هل تدخل باكستان في الصراع الإيراني-الإسرائيلي يعكس الموقف الروسي-الصيني أم هو خطوة لحماية أمنها القومي؟

هل تدخل باكستان في الصراع الإيراني-الإسرائيلي يعكس الموقف الروسي-الصيني أم هو خطوة لحماية أمنها القومي؟

الدكتور عادل ديماسي

في خضم التصعيد العسكري الحاد بين إيران وإسرائيل، جاء الموقف الباكستاني المتمثل في إعلان دعمها لإيران مفاجئاً للبعض، ومحورياً للبعض الآخر، ما فتح الباب أمام تساؤلات عدة حول خلفية هذا الموقف: هل هو انعكاس لاستراتيجية روسية-صينية أكبر في الشرق الأوسط؟ أم أنه يعكس أولاً وقبل كل شيء قلقاً باكستانياً حقيقياً على أمنها القومي في ظل صراع إقليمي يهدد التوازن الجيوسياسي؟

أولاً: البعد الجيوسياسي للموقف الباكستاني

لا يمكن فصل قرار باكستان عن الواقع الجغرافي السياسي المحيط بها. تقع باكستان بين قوتين نوويتين متنازعتين — الهند من جهة، والصين من جهة أخرى، وفي تقاطع مع إيران وأفغانستان. ولطالما تبنت إسلام آباد موقفاً حذراً تجاه التوترات الإقليمية. لكن إعلانها دعم إيران في مواجهة إسرائيل يمثل انحيازاً واضحاً لطرف في نزاع يحمل أبعاداً دولية، ما يجعل من الضروري تحليل خلفيات هذا الانحياز.

ثانياً: هل يعكس هذا الموقف رؤية روسية-صينية؟

منذ بداية العقد الماضي، تسعى كل من روسيا والصين إلى تقويض الهيمنة الغربية في النظام الدولي، عبر التحالفات السياسية والاقتصادية والعسكرية. وتُعد إيران حليفاً استراتيجياً لكل من موسكو وبكين، كما أن باكستان تشكل جزءاً مهماً في مبادرة “الحزام والطريق” الصينية، ومورداً لروسيا في ملف التوازن الإقليمي جنوب آسيا.

في هذا السياق، قد يُفهم موقف باكستان كمحاولة لتعزيز موقعها في محور الشرق الناهض، خصوصاً بعد تراجع الدور الأميركي التقليدي في المنطقة، وفقدان الثقة في فعالية التحالفات الغربية، لا سيما بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان. باكستان، باعتمادها هذا الموقف، قد تكون قررت السير في فلك التحالف الروسي-الصيني، الذي يتبنى استراتيجية مواجهة النفوذ الأميركي والإسرائيلي في الشرق الأوسط.

ثالثاً: البعد الوطني: أمن قومي مهمل عربياً

لكن بعيداً عن التأويلات الاستراتيجية الكبرى، يمكن النظر إلى دعم باكستان لإيران أيضاً كموقف ينبع من مبدأ الأمن القومي. فباكستان، التي تمتلك حدوداً طويلة مع إيران، تدرك أن أي زعزعة لاستقرار الجارة الغربية قد تنعكس سلباً على أمنها الداخلي، خصوصاً في ظل وجود أقليات عرقية مشتركة ومخاوف دائمة من انتشار الفوضى عبر الحدود.

هذا المفهوم — الدفاع الاستباقي عن الأمن القومي خارج الحدود — هو ما يغيب بشكل كبير عن الفكر السياسي العربي. فمعظم الأنظمة العربية تنظر إلى الأمن القومي كمسألة حدودية بحتة، ترتبط فقط بمنع تسلل أو هجوم مباشر، دون إدراك لأهمية التأثيرات غير المباشرة، كالتدخلات الخارجية، وانهيار الأنظمة الإقليمية، وتمدد القوى المعادية.

رابعاً: مقارنة بواقع الدول العربية

مما لا شك فيه أنه يوجد تخبط إقليمي أفضى إلى نتائج غير فاعلة في المنطقة بشكل عام. لم نرَ موقفاً عربياً موحداً تجاه الحرب في غزة، ولا تجاه التهديدات التي تطال إيران أو سوريا أو لبنان، بل نجد دولًا عربية تصطف ضمن محاور متضادة، وتُخضع قرارها السياسي للضغوط الغربية أو لحسابات آنية.

أما باكستان، فقدّمت في هذا الصراع نموذجاً لدولة تقرأ الأحداث من منظور الأمن القومي الحقيقي، وتدرك أن الاستقرار في جوارها المباشر، حتى إن كان خارج حدودها، هو جزء لا يتجزأ من استقرارها الداخلي.

يبقى السؤال مفتوحاً: هل موقف باكستان خطوة مدفوعة بتحالفات كبرى أم نتيجة لوعي ذاتي بالمخاطر الأمنية؟ في الواقع، الأمر مزيج من الاثنين. على الرغم من الوعي الكبير لدى السياسات العربية، فإن هناك نقاطاً من المهم التوقف عندها و أهمها أنه لا يوجد حتى الآن تعريف موحد ومتفق عليه لمفهوم “الأمن القومي العربي”، ما يجعله غائباً، بشكل متفاوت بين بلد عربي وآخر،  عن عمق القرارات الاستراتيجية العربية، ما يجعل المنطقة عرضة دائمة للتقلبات والاختراقات الدولية.

 

-المقاربة الواردة لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة “النهار” الإعلامية.