خولة الشحي: بين عالم الأسماك، التصوير، وذكريات الماضي

في قلب الصحراء الإماراتية، وُلد شغف بالماء. من على سفوح الجبال حيث تنبت ذاكرة الطفولة، إلى أعماق البحار حيث تسكن القصص، اختارت خولة الشحّي أن تنتمي… لا إلى الأرض، بل إلى العمق.
كلّ نهاية اسبوع أنزل أربع غوصات… هذه زيارات أرحام”، تقول خولة لـ “النهار؛ الغوص عندها ليس هواية، ولا رياضة، بل فعل انتماء.
بدأت الحكاية في زنجبار هناك، سقطت أول نقطة عشق، وغاصت خولة، لا في البحر فحسب، بل في حياة جديدة. بين الكاميرا، والزعانف، والأسماك التي تدافع عن أعشاشها كما لو أنها تدافع عن وطن، بدأت تتكوّن خريطة داخلية لهوية لم تكن تعرف أنها تسكنها. وذكرت أن “سمكة تشبه المهرج كانت تضربني”، تضحك خولة.
اليوم، خولة غواصة محترفة، مدرِّبة معتمدة، ومؤسِّسة لأول خط إنتاج إماراتي خاص ببدلات الغوص. وتقول: “من اليابان لتايوان لإندونيسيا، كنت أتنقّل لأصنع شيئاً يشبهني”.
بعيدة عن النمط التقليدي، لا تحب خولة فكرة تحويل الغوص إلى إنجاز استثنائي لمجرد أنها امرأة. الدعم الذي تتلقّاه من القيادة الرشيدة ومن عائلتها ومجتمعها بات وقودًا لمغامراتها.
من أبو ظبي إلى موريشيوس، مرّت بمواقف صعبة وتحديات كبيرة وفاجأتها حيتان في الأعماق. لكنها تقول إنها تقف أمامها بانبهار لا خوف، فـ”هذا إبداع الخالق في ما خلق”. وتستعرض صورًا أشبه بمُلصق إعلاني لأفلام وثائقية، مشاهد من عالم موازٍ.
وفي ذلك العالم، للمرأة مكان أيضًا. تقول خولة إنها لا تغوص فقط من أجل التصوير، بل لتوثيق الحياة، لتعليم الأطفال، ولتقول إنّ البحر لا يفرق بين رجل وامرأة، بل بين من يهب نفسه له، ومن لا يفهم لغته.
“الناس يسألونني: ليش تتعبي نفسك؟ أقول لهم: هذه راحتي”.
خولة التي تستيقظ في الرابعة صباحًا، تقود من أبو ظبي إلى الفجيرة، ترتدي بدلة الغوص، وتحمل معداتها على كتفها، لا تسعى إلى لفت الأنظار. هي فقط تبحث عن لحظة اندماج مع كائن بحري، أو عن لون لا تراه العيون على اليابسة.
مشروعها المقبل؟ رحلة استكشاف لحطام سفن في الخليج، مواقع لا يعرف عنها الكثير، لكنها موثقة في خرائطها الخاصة، وستغوص إليها قريبًا بعدسة الكاميرا وفضول الباحثة.
في نهاية الحديث، تقول لـ “النهار” إنها لم تنشر بعد مقاطعها المصوّرة، رغم كثرتها. “كل يوم أقول بنزّلهم، بسّ أقول لنفسي عادي، ستُعرض في الوقت المحدد لها”، ثم تضحك بتواضع.
ربما لا تعلم، لكن خولة لا تغوص فقط في البحر. هي تغوص في الوعي، في الصورة النمطية، في الخوف، ثم تخرج إلى السطح محمّلة بالحياة.
حب خولة للبحر بدأ منذ الطفولة، حين كانت ترافق والدها في رحلات الصيد، فتكوّن ارتباط عاطفي عميق مع المحيط. لم يكن شغفها مجرد هواية، بل أسلوب حياة أثّر في اختياراتها المهنية وتعاملها مع التحديات.
وعن نقطة التحول، تذكر أن رحلتها إلى زنجبار كانت بمثابة بداية جديدة، إذ رأت هناك عالمًا بحريًا لم تكن تتخيله. التجربة كانت قوية وعميقة، دفعتها لاحتراف الغوص عن قناعة.
تتحدث خولة عن أحد أبرز التحديات التي واجهتها أثناء الغوص، وهو تدريب الغوص الحر الذي تطلب تركيزًا شديدًا. شعرت حينها بالقلق والشك في قدرتها، لكنها تجاوزت ذلك بالإصرار والهدوء، وحققت لاحقًا رقمًا وطنيًا كأول إماراتية تخوض هذا النوع من التحدي.
وترى أن الغوص يجمع ما بين الشجاعة والتركيز، وتقول إنها تتعامل مع الضغط تحت الماء عبر تقنيات التنفس والتأمل، مضيفة أن ثقتها برب العالمين تعزّز إحساسها بالأمان.
الغوص، بالنسبة لها، هو نوع من التأمّل والصفاء الذهني، ويمنحها حالة من الهدوء والتركيز حتى على اليابسة، ويزيد من وعيها بجسدها وتنفّسها.
في ما يخصّ التصوير