لماذا لا يقرر اللاجئون السوريون في الأردن العودة إلى ‘سوريا الجديدة’؟

لماذا لا يقرر اللاجئون السوريون في الأردن العودة إلى ‘سوريا الجديدة’؟

 

جمال الشلبي
أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الهاشمية

 

يبدو أن سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، وصعود سلطة جديدة بقيادة أحمد الشرع في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024 لا يعني فقط انتهاء “قبضة حكم” لنخبة سياسية على أخرى، بل يعني أيضاً أن “طبقة اجتماعية”ستحل محل أخرى، أو إعادة “روح الحياة” لطبقة أو لشريحة مثل” اللاجئين” السوريين كانت مستبعدة من المشهد السياسي الوطني بسبب تبعثرها في الخارج نتيجة الحرب والصراع المميت بين أطراف النزاع في سوريا وعليها.
وهكذا، برز تغير النظام السوري القديم وكأنه “فرصة ذهبية” بالنسبة للكثير من  السوريين، ولا سيما للاجئين منهم: فهل يستطيع النظام الجديد بما يملك من مشروع  بناء”سوريا الجديدة” إقناع اللاجئين السوريين في العالم بعامة وفي الأردن خصوصاً، بالعودة إلى وطنهم والمشاركة في بنائه كما يُقرأ من الخطابات السياسية والإعلامية لقادته الجدد؟  

 

فعندما خرج السوريون بحثاً عن الأمن والأمان بعيداً عن صراع السلطة والمعارضة، حملوا معهم، مثل اللاجئين الفلسطينيين في عام 1948 (عام النكبة)، مفاتيح بيوتهم، وأرواحهم وأجسادهم على أكتافهم في لحظة اتخاذهم  “قرار الرحيل” من وطنهم إلى دول الجوار، ومنها الأردن. فقد كان يحدوهم الأمل بالعودة سريعاً بعد انقشاع “رائحة الحرب” التي نشبت بعد ثورات “الربيع العربي” عام 2011، التي كان من بين أبعادها ولادة “موجات لجوء” واسعة النطاق وسمت الشرق الأوسط وجواره الأوروبي.
 ومنذ ذاك التاريخ، و”دائرة بيكار” الهجرة السورية للخارج تتسع وتتعمق حيث بلغ عدد اللاجئين السوريين11 مليون نسمة منهم 6.9 مليون نسمة داخل الوطن، و5.5 مليون خارجه توزعوا على دول الجوار: تركيا ولبنان والعراق والأردن. فبلغ عدد اللاجئين السوريين في الأردن ما يقارب الـ 688 ألف نسمة حسب إحصاءات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الأردن عام 2024، في حين تُقدر الأرقام الرسمية عدد اللاجئين السوريين في الأردن بـ ـ1.4 مليون لاجئ، إذ يمكن تفسير هذا التباين بكون بعضهم كان قبل الحرب، وبعضهم الآخر غير مسجل في كشوفات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.

 

وعلى الرغم من مرور ما يقارب 7 أشهر على تشكيل “سلطة سياسية” برئاسة السيد أحمد الشرع الذي بدأ ينفتح على العالم العربي، ويمد خيوطاً سياسية مع الغرب ولا سيما الأميركي منه، ما أسفر عن إلغاء العقوبات الموقعة على سوريا كافة بلقاء الشرع بالرئيس الأميركي دونالد ترامب في الرياض برعاية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، إلا أن نسبة السوريين العائدين إلى بلادهم حسب تقديرات الأمم المتحدة بلغ نصف مليون شخص في منتصف شهر أيار/مايو 2025، منهم 65.68 ألف شخص من الأردن؛ وهي نسبة ضئيلة، فما هو السبب يا ترى؟

هنا، يجب أن نقول بأن سقوط نظام الأسد ليس هو العامل الحاسم في دفع اللاجئين السوريين للعودة، إذ أن هناك أربع أسباب تمثل الإجابة على السؤال المطروح:
السبب الأول: طبيعة النظام السياسي الآتي من خلفية دينية متطرفة تجعل اللاجئين السوريين يرون فيه “نظاماً مؤقتاً”، كونه لا يزال يبحث عن “نقطة ارتكاز” تؤهله للاستقرار الدائم؛ وهذا قد يحتاج إلى وقت طويل.
السبب الثاني: لا يزال عدد كبير من اللاجئين السوريين متوجسين من “الحالة الأمنية” غير المستقرة، ولا سيما في المناطق التي ينتمون لها مثل محافظة درعا المحاذية للحدود الأردنية، إذ يصل عدد اللاجئين من هذه المنطقة ما يقارب 239,134 ألف لاجئ. وهي منطقة عرفت حالة من الفلتان الأمني بعد الاتفاق بين النظام السابق وحركات المعارضة برعاية روسية في الفترة ما بين 2018-2020. 

