معهد وايزمان أو “مركز الذكاء الإسرائيلي”: كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي لتعزيز قدرات الجيش؟

معهد وايزمان أو “مركز الذكاء الإسرائيلي”: كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي لتعزيز قدرات الجيش؟

في منعطف استراتيجي لافت، استهدفت الصواريخ الإيرانية فجر الأحد معهد “وايزمان” في رحوفوت جنوب تل أبيب، الذي يوصف بأنه “العقل النووي لإسرائيل” في الأوساط البحثية. هذا المعهد، الذي يُعدّ ركيزةً أساسيةً للمشروع العلمي والعسكري الإسرائيلي، أصبح هدفاً رمزياً وعملياً في آن واحد. فالمعهد، الذي تأسس عام 1934، ليس مجرد منشأة أكاديمية فحسب، بل يلعب دوراً محورياً في دعم الجيش بأبحاث وتكنولوجيا متقدمة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، أدوات التتبع والتشويش، وتقنيات الطائرات من دون طيار. 

 

يٌعتبر المعهد أحد أهم المراكز العلمية في إسرائيل والعالم. أسسه حاييم وايزمان تحت اسم “أبحاث دانيال سيف”، قبل أن يُعاد تسميته عام 1949 تيمناً بمؤسسه الذي أصبح لاحقاً أول رئيس إسرائيلي. يضم اليوم حوالى 2500 باحث وموظف، يتألف من 30 مختبراً علمياً، بالإضافة إلى قاعات دراسية وسكنية. لكن المعهد ليس مجرد مؤسسة علمية أكاديمية فحسب، بل هو جزءٌ لا يتجزأ من البنية التحتية التقنية العسكرية الإسرائيلية. ويُعتقد أن له دوراً مهماً في تطوير البرنامج النووي السري لإسرائيل من خمسينات القرن الماضي حتى يومنا هذا.

 

 

 

الدعم التكنولوجي والعسكري

 

وُصف الهجوم بأنه “ضربة مباشرة للبنية التحتية البحثية في إسرائيل”، في الوقت الذي أكّد فيه التلفزيون الإيراني أن وايزمان “مؤسسة علمية يستفيد منها الجيش الإسرائيلي”، ما يضفي على العملية بعداً استراتيجياً في سياق الرد الإيراني.

 

يُعد وايزمان أحد ركائز الابتكار التكنولوجي في إسرائيل، إذ يُساهم بشكل مباشر في تطوير أنظمة عسكرية معقدة، وترتكز مهماته في مجال الذكاء الاصطناعي على تحليل البيانات والتوجيه القتالي، البحث في الطاقة الموجهة والطاقة النووية، تقنيات الطائرات من دون طيار والأنظمة الذاتية التشغيل، أدوات التتبع والتشويش الإلكترونية المتقدمة، حماية الرموز العسكرية، الاتصالات المشفرة وغيرها.

 

يتعاون المعهد بشكل عميق مع كبريات شركات تصنيع الأسلحة الإسرائيلية، ولاسيما منها “إلبيت سيستمز”. وقبل ثلاث سنوات، أطلق وايزمان أول حاسوب كمي في إسرائيل عام 2022. ويحظى اليوم بتمويل سخي من الحكومة الإسرائيلية، بالإضافة إلى دعم كبير من المنظمات الدولية، مما يعزز قدرته على استقطاب العقول.

 

لهذا لم يكن مفاجئاً اعتبار المعهد هدفاً استراتيجياً لطهران، خصوصاً بعد الضربات الإسرائيلية الأخيرة على منشآت عسكرية واستهداف علماء إيرانيين بارزين. ويُلاحظ أن وسائل الإعلام الإسرائيلية لم تُنشر صوراً أو تُشارك تفاصيل دقيقة حول حجم الأضرار، وذلك وفقاً لتعليمات صارمة من الرقابة العسكرية التي تمنع الكشف عن الإصابات أو الأضرار التي لحقت بالمنشآت الحساسة، ما يعكس مدى الإحراج الأمني الناتج من اختراق الدفاعات الجوية التي لطالما تغنت بها الدولة العبرية.

 

معهد وايزمان الإسرائيلي عقب الضربات الإيرانية

 

عسكرة الخوارزميات

 

يُعرّف المعهد نفسه على أنه مركز للذكاء الاصطناعي ومساحة للعلماء والطلاب للاكتشاف العلمي المُستند إلى الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات والتعلم الآلي. وأنه مجتمع بحثي متطور يدعم التقاء التخصصات والمنهجيات والأفكار لتطوير العلوم الأساسية وبناء منهجيات وأدوات جديدة قائمة على الذكاء الاصطناعي للبحث العلمي، جامعاً بين الذكاء البشري والاصطناعي.

 

ومن المعلوم أن هذه التقنية تُعدّ اليوم لدى قيادات إسرائيل ركيزةً أساسيةً للجيش، إذ يُعترف بالذكاء الاصطناعي كتقنية استراتيجية، ذات قدرة على إعادة تشكيل الوزن العسكري وتوزيع القوة داخل النظام الدولي.

 

يعلّق روبرت آشلي، الرئيس السابق لوكالة استخبارات الدفاع الأميركية، على استخدام الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري بأن الخوارزميات قادرة على غربلة كميات هائلة من بيانات الاستخبارات أسرع بكثير من المحللين البشريين. ويعتبر أن استخدام الذكاء الاصطناعي يمنح القادة أفضلية هائلة، فيقول: “ستتخذ القرارات أسرع من خصمك، هذا هو جوهر الأمر”.

 

أبرز الاستخدمات العسكرية الاسرائيلية للذكاء الاصطناعي، تمثلت في نظام الاستهداف بالذكاء الاصطناعي الذي تستخدمه القوات الاسرائيلية لتحديد الأهداف بسرعة فائقة “لافندر”. خلال الحرب، طبّق الجيش نظام اغتيالات قائماً على “لافندر”، الذي يقوم بمسح السكان ويعطي كل شخص درجة شك ومدى احتمال كونه هدفاً محدداً، وبمجرد تحديد الموقع يُرسل إلى سلاح الجو.

 

وقبل هجومها على إيران، كانت قد كشفت الصناعات الجوية الإسرائيلية، عن تسليم نسخة جديدة من الرادار المتعدد المهمةالمدعوم بالذكاء الاصطناعي “MMR”، بقدرة على منع الهجوم الصاروخي، في إشارة إلى التهديدات الإيرانية. واعتبر المسؤولون أن النسخة الـ250 من الرادار المتعدد المهمة  باتت تشكل قلب أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلة، بقدرة على اكتشاف مئات التهديدات الجوية في وقت واحد، بفضل دمج تقنيات مع التعلم الآلي والقدرة على كشف أهداف متعددة وتحديدها وتعقبها في بيئات معقدة للغاية.

 

في ضوء هذه التطورات، يتّضح أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد أداة علمية للابتكار أو التقدّم الأكاديمي فحسب، بل تحوّل إلى عنصر حاسم في المعادلات الجيوسياسية والعسكرية. استهداف معهد “وايزمان” لم يكن مجرد ضربة رمزية، بل رسالة مباشرة إلى قلب “دماغ إسرائيل التكنولوجي”.