إيران تحت ضغط نتنياهو وترامب: الشرطي السيء يعمل لصالح الشرطي الجيد

لم يتبرأ دونالد ترامب للحظة من الهجوم الإسرائيلي على إيران. تحدث عنه متوقعاً حدوثه قبل ساعات من الموجة الأولى الأقسى، التي عصفت ببلاد الثورة الخمينية، وترنّح معها النظام بشقيه السياسي والحرس الثوري، قبل أن يستعيد توازنه بسرعة وتبدأ الحرب الأولى من نوعها في الشرق الأوسط بين دولتين، منذ حرب الخليج الثانية.
ترامب بدا متحمساً للهجوم أكثر من نتنياهو حتى. أعلن أن إيران خسرت فرصة التوصل إلى اتفاق نووي مع الولايات المتحدة خلال الستين يوماً، وها نحن (يوم الهجوم) في اليوم الواحد والستين. تفاخر بالسلاح الأميركي العظيم الذي تستخدمه إسرائيل، وقال إنه لا يستبعد تدخل الولايات المتحدة في قصف إيران إذا لزم الأمر، لكنه أبقى الباب مفتوحاً لطهران كي تُجرّ إلى المفاوضات بالحديد والنار، وتُوقّع على شبه استسلام كامل، بدلاً من الاتفاق “الطموح” الذي كانت تسعى إليه، بالإبقاء على مشروعها النووي السلمي وعدم تدخل الولايات المتحدة بسيادتها على قواتها العسكرية ومنظوماتها الصاروخية.
يمارس نتنياهو وترامب مع إيران لعبة الشرطي القذر والشرطي الطيب. يضربها الأول ويهددها بأيام أسوأ، بينما يتدخل الثاني مهدئاً من روعها، مبقياً على الأمل في المفاوضات معاً. يقول إنه وحده من يكفيها شر نتنياهو، شرط أن تسمع كلمته وتنفذ ما يطلبه منها. هو الوحيد الذي سيجنّبها الكأس المرة، لكنه في الآن نفسه يتوعّدها بأنها ستواجه الولايات المتحدة ما لم ينه نتنياهو العمل. فكّا كماشة في مفاوضات مباشرة لأول مرة في تاريخ إيران وإسرائيل، قوامها ساحتا معركة، وكما العادة، يمكن للجميع معرفة موعد بداية الحرب، لكن لا أحد يمكنه توقع ما ستؤول إليه.
في هذه الحرب، عاد ترامب ليثبت من جديد مقولة نتنياهو التاريخية بأنه “أعظم صديق لإسرائيل”. الهجوم الذي وقع قبل بضعة أيام من موعد جولة مفاوضات جديدة كان استغفالاً للدولة التي رأت فيه ضماناً بأن إسرائيل لن تضربها قبل الاجتماع. ترامب قرر الاستثمار في الهجوم. قد لا يعود لديهم برنامج نووي ليفاوضوا عليه. قادتهم اختفوا. حتى تمنين الإيرانيين بما سرّب عن رفضه قيام إسرائيل باغتيال المرشد علي خامنئي على الرغم من استعدادها له، يحمل في طيات كرمه الزائد إهانة للنظام الإيراني الذي يواجه أكثر لحظاته مصيرية منذ عام 1979.
مواقفة إيران على إنهاء البرنامج النووي برمّته يعني توقيع معاهدة استسلام. (ا ف ب)
ترامب يبقي الباب موارباً أمام جميع الاحتمالات. إنهاء البرنامج النووي برمّته، أو الإبقاء على الجانب المدني منه، أو نزول الولايات المتحدة إلى الحرب، مع ما يعنيه هذا من فوضى عارمة تستمر لعقود كلما دقت أميركا نفير الحرب. موافقة إيران على إنهاء البرنامج النووي برمّته يعني توقيع معاهدة استسلام مع إدارة لا يمكن الوثوق بأنها قد تكتفي بهذا ولا تطمح لإسقاط النظام الإيراني.
وترامب يبحث عن إنجاز ولو عبر حرب يشنها غيره خدمة له. الحرب الروسية – الأوكرانية التي كان سينهيها في 24 ساعة خلال حملته الانتخابية، مستمرة على قدم وساق. حرب إسرائيل على غزة، التي وعد بإنهائها في فترة شبيهة من الزمن، مستمرة. داخلياً، سياسته الخيالية بترحيل ملايين المهاجرين غير الشرعيين، ونشاط عناصر وكالة الهجرة والجمارك الاستعراضي في المداهمات السينمائية، هذه السياسة ارتدت عليه بأزمة مرشحة لأن تتسع. حروب التعرفة الجمركية التي أطلقها في كل اتجاه لم يعد مفهوماً كيف تمضي أو كيف تعود بالخير على الصناعة والمستهلك الأميركيين. حتى صديقه الصدوق إيلون ماسك خاب أمله به، مع أنه حقق له إنجازه اليتيم حتى الآن والمتمثل، للمفارقة، بطرد مئات آلاف الأميركيين من وظائفهم الفيدرالية، من قبل رئيس شعاره أميركا والأميركيون أولاً.
الآن، وقد انفجر الشرق الأوسط مجدداً، يقول ترامب إنه الوحيد القادر على إيقاف الحرب وإحلال السلام، كما على فرض صفقة على الإيرانيين. لائحة وعوده غير المنجزة زادت واحدة، حرباً تبدو إسرائيل كأنها تخوضها بالنيابة عن ترامب، ومن أجله، ومستعدة لأن تكون الشرطي القذر في اللعبة، بينما تتخلى له عن دور الشرطي الطيب.