 

وحتى مع وصول “النظام الجديد” لا يزال عدد من الجماعات المسلحة يرفض العروض التي تقدمها وزارة الدفاع للاندماج في الجيش الوطني، وخاصة اللواء 8 صاحب الخبرة العسكرية الكبيرة في الجيش النظامي الرسمي، فضلاً عن تشكيل المجلس العسكري في السويداء، المنطقة القريبة من درعا، الأمر الذي يدفع كثيراً من اللاجئين إلى التريث في الإقدام على “العودة الطوعية” التي تريدها الدولة الأردنية وتسعى إليها.
السبب الثالث: مرتبط بـ”الوضع الاقتصادي” في بلد قاسى الكثير من النظام والفصائل المعارضة عبر 14 عاماً من الحرب الضروس ما جعله بلداً محطماً يئن تحت وطأة تدمير البنى التحتية من منازل، وشوارع، ومستشفيات ومدارس، مع غياب الكوادر البشرية، وشح الموارد، ونقص في الميزانيات. بالمقابل، ارتبطت مسيرة كثير من اللاجئين في الأردن باقتصاده، فقد اندمجوا في الدورة الاقتصادية الأردنية، وخصوصاً بعدما  قامت الحكومة الأردنية بإصدار أكثر من 430 ألف تصريح عمل للاجئين السوريين عام 2016، مما أسهم في إدماجهم في سوق العمل، وبالأخص في قطاعات الزراعة، والإنشاءات، والخدمات والتصنيع الغذائي.

 

والأمر الملفت للانتباه هو أنه رغم أن الأردن، كبقية دول الشرق الأوسط، يشهد ارتفاعاً في “معدلات البطالة” التي بلغت 21.5%، فإن نسبة البطالة بين اللاجئين السوريين المسجلين تصل إلى 27% مقارنة بـ 43.8% بين اللاجئين من جنسيات أخرى.
والسبب الرابع: “الحالة النفسية” لعدد من اللاجئين السوريين الذين ولدوا في بلاد اللجوء، إذ بلغ عدد المواليد السوريين في الأردن أكثر من 214 ألف شخص، وهؤلاء لا يعرفون كثيراً عن بلدهم سوى حكايات وقصص وذكريات آبائهم هناك. فكيف يمكن إقناع هذا “الجيل الجديد” بالعودة؟ 

وربما لهذا السبب يؤكد وزير الداخلية الأردني مازن الفراية – وفي أكثر من مناسبة خلال زياراته لمخيمات اللجوء السوري الثلاثة التي يعيش فيها 20% من اللاجئين والباقي في المدن الأردنية مثل: عمان، وإربد، والمفرق، والزرقاء- بأن الأردن “لم يكن يوماً مكاناً لتوطين اللاجئين السوريين ولن يكون”، مشدداً في الوقت نفسه على “أهمية الحفاظ على وعي اللاجئين بأن سوريا وطنهم الأم”.

 

إذاً، تقودنا كل هذه الأسباب، منفردة أو مجتمعة، إلى أن فكرة العودة إلى “سوريا الجديدة” من جانب اللاجئين السوريين تحتاج الى تفكير عميق، وقرار دقيق. وقد جاءت استطلاعات للرأي لعام 2025 لتؤكد هذه الحقيقة، إذ أن 72% من السوريين في الأردن لا يرغبون في العودة إلى وطنهم؛ وهذا يعني أن قرار اللاجئ السوري يحكمه المثل القائل “عصفور باليد ولا عشرة على الشجرة”، الأمر الذي يجعل من مهمة الدولة الأردنية صعبة، وصعبة جداً!