قافلة الصمود تواجه ‘الخط الأحمر’ في مصر: الأولوية للأمن والسيادة

رغم التطورات الأخيرة التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط، لا تزال قافلة “الصمود” – التي أعلنت أن هدفها كسر حصار قطاع غزة – تحظى باهتمام واسع في مصر. ويعود هذا الاهتمام بالدرجة الأولى إلى التعاطف الجارف لدى المصريين مع سكان غزة، وتحمّس كثيرين لأي مبادرة أو أمل يلوح في الأفق لكسر الحصار المفروض من قبل الحكومة اليمينية المتشددة في إسرائيل، وذلك منذ انهيار اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة “حماس” في آذار/مارس الماضي.
وقد أعلنت السلطات المصرية ضمنياً أنها لن تسمح للقافلة بدخول أراضيها. ومنذ يومين، تخيّم القافلة، التي تحركت بعشرات الحافلات ومئات السيارات عبر الجزائر وتونس وغرب ليبيا وضمت مئات المشاركين من البلدان الثلاثة، قرب مدخل مدينة سرت الليبية، على بُعد ما يقارب ألف كيلومتر من الحدود المصرية، بانتظار قرار سلطات الشرق الليبي بشأن السماح لها بالمرور من عدمه.
ويتوقّع محللون تحدثوا إلى “النهار” أن ترفض السلطات الليبية السماح للقافلة بالتحرك صوب الحدود المصرية.
وتعتبر القاهرة حدودها وأمنها القومي “خطاً أحمر”، ومن الواضح أنها ترى في هذه القافلة، التي تضم مشاركين لم يحصلوا على موافقات مسبقة لدخول مصر ، “تهديداً لأمنها القومي”.
بيان أصدره منظمو “قافلة الصمود” صباح السبت – (فايسبوك)
تهديد ومزايدات
يقول وكيل الاستخبارات المصرية السابق اللواء محمد رشاد، لـ”النهار”، إن “المعلومات المتوفرة لدينا تؤكد أن هذه القافلة مدفوعة من جماعة الإخوان، وتهدف إلى تهديد الأمن القومي المصري، وإفقاده اتزانه”.
ويُبدي المحلل السياسي الدكتور عمرو حسين استغرابه من “المزايدات التي يرددها بعض المشاركين في القافلة”. ويقول لـ”النهار”: “أكثر من 80% من المساعدات التي دخلت إلى غزة قدمتها مصر وشعبها. لقد بذلت القاهرة جهوداً مضنية للوساطة من أجل وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات منذ اندلاع الحرب على غزة، كما وقفت ضد تهجير الفلسطينيين من أرضهم دون أن تخشى على مصالحها. ثم يأتي من يزايد عليها ويدّعي أنه جاء لكسر الحصار!”.
إحدى قوافل المساعدات المتجهة من مصر إلى غزة
مساعدات مستمرة
ويقول مصدر رسمي مصري، لـ”النهار”، إن “القاهرة أدخلت، منذ بدء الحرب في قطاع غزة في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 وحتى انهيار الهدنة في آذار/مارس الماضي، قرابة 36 ألف شاحنة مساعدات، كما عالجت آلاف الجرحى من سكان القطاع مجاناً في مستشفياتها”.
وبسبب تكرار تدمير إسرائيل للجانب الفلسطيني من معبر رفح وسيطرتها عليه، مما أدى إلى تعطيل دخول المساعدات لأيام، وفّر تجار ورجال أعمال مصريون، بالتعاون مع مستشفيات حكومية في العريش ورفح، ثلاجات لحفظ الفاكهة والأدوية لاستخدامها كمخازن موقتة إلى حين التوصل لاتفاق يسمح بدخولها، وذلك لضمان سلامة المتطوعين والسائقين وحفاظاً على المساعدات من التلف.
ارتياح وتوافق
وعبّر كثير من المصريين عن مواقف متوافقة مع الموقف الرسمي الرافض ضمنياً لدخول هذه المسيرة، التي يُنظر إليها على أنها “تهديد للأمن القومي المصري”. وسادت حالة من الارتياح، انعكست في تفاعل عشرات الآلاف من مستخدمي مواقع التواصل مع بيان رسمي أصدرته وزارة الخارجية المصرية مساء الأربعاء، وجرى تداوله على نطاق واسع.
وكتب الكاتب الصحافي المصري المعروف بمعارضته للنظام أنور الهواري، على “فايسبوك”: “لا يوجد بلد ذو سيادة يطمئن إلى تظاهرات بهذه الضخامة، تتوجه إلى حدود بهذا الاشتعال، في توقيت بهذه الخطورة، باحتمالات مفتوحة على المجهول، مع خالص الاحترام لنُبل المقصد وشرف الغاية”.
وتقول الصحافية المصرية نهى محمود لـ”النهار”: “من الناحية العاطفية، نأمل أن يحدث ضغط من أجل كسر الحصار المفروض على سكان غزة، لكن حين يُهدَّد الأمن والسلامة، فلا بد من الالتزام بالحصول على الموافقات والتصاريح اللازمة”.
منع و”تناقض”
في المقابل، أشار بعض الحقوقيين وصفحات مؤيدة لدخول القافلة إلى أن السلطات المصرية احتجزت زائرين من الجزائر والمغرب وجنسيات أخرى يحملون تأشيرات دخول نظامية، وقامت بترحيل العشرات منهم من مطار القاهرة ومدينة الإسماعيلية، بعد علمها بأنهم ينوون الانضمام إلى القافلة.
ويعلّق اللواء رشاد على الأمر قائلاً: “السبب هو التلاعب، لأن تأشيرة الدخول السياحية لا تعني السماح بالمشاركة في تظاهرة، خصوصاً في منطقة بالغة الحساسية مثل معبر رفح”.