كأس العالم للأندية… بدون مشجعين؟

كأس العالم للأندية… بدون مشجعين؟

محمد منيمنة 

بينما يفترض أن تكون المدرجات في ميامي الأميركية تحتفل بانطلاق نسخة تاريخية من كأس العالم للأندية، تتصدر عناوين كبريات الصحف العالمية عوضاً عن الأهداف: تأشيرات معلقة، مدرجات فارغة، وخصومات كبيرة على التذاكر. المباراة الافتتاحية بين الأهلي المصري وإنتر ميامي الأميركي بقيادة الأرجنيتين ليونيل ميسي لم تفتتح البطولة فحسب، بل كشفت الستار عن خلل أعمق في المنظومة التي أرادت الولايات المتحدة تصديرها للعالم.

وبحسب صحيفة “نيويورك تايمز”، نقلاً عن مصادر مطلعة، لا تزال عشرات آلاف المقاعد غير مبيعة للمباراة الافتتاحية بين الفريقين، المقررة فجر الأحد على ملعب “هارد روك” في ميامي، والذي يتسع لـ65 ألفا و326 متفرجاً.

البطولة، التي حلم بها الاتحاد الدولي كنقطة تحول اقتصادية وجماهيرية، اصطدمت بجدار من السياسات التي باتت تقف عند كل منفذ حدودي، وتعترض طريق كل مشجع دولي.كان ينتظر من هذه النسخة أن تكون “عرضاً عالمياً” يليق بتوسعة البطولة إلى 32 فريقاً، وأن تكون مدخلاً اقتصادياً لمونديال المنتخبات 2026، لا بروفة “قد تكون فاشلة”. لكنها بدت أقرب إلى مرآة تعكس التناقض الأميركي: تروج للانفتاح وتشهر سيف الهجرة.

أرقام الحضور في مباراة الافتتاح تبدو محرجة،  لدجة دفع “فيفا” إلى طرح عروض شبه مجانية، تذكرة بـ20 دولاراً للطلاب مرفقة بـ 4 تذاكر مجانية. ولمن اعتاد رؤية مقاعد الدرجة الثانية في نهائيات كأس العالم تباع بآلاف الدولارات، يبدو هذا العرض أقرب إلى مزاد يائس منه إلى مهرجان كروي.

لكن القصة لا تقف عند الأرقام. فبحسب المكتب الوطني للسياحة والسفر، انخفض عدد الزوار الدوليين إلى الولايات المتحدة بنسبة 9.7 في المئة في آذار/مارس الماضي مقارنة بالعام السابق. وتقدر شركة “Tourism Economics”  أن هذا الانخفاض سيستمر ليبلغ 9.4 في المئة على مدار العام. 

وفي قلب الصورة تقف إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وقد عادت إلى البيت الأبيض بترسانة من سياسات الهجرة القديمة والجديدة. الرئيس أعاد تفعيل حظر السفر من 12 دولة بينها إيران، ولم يستثن من القرار سوى الرياضيين وفرقهم. أما الجماهير؟ فخارج الحسابات.

النتيجة؟ ارتفاع في منسوب القلق بين جماهير كرة القدم بات ظاهراً في استطلاعات الرأي. أظهر تقرير صادر عن مركز “بيو” للأبحاث أن 58 في المئة من المهاجرين غير الحاصلين على إقامة قانونية في الولايات المتحدة يتجنبون المشاركة في الأنشطة العامة، ومنها الأحداث الرياضية، خوفاً من الاحتجاز أو الترحيل. وفي ولايات مثل تكساس وفلوريدا، وثقت منظمات المجتمع المدني انخفاضاً بنسبة 35 في المئة في الحضور الجماهيري للمباريات الدولية خلال عام 2024 مقارنة بسنوات سابقة، وسط تزايد نشاط سلطات الهجرة قرب الملاعب ومراكز الفعاليات.

حتى “فيفا” يعاني
الأمر لا يقتصر على الجماهير. حتى المنظمين يعانون. “فيفا” الذي يعتمد على خبرات دولية لتنظيم بطولات كبرى، اصطدم بجدران البيروقراطية الأميركية. تأشيرات معلقة، أسئلة رسمية عن سبب عدم توظيف أميركيين، وتأخيرات تفقد البطولة رونقها وزخمها.

وفي حين توقعت المدن الأميركية أن تضخ البطولات الرياضية الكبرى، مثل كأس العالم 2026 وأولمبياد 2028، أكثر من 600 مليون دولار في اقتصاداتها، بدأت مؤشرات التشكيك تظهر. آدم بيرك، رئيس مجلس لوس أنجليس للسياحة، قالها صراحة: “صورة أميركا باتت سلبية في أعين السياح الدوليين”.

وفي سياتل، ميامي، وناشفيل، المدن التي يفترض أن تحتفل، تبدو البطولة حدثاً هامشياً. محطة القطار لا تحمل سوى لافتة باهتة، والتذاكر تباع بأقل من 30 دولاراً. حتى المباراة بين باريس سان جيرمان، بطل أوروبا، وبوتافوغو البرازيلي لم تنج من هذا الفتور الجماهيري.

وفي ظل كل ذلك، يصر جياني إنفانتينو على أن “العالم مرحب به”. لكن العبارة تبدو كحبر لا يبلل الورق، ما دام أن بعض اللاعبين يحتاج إلى تأشيرة معقدة، والمشجع مهدد بالترحيل.

بالتوازي، عاد ترامب إلى الواجهة، ليس كخبر سياسي فحسب، بل كظل يخيم على البطولة نفسها، وهو الحليف القديم لإنفانتينو. اقترابه من المشهد السياسي في لحظة دقيقة كهذه، ومع تفاقم الجدل حول سياسات الهجرة والقيود الجمركية، جعل من كرة القدم نفسها موضوعاً جانبياً في مهرجان كان يفترض أن يكون عالمياً.

وكأن كل ما سبق لم يكن كافياً، إذ جاءت أعمال الشغب الأخيرة في لوس أنجليس لتصب الزيت على نار بطولة مرتبكة أصلاً. أحد الملاعب الذي من المفترض أن يستضيف مواجهة أتلتيكو مدريد وباريس سان جيرمان تعرض لأضرار، وبدل أن تكون المدينة مركزاً للاحتفاء، تحولت إلى مشهد فوضى. 

ليست المشكلة أن الولايات المتحدة لا تملك البنية التحتية، بل أنها تتصرف كمن شيد المدرج ثم طوق أبوابه بالحواجز. البطولة اليوم لا تعاني من ضعف المنافسة، بل من غياب الثقة، لا من ندرة الجماهير، بل من مناخ سياسي يجعل من الحضور مخاطرة.