‘دولة تحتاج إلى حراك’ | النهار

‘دولة تحتاج إلى حراك’ | النهار

 شادي روكز 

“بلد ماشي أعوج” و”بلد بدّو نفضة”، هاتان العبارتان هما الأكثر تداولاً بين الناس. نسمع كل يوم الشعب اللبناني وهو يعبّر عن غضبه حيال كل ما يحصل من تضييعٍ للفرص منذ بدء الجمهوريّة الأولى عام 1926، إلى تاريخنا اليوم. من فرصة بناء نظام نستطيع من خلاله ممارسة السياسة بشكل فعّال، مروراً بإقرار حياد لبنان عن صراعات الدول، وتعديل الدستور بشكل مدقّق ومفصّل وفعّال بعد حربٍ قاسية ومدمّرة امتدّت خمس عشرة سنة، وصولاً إلى تطبيق اتفاق وقف النار والقرار الدولي 1701 بشكلٍ كامل مع نزع كل سلاح غير شرعي. يلقي معظم المفكّرين والسياسيّين، وحتى الشعب، اللوم على اتفاق القاهرة (1969) الذي تنازلت فيه الدولة عن سيادتها لمصلحة منظمة التحرير الفلسطينيّة، متناسين كل العِقَد والأحقاد وسوء تنظيم الإدارة في جسم الجمهوريّة اللبنانيّة كاملاً، متناسين ثورة 1958 والنظام الإداريّ الفاشل في الدولة ونظامه السياسيّ “المكربج على حاله”. يجب إعادة النظر في تركيبة الدولة بكاملها. نطرح هنا سؤالاً، ما هي الحلول الحقيقيّة والفعّالة التي على الدولة تطبيقها؟
نظرة إلى نظامٍ إداريّ متطوّر وديموقراطيّ
يعتمد لبنان حاليّاً نظام اللاحصريّة الإداريّة، أي إخضاع السلطات المحليّة، مثل البلديات، لرقابة القائمقام والمحافظ وإشرافهما وذلك للتخفيف من عبء تدخّل السلطة المركزيّة في التفاصيل المملّة، إلّا أنّهما، وفق المرسوم الاشتراعي الرقم 116 تاريخ 12/6/1959، “يمثّلان وزارات الدولة كافة، باستثناء وزارتَي العدل والدفاع الوطنيّ” ويُعيَّن المحافظ في مجلس الوزراء ما يجعله خاضعاً للحكومة حصراً من دون محاسبة محليّة. 
هذه النظرة القديمة، التي أورثتنا إيّاها فرنسا، يجب أن تتغيّر. تعيين المحافظ من الحكومة يعزّز هيمنتها على البلديات، فيبقى المحافظ “موظّفاً” لدى الحكومة، وليس خادماً للشعب. ويمكن هنا الاستفادة من تجربة عربيّة قريبة: المغرب، الذي اعتمد نموذج “الجهويّة المتقدّمة” منذ التعديلات الدستوريّة لعام 2011، حيث تمّ نقل صلاحيات حقيقية من الحكومة المركزيّة إلى مجالس جهويّة منتخبة. ساهم ذلك في تعزيز التنمية المحليّة، وتوزيع أفضل للموارد، وتخفيف الضغط على المركز في الرباط. ما يهمّنا كمواطنين لبنانيّين، أنّ هذه التجربة أثبتت إمكاني تحقيق لامركزيّة فعليّة في دولة عربية ذات تعدديّة ثقافيّة ودينيّة، من دون المسّ بوحدة الدولة أو استقرارها.
النظام السياسيّ والفصل بين السلطات
لو نظر مونتسكيو، أب نظريّة الفصل بين السلطات، إلى دستور لبنان والفصل بين السلطات فيه، “لبكى في الزاوية” لأنّ عباقرة السياسة في لبنان اغتنموا الفرصة للاستيلاء على البلد، واختاروا نظاماً سياسيّاً للبنان لا يتلاءم إطلاقاً مع واقعه المجتمعيّ. أقرّوا إلغاء الطائفيّة السياسيّة في المادة 95 من الدستور، واقترحوا انتخاب مجلسٍ للشيوخ تتمثّل فيه جميع العائلات الروحيّة وتنحصر صلاحياته في “القضايا المصيريّة” (المادة 22 من الدستور)، فما هي القضايا المصيريّة؟ الله أعلم. 
عاش لبنان أكثر من خمس سنوات في فراغٍ رئاسيّ، أي ما يفوق 18% من عمر جمهوريّته الثانية، نتيجة نظامٍ عاجزٍ عن ضمان الاستمراريّة الدستوريّة وانتقال السلطة بسلاسة.
كما أنّ لبنان، من شعبه إلى مسؤوليه، يعتبرون أي تعديل على الدستور Taboo، مقفلين الباب أمام أي إصلاح فعليّ على النظام السياسيّ في لبنان. ننظر إلى التعدديّة في سويسرا فنراها مشابهة للتعدديّة في لبنان، ويمكننا بالتالي التعلّم من التجارب التي مرّ بها الشعب السويسريّ. هنا نسأل: هل سويسرا أذكى منّا لتطبيق هكذا نظام؟ 
سيبقى لبنان في دوامة الموت والدمار، والصراعات والنزاعات على السلطة ما دام نظامه يعزّز الانقسام. بات علينا الفهم جيّداً أنّنا طائفيّون فكراً وممارسة، وهذا ليس عيباً، بل فرصة للوصول إلى نظامٍ تعيش فيه الطوائف بطريقة فعّالة لا مدمّرة.
الخلاصة
نستنتج، بعد عرض الوقائع والأفكار، أنّ لبنان بحاجة ماسة الى تغييرٍ وإصلاح على جميع الصعد، وتوجيه الأصابع نحو المشاكل الحقيقيّة من دون لفّ ودوران، بل التفكير فعليّاً في الحلول التي تنمّي المواطنيّة وتحقّق الديموقراطيّة الفعّالة في المجتمع السياسيّ اللبنانيّ، حيث يمكن للمواطن أن يشارك بأفضل طريقة ممكنة في الحياة السياسيّة، إن كان على الصعيد المحليّ (البلديّ) أو على الصعيد الوطنيّ (النيابة والحكومة). فاللامركزيّة الإداريّة إضافةً إلى اللامركزيّة الماليّة هما حاجتان ملحّتان للتنظيم الإداريّ على المدى القصير، وذلك تمهيداً للتوصل في المدى البعيد إلى نظام سياسيّ يرتكز على اللامركزيّة السياسيّة. 
يمكن أيضاً تشكيل “مجلس أعلى لإصلاح النظام الإداري والسياسي” يضمّ خبراء دستوريّين وقانونيّين واقتصاديّين لإصلاح ما يجب إصلاحه. علماً أنّ هذا كلّه غير مجدٍ إذا لم يتمّ بسط سيادة الدولة اللبنانيّة وسلطتها على أراضيها كاملة في أسرع وقت، إنقاذاً لما تبقّى من سيادة في الوطن، فالحكومة اللبنانيّة عليها تحمّل مسؤوليّاتها كاملة، وأن تبسط سلطتها على كل شبرٍ من أرض الوطن، فما يهمّ المواطن هو الانطلاق فعلاً نحو دولة قويّة قادرة على حماية أمنها وسيادتها وشعبها.

 

 

المقاربة الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة “النهار” الاعلامية