مجرم اقتصادي | النهار

مجرم اقتصادي | النهار

منذ أيام، وخير جليسٍ لي في الأنام… جون بيركنز. ففي هذا الرجل من الدهاء في الاقتصاد السياسي ما يقدّمه على زياد ابن أبيه، أدهى العرب. وفي كتابه “اعترافات جديدة من قاتل اقتصادي” (The New Confessions of an Economic Hit Man) ما يوضح الكثير مما نعيشه اليوم من أزمات دولية مفتعلة. 

بيركنز قاتلٌ لا يحمل مسدساً، إنما مخططات وموازنات تدعمها توصيات من صندوق النقد الدولي، ولائحة ضحايا تضم دولاً منهكة تبحث عن قشة في بحر، فينتهي بها الأمر مقيدة بسلاسل أغلظ من سلاسل كونتا كينتي. 

 

غلاف كتاب

 

في زمنٍ تتغيّر فيه أدوات السيطرة، وترسم فيه خرائط النفوذ بالأرقام لا بالجنود، يكشف بيركنز وجه “المساعدات التنموية” الخفي. الخطة بسيطة: إقناع الرئيس بمشروع تنموي، ثم إرهاقه بالدين، ثم جني الثمار. مهمته إقناع الدول باقتراض ما لا تستطيع سداده، “ثم نفرض عليها تصويتاً في الأمم المتحدة، أو قبولاً بقواعد عسكرية، أو عقوداً نفطية تجني شركاتنا منها أموالاً طائلة”. يفشل المشروع وتبقى القروض. ولِمَ يهتم ما دامت شركات أميركا ستنفذ المشروع الفاشل وتقبض ثمنه مقدّماً… وليتحمّل الشعب عبء التقشف والخصخصة.

يتذكر بيركنز رئيسا الإكوادور خايـمي رولدوس وبنما عمر توريخوس: “رفضا عروضنا فتحطمت طائرتاهما. هذه ليست مصادفة، إنما عمل الضباع”. ولهؤلاء الضباع دور حين يرفض رئيس ما الاستمرار في لعبة التنمية الوهمية. وبحسبه، “إذا فشل القاتل الاقتصادي، يتدخل الضبع. وإذا فشل الضبع، ترسل أميركا قواتها”.

مأساوي ألا يُنكر بيركنز دوره في هذا كله، بل يعترف أنه كان يبتكر خططاً جهنمية، ويكتب تقارير ويلمّع أكاذيب، ثم ينام قرير العين على وسادة ضمير مؤجل. يقال إن ثمة من يهدده بقتله وأفراد عائلته إن استمر في إفشاء الأسرار الكبيرة، لكنني لا أصدق صحوته المفاجئة هذه أبداً.