تجاوزات نتنياهو لن تتوقف عند إيران

لا يمكن اختزال إسرائيل في شخص بنيامين نتنياهو، وكذلك إيران في علي خامنئي، فكل منهما يسعى لاجتثاث الآخر، لكن هذا لن ينهي مآسي منطقتنا بسقوط إيران، بل بتحقيق التوازن أولاً، وهو ما ترجمه الشاه الإيراني محمد رضا الذي ساند الرئيس المصري أنور السادات في حربه مع إسرائيل عام 1973 رغم العلاقة القوية التي كانت تجمع طهران بتل أبيب آنذاك!
كان الأمر حينئذ يتعلق بالتصدي لتوسع إسرائيل، وهو نفسه ما تواجهه المنطقة الآن، فليس معنى تقليم مخالب إيران أن تملأ إسرائيل هي فراغها، لأن هذا إخلال بتوازن المنطقة وسيقضي بلا شك على أمنها وليس استقرارها كما يتوهم البعض!
نتنياهو وما بعده
إن إسرائيل، منذ قصفها المفاعلات النووية في سوريا وليبيا والعراق، وهي تؤكد حقيقة أنها لن تسمح بأي مشاريع نووية أخرى في المنطقة إلا إذا كانت تحت إشرافها هي نفسها وليست حتى تحت إشراف الذرية الدولية! وهذه الرؤية المتغطرسة لن تنتهي برحيل نتنياهو وانتظار ما بعده، فهي أزمة وجودية في تكوين إسرائيل التي تبرهن طوال الوقت أنها شريك وحليف غير مأمون.
وهذا ما يفسر لماذا لا تزال العقيدة العسكرية المصرية ترسم أهداف العدو على خرائطها باللون الأزرق! فالسلام مع إسرائيل لا يعني نسيان مرارة الهزيمة والخدعة وكذلك فرحة الانتصار على الدولة العبرية!
خطاب المُخَلِّص
يتجدد خطر إسرائيل الآن، فبالنظر إلى الخطاب الذي قدمه نتنياهو للشعب الإيراني، نرى أنه يعيدنا إلى ذاكرة الحرب العالمية حيث كان القادة العسكريون أمثال هتلر أو موسوليني يقدمون أنفسهم بوصفهم مُخلصين لشعوب العالم من أسْرِّ الأنظمة والسياسات التي تمثل سلطة فوقية على مصيرهم! ومثل هذا الخطاب لن يقتصر على الإيرانيين، بل سيستمر مع كل نظام يرفض الانصياع للرؤية والهيمنة الإسرائيليتين في المنطقة!
فقد خاطب نتنياهو الشعب الإيراني في استعادة للحظة توراتية بأن “إيران وإسرائيل كانتا أمتين صديقتين منذ أيام قورش الكبير!”، في وقت خاطب الرئيس ترامب النظام الإيراني بضرورة التوصل إلى اتفاق “قبل أن يذهب كل شيء، وإنقاذ ما عُرف سابقاً بالإمبراطورية الفارسية”.
وكأن ترامب يهدد بإسقاط النظام وتقسيم إيران، أما نتنياهو فهو يعرف أنه لن يستطيع استعادة إيران-الشاه، لكنه يعرف أيضاً أن إسرائيل ستفرض وصايتها على أيٍ كان بعد النظام الحالي في إيران. وهو ما أزعج قوى إقليمية مثل تركيا التي بدأت تشعر أن انهيار الأقطاب يعني وضعها في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، وهو ما ترجمه خطاب زعيم الحركة القومية وحليف أردوغان في السلطة، دولت بهجلي، الذي عبر عن قلقه من السلوك الإسرائيلي قائلاً: “إسرائيل تسعى في النهاية لاستهداف تركيا”.
وخطاب نتنياهو الذي يغازل أحلام الأقليات والمعارضين والناقمين على السلطة ليس مجرد خطاب تقليدي قائم على عزل القيادة عن القاعدة الشعبية، بل خطوة في طريق شرق أوسط جديد أبعد من مجرد تحالفات سياسية جديدة!
إن ما يحدث لن ينسحب خطره على المنطقة فحسب، بل هناك نظرة تتشكل داخل الولايات المتحدة بأن إسرائيل تتلاعب بالإدارة الأميركية، وهذا الانصياع الذي أبداه ترامب لرغبتها ظناً منه أنه المُهيمن على طاولة اللعبة، بقوله إنه قد تخلص من “المتشددين” الذين رفضوا الاتفاق معه لن يتوقف عند إيران، بل سيزيد من فقدان الثقة بالولايات المتحدة ويشكك في قدرتها على تحقيق الاستقرار في العالم، لأن سياستها تبرهن مصداقية رؤية هؤلاء المتشددين بأن أميركا لا يمكن الثقة بكلامها!