضر، إذ إن التنظيم الذي كان في مثل هذه الأيام من عام 2014 يجتاح المحافظات السورية والعراقية تمهيداً لإعلان خلافته، يستغل حالياً حالة الفوضى والفلتان الأمني في سوريا لتحقيق أهدافه. أما الثالث، فيخص المستقبل، ويحمل نبرة تحذير، مفادها أن التنظيم يمكنه السيطرة على سوريا خلال عامين، إذا تم تخفيف الضغط عليه وليس بالضرورة رفعه.
وعلى الرغم من مواصلة الولايات المتحدة الضغط على “داعش” عبر اغتيال كبار قادته، إلا أنه من اللافت عدم استهدافها حتى الآن لأبو حفص الهاشمي، زعيم التنظيم المعيّن منذ آب/ أغسطس 2023، وذلك بعدما نجحت في تصفية ثلاثة من الزعماء الذين سبقوه: أبو إبراهيم القرشي، وأبو الحسن الهاشمي، وأبو الحسين الحسيني، في الفترة الممتدة بين شباط/فبراير 2022 وآب/أغسطس 2023، أي خلال ما يقارب عاماً ونصف عام فقط.
ولا تفسير واضحاً لهذا التوقف الأميركي عن استهداف زعيم “داعش” الجديد، وهل الأمر يعود إلى انخفاض خطر التنظيم، أم إلى الإجراءات الأمنية التي اتبعها الأخير ونجح عبرها في تحصين نفسه.

 

 

وذكر مصدر جهادي، لـ”النهار”، أن “أبو حفص الهاشمي مجهول الهوية حتى الآن, كان موجوداً في محافظة درعا، وتحديداً في ريف مدينة جاسم، خلال فترة سقوط نظام الأسد”.
وفي تلك المنطقة قُتل في خريف 2022 الزعيم الأسبق للتنظيم، أبو الحسن الهاشمي، المعروف أيضاً بلقب “سيف بغداد”.
لكن بعد سقوط النظام وما أعقبه من فراغ أمني استمر لأسابيع، لم يعد بالإمكان التكهّن بأماكن وجود قادة وعناصر “داعش”، الذين استغلوا الفرصة ونفذوا أوسع عملية إعادة انتشار لهم منذ سنوات، بعدما كانوا متقوقعين في رمال البادية وسط البلاد.
وفيما تقدّر واشنطن عدد عناصر التنظيم بنحو ألفي عنصر في سوريا والعراق، ترفع تقديرات الأمم المتحدة العدد إلى ما بين 4000 و6000 عنصر.
وقد يُعزى هذا الفارق إلى الشريحة المشمولة في كل تقدير؛ إذ من المحتمل أن تكون التقديرات الأميركية محصورة بعناصر “داعش” في البادية فقط، من دون احتساب من فرّوا إلى محافظات أخرى.
وأشارت تقديرات سابقة لخبراء في الحركات الجهادية إلى أن نحو 800 من مقاتلي “داعش” فرّوا إلى محافظة إدلب بعد هزيمتهم في الباغوز عام 2019، وهو رقم كبير نسبياً بالنظر إلى طبيعة المدينة ومن شأنه أن يشكّل بيئة حاضنة، ما يفسّر اتخاذ اثنين من زعماء “داعش” السابقين إدلب مقراً لهما حتى مقتلهما هناك، وهما أبو بكر البغدادي في باريشا، وأبو إبراهيم القرشي في أطمة.
ولا يزال مصير عدد من قادة وعناصر “داعش”، خصوصاً من حملة الجنسيات الأجنبية الذين كانوا معتقلين في سجون النظام السابق، مجهولاً، وسط ترجيحات بأنهم خرجوا من السجون وانتشروا في مناطق مختلفة.
وقد تكون أخطر ضربة تعرّض لها التنظيم بعد سقوط النظام السوري، هي خسارته للقيادي عبد الله مكي مصلح الرفيعي، المعروف بلقب “أبو خديجة”، الذي كان يشغل مناصب رفيعة عدة، منها نائب الخليفة، ورئيس اللجنة المفوضة، ووالي التنظيم في سوريا والعراق، أو ما يُعرف بـ”أمير مكتب الرافدين”، وذلك إثر غارة أميركية استهدفته في بادية الأنبار بتاريخ 13 آذار/مارس الماضي.
وكان يُعتقد أن المكي هو نفسه أبو حفص الهاشمي، الزعيم الحالي للتنظيم.
وحتى لحظة اغتيال المكي، كانت بنية التنظيم لا تزال قائمة على أساس المكاتب الإقليمية، مثل مكتب الفرقان، ومكتب الكرار، ومكتب الرافدين. ويشمل الأولان دولاً أفريقية، فيما يشمل الأخير سوريا والعراق ومحيطهما.
وكانت المعلومات المتوافرة تشير إلى أن المكي الرفيعي عيّن نائباً له في سوريا هو أبو حذيفة الأنصاري، بينما كان يقود التنظيم في دير الزور شخص يُدعى حجي غانم قحطان العراقي.
وفي شباط/فبراير الماضي، أعلنت السلطات الأمنية السورية اعتقال أبو الحارث العراقي، واصفةً إياه بأنه كان يشغل مناصب مهمة في “ولاية العراق”، ونسبت إليه اغتيال أبو ماريا القحطاني، الرجل الثاني سابقاً في “هيئة تحرير الشام”، إضافة إلى التخطيط لتفجير مقام السيدة زينب في ريف دمشق.
وكان لافتاً أن وزارة الداخلية السورية أشارت إلى ارتباط أبو الحارث بـ”ولاية العراق” فقط، دون أي إشارة إلى “ولاية الشام”، بالرغم من أن جميع العمليات المنسوبة إليه وقعت داخل الأراضي السورية. ويُعتقد أن أبو الحارث كان يقود “داعش” في حلب وإدلب قبل انتقاله إلى دمشق بعد سقوط النظام.
ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت قيادة “داعش” قد أدخلت تعديلات بنيوية على التنظيم لمواكبة التحولات التي فرضها سقوط النظام. ولكن المؤكد أن التنظيم استغل الأشهر الثلاثة الأولى من منتصف كانون الأول/ديسمبر إلى منتصف أيار/مايو لإجراء تغييرات واسعة في خريطة انتشاره، شملت معظم الجغرافيا السورية، مع تركيز خاص على محافظتي دير الزور ودمشق.
وبدأت أوساط جهادية تتداول معلومات مقلقة عن إعادة تفعيل طرق “النفير” إلى سوريا من دول الجوار، خصوصاً تركيا ولبنان والعراق، مشيرة إلى غياب العقبات أو المخاطر الجدية أمام ذلك. وأفادت مصادر خاصة “النهار” بأن بعض الذين دخلوا سوريا مؤخراً هم خبراء في تصنيع الطائرات المسيرة وقيادتها، في إشارة إلى أن التنظيم يركّز على هذا السلاح في هذه المرحلة.
وفي المحصلة، قد لا يكون الجزء المعلوم من بنية التنظيم سوى رأس جبل الجليد، في ظل سياسة الغموض المتعمّد التي يتّبعها “داعش” منذ مقتل خليفته الثالث. لكن نبوءة كوريلا ربما منحت تلميحاً مهماً بشأن الجزء المستتر من ذلك الجبل، خصوصاً مع تصريح وزير الداخلية السوري أنس خطاب بأن التنظيم “انتقل من العمل العبثي إلى العمل المدروس الاستراتيجي”.