بين الاستمرار أو التخلي عن البرنامج النووي… النظام الإيراني يتجنب الوقوع في ‘فخ ليبيا’

يقول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن إسقاط النظام في إيران قد يأتي كنتيجة من نتائج الحرب التي تخوضها إسرائيل لا كهدف مباشر، بينما يعلن رئيس أركانه الجنرال إيال زامير، بعبارة تحتمل أكثر من تأويل، أن “الطريق باتت مفتوحة إلى طهران”.
إلى أي مدى يمكن أن تضع الحرب الإسرائيلية مصير النظام على المحك، أو أن تسهم فعلاً في خلخلته وجعله عرضة للسقوط؟ سؤال مطروح بقوة منذ أطلقت إسرائيل ضربتها الأولى فجر الجمعة الماضي، ومخاطبة نتنياهو الإيرانيين بأن “هذه فرصتكم للانتفاض على نظام يقمعكم منذ 50 عاماً”.
طبعاً، تأمل إسرائيل أن تفتح ضرباتها المتواصلة الطريق إلى تسوية يرعاها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تقوم على اتفاق تقبل بموجبه الحكومة الإيرانية بتفكيك كامل للبرنامج النووي وللقدرات الصاروخية أيضاً، في مقابل وقف الحرب. سيناريو كهذا يمثّل استنساخاً مطابقاً لـ”النموذج الليبي”. هذا النموذج ضمن تفكيك البرنامج النووي لمعمر القذافي، لكنه لم يضمن بقاء النظام.
هذه التجربة ماثلة أمام القيادة الإيرانية، ولا مؤشرات إلى أن إمكان قبول مرشد الجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي بمثل هذا السيناريو يعني في نهاية المطاف استسلاماً صريحاً، على رغم أن “الأولوية القصوى” للمرشد “هي بقاء النظام”، وفق ما يقول المحلل في “معهد إسرائيل القومي للدراسات الاستراتيجية” راز زميت، الذي يضيف :”لكن في الوقت نفسه، فهو (خامنئي) يرى أن القدرة النووية، وخصوصاً تخصيب اليورانيوم، هما حجر الزاوية للبقاء. والاضطرار إلى الاختيار بينهما، يشبه الاختيار بين كأسين من السم”.
وقريباً من هذا الرأي، تقول خبيرة الشؤون الإيرانية ومديرة برنامج السياسة الخارجية في معهد “بروكينغز” سوزان مالوني، لصحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، إنه لا يمكن تفادي نشوب جدل حاد داخل النظام الإيراني، بشأن ما إن كان يجب القبول بحل ديبلوماسي من موقع الضعف، أم الاستمرار في رد الضربات الإسرائيلية وخوض سباق لحيازة السلاح النووي.
كذلك، يرى أستاذ الدراسات المتقدمة في جامعة “جونز هوبكنز” ولي نصر، في مقابلة مع الصحيفة ذاتها، إن قبول إيران بتسوية سريعة تتخلى بموجبها عن التخصيب سيُنظر إليه على أنه استسلام. ويضيف أن مثل هذه الخطوة ستجعل الحكومة هشة في الداخل، ولذا “لن تتخلى عن التخصيب، ليس بهذه السهولة… لن تستسلم”.
هذه التعقيدات يصوغها رئيس الاستخبارات الإسرائيلي السابق عاموس يدلين على النحو الآتي: من دون الاستسلام أو تغيير النظام، فإن الحرب الإسرائيلية سيكون لها معنى فقط في حالة واحدة وهي إعادة البرنامج النووي الإيراني سنوات إلى الوراء، ليستدرك بأن “إيران لا يمكنها هزيمة إسرائيل، لكن الأرجح أن إسرائيل لا تملك في الوقت نفسه الإمكانيات لتدمير البرنامج النووي الإيراني بالكامل”.
يهود متشددون يتفقدون الدمار في موقع هجوم صاروخي إيراني في بني براك. (ا ف ب)
حتى الآن، يلوّح ترامب باحتمال الانضمام إلى الحرب في نقطة معيّنة، إذا ما رأى أن السبل مسدودة أمام التوصّل إلى تفكيك سلمي للبرنامج النووي الإيراني.
لكن المسؤولة السابقة في وزارة الخارجية الأميركية كارين فون هيبل، ترى أنه إن “لم تنهر الحكومة الإيرانية، أو تقتل إسرائيل القادة السياسيين والدينيين في إيران على غرار ما فعلت مع حزب الله، فإن أي تسوية ستظهر ستكون شبيهة جداً بالاتفاق النووي لعام 2015” الذي وقعه الرئيس السابق باراك أوباما، ومزقه ترامب عام 2018 خلال ولايته الأولى.
وتنقل “نيويورك تايمز” عن الأستاذ الفخري للعلاقات الدولية في سيتي كولدج بنيويورك راجان مينون، أن “ترامب أخطأ في حساباته عندما اعتقد أن الهجوم الإسرائيلي سيجبر إيران على القبول باتفاق يصفّر التخصيب. ومن غير المرجح أن يخطئ ترامب في حساباته مجدداً وينضم إلى حرب إسرائيل”.