ذكاء خالٍ من الأخطاء… لا يعبر عنّا

تخيّل أن روبوتاً ينجح في اجتياز اختبار جامعي في المنطق أو الفيزياء بدقة لافتة، ثم في سؤال بسيط يُخطئ بطريقة لا تُصدق! هل هذا ذكاء حقيقي أم مجرد مظهر ذكاء بلا وعي؟ هذا النوع من التناقض أصبح مألوفًا مع تطور الذكاء الاصطناعي، وأعاد طرح السؤال القديم بشكل جديد: هل أصبح الذكاء الاصطناعي يُضاهي الذكاء البشري أم يتفوق عليه؟
لكن المشكلة ليست في الذكاء الاصطناعي ذاته، بل في ما نعنيه بكلمة “ذكي”. فحين نحتفي بقدرة نماذج لغوية مثل “تشات جي بي تي” على التحليل أو الإبداع، ثم نستنكر “هلوساتها”، ننسى أن البشر أنفسهم يخطئون بالطريقة ذاتها، فنقفز إلى استنتاجات خاطئة، أو نخطئ في العدّ، أو نخلط بين الاحتمال والمنطق. نحن لا نعيش بعقل مثالي.
هذه الآلات، رغم سرعتها وكفاءتها، تعكس أحياناً نفس العيوب والانحيازات التي نحملها نحن. فهي لا تولّد معلومات خاطئة لأنها “معطّلة”، بل لأن منطقها –مثل منطقنا– يعتمد على الأنماط، وليس على فهم كامل ودقيق للواقع.
هذه الأخطاء ليست دليلاً على الغباء، بل قد تكون دليلاً على “الطبيعة البشرية” للذكاء. فإذا كانت الآلة ترتكب أخطاء تشبه أخطاءنا، فلربما اقتربت منّا أكثر مما نحبّ أن نعترف.
الذكاء لم يكن يوماً مجرّد نتائج دقيقة في الرياضيات أو طلاقة في اللغة. هناك الذكاء العاطفي، والحركي، والبصري، وكلها لا تزال خارج نطاق الآلة –حتى الآن على الأقل. لذا، المقارنة المباشرة بين عقل الإنسان والآلة لا معنى لها، ما لم نُعرّف “الذكاء” بوضوح.
اللافت أن عبارة تلخّص هذا الجدل قيلت عام 1957 على لسان العالم هربرت سايمون: “هناك آلات تفكّر، وتتعلّم، وتُبدع”.
منذ ذلك الحين، لم تتغير الأسئلة كثيراً… لكن الآلات تغيرت كثيراً.