قلق من حرب محتملة على أراضي الناتو… ألمانيا تستعد بتجهيز الملاجئ للطوارئ

يتصاعد القلق في ألمانيا من احتمال اندلاع حرب كبرى تطال أراضي حلف شمال الأطلسي، في ظل الهجمات الروسية المتزايدة على كييف وغياب أي زخم حقيقي لوقف الحرب وإحلال السلام، رغم الجهود الدولية الحثيثة، ومن بينها جهود جمهورية ألمانيا الاتحادية. هذا الواقع دفع برلين إلى الاستعداد للأسوأ عبر خطة لحماية السكان، تتضمن توسيع شبكة الملاجئ، وتحديث بنيتها التحتية. فما الذي تتضمنه خطة الوكالة الاتحادية للحماية المدنية والإغاثة لحالات الطوارئ؟
الملاجئ غير جاهزة للاستخدام
بعد سنوات من الاعتقاد السائد في ألمانيا بأن الحرب لم تعد سيناريو واقعياً يستدعي الاستعداد له، تعكف الوكالة الاتحادية للحماية المدنية على تقديم تصميم جديد ومطوّر للملاجئ خلال الأسابيع المقبلة، بهدف تعويض النقص الحاصل في أماكن الإيواء خلال الكوارث، وبما يتوافق مع ما يُعرف بخيارات المساعدة البديلة.
تأتي هذه الخطط على خلفية القلق المتصاعد من احتمال هجوم روسي على دول الناتو، في ظلّ تهديدات الرئيس فلاديمير بوتين التوسّعية، واستمرار الغارات الجوية الكثيفة بالصواريخ والطائرات المسيّرة على أوكرانيا.
وفي تصريح صحافي، أوضح رئيس الوكالة رالف تيسلر أن خطة توسيع شبكة الملاجئ في ألمانيا ستتضمن متطلبات حماية عالية، وتطويراً للبنية التحتية، وتحويل أنفاق ومحطات المترو، والمرائب تحت الأرض، وأقبية المباني إلى ملاجئ، بهدف توفير مليون مكان إيواء في أسرع وقت، خصوصاً أن بناء ملاجئ جديدة يتطلّب وقتاً طويلاً وتكلفة مرتفعة.
وتشمل الخطة أيضاً تجهيز عدد من المنشآت العامة لتكون صالحة للطوارئ، بما يتيح استخدامها للمبيت وتوفير الطعام والمراحيض وأسرّة التخييم، كما تتضمن تحديثات في أنظمة الإنذار، وإصدار نشرات توجيهية للمواطنين عن كيفية العثور على مأوى، وتطوير تطبيقات مخصّصة لذلك، بالإضافة إلى رقمنة قاعدة بيانات الملاجئ التابعة للقطاعين العام والخاص.
هذه الجهود تجري تحت إشراف الحكومة الفيدرالية وبالتعاون مع حكومات الولايات، مع إشراك القطاع الخاص الذي يُفترض أن يكون جاهزاً بالمستوى نفسه.
مساحات قابلة للتحويل
في ظل هذا التحرك، قال وزير داخلية ولاية تورينغن غيورغ ماير، في حديث لشبكة “MDR” الإخبارية، إن توسيع الأنفاق والأقبية والمرائب ومحطات المترو وتحويلها إلى ملاجئ أمر ممكن، رغم التحديات. وأوضح بأن العديد من الملاجئ القديمة لم تعد موجودة، إذ أُزيلت أو استُخدمت لأغراض أخرى، مما يعني أن بعض المواقع ستتطلب البدء من نقطة الصفر.
من جهته، أوصى الخبير في إدارة المخاطر والأزمات ألكسندر فيكيتي، بالحفاظ على الملاجئ كمساحات متعددة الاستخدامات يمكن تكييفها لمواجهة أزمات متعددة، كالغارات الجوية والفيضانات وحتى الأوبئة. وأشار إلى أن عدد الملاجئ العامة في ألمانيا يبلغ حالياً 579 فقط، ولا تكفي سوى لنحو 480 ألف شخص، أي نسبة ضئيلة من السكان. والأسوأ، بحسبه، أن أياً من هذه الملاجئ غير جاهز للاستخدام الفوري.
يتصاعد القلق في ألمانيا من احتمال اندلاع حرب كبرى تطال أراضي حلف شمال الأطلسي. (ا ب)
الاستعداد لانقطاع الكهرباء
من ناحية أخرى، ومع عدم استبعاد سيناريو انقطاع طويل للكهرباء، مثلما حصل أخيراً في إسبانيا، ستُعتمد قوائم لتحديد أنواع الأطعمة التي يمكن تخزينها في المنازل وتناولها دون طهو، بالإضافة إلى وضع خطط بديلة لمواجهة تأثير انقطاع الكهرباء على عمليات الإخلاء السريع، سواء بسبب إبطال مفعول قنابل جوية، أو بسبب خطر الفيضانات الناجمة عن أي اعتداء محتمل.
وأشارت الوكالة الاتحادية إلى أن تنفيذ هذه الخطط التوسعية، في ظل المهام الكبرى الملقاة على عاتق الدفاع المدني، سيتطلب نحو 10 مليارات يورو خلال السنوات المقبلة، على أن يرتفع الرقم إلى 30 مليار يورو خلال العقد المقبل. وتشمل هذه الخطط أيضاً تعزيز آليات التأهب للكوارث الطبيعية، وإرشاد المواطنين بشأن كيفية تجهيز حقائب الطوارئ وحفظ الوثائق الثبوتية والمستندات المهمة.
هواجس من الأسلحة الكيميائية والبيولوجية
تشير التقارير إلى تزايد الطلب على بناء مخابئ خاصة في داخل المنازل منذ اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا، إذ يسعى العديد من المواطنين لتأمين أماكن تحميهم وعائلاتهم، وتُعتبر بمثابة “بوليصة تأمين على الحياة” يمكنهم البقاء فيها لعدّة أشهر عند الضرورة.
وفي هذا السياق، يقول الباحث السياسي توماس برغمان لـ”النهار” إن تقييم المخاطر الجديد يظهر أن الوضع الأمني في أوروبا بات أكثر غموضاً، ولا أحد يعلم إلى أين قد تتجه الأمور. ويضيف أن من الطبيعي أن تعمل الوكالة على تأمين حماية مدنية شاملة في مواجهة الهجمات المحتملة، سواء بأسلحة تقليدية أو بيولوجية أو كيميائية.
ويشير إلى أن التصميمات الجديدة للملاجئ ستعتمد على تحصينات خرسانية بسمك لا يقلّ عن 45 سنتيمتراً لدرء المخاطر، لافتاً إلى أن ألمانيا تُعدّ مركزاً رئيسياً لحلف الناتو، وقد تكون بنيتها التحتية هدفاً لهجمات صاروخية تهدف إلى تعطيل الأنشطة العسكرية.
تحديات البلديات
وفي ما يتعلق بالمشروع الذي تعتزم الوكالة طرحه على المدن والبلديات، قال رئيس قسم الحماية المدنية في الرابطة الألمانية للمدن والبلديات تيم فوكس إن المشروع ضخم، ويمثّل تحدّياً فعلياً للبلديات، خاصة أنّ معظمها يمرّ بأزمات مالية حادّة، مما يجعل من غير الممكن إنشاء بنية تحتية لملاجئ الطوارئ من دون تمويل فيدرالي مباشر. واعتبر أن المشروع يُشبه “سباق ماراثون” من حيث تمويله، ويتطلّب دعماً مالياً طويل الأجل لضمان نجاحه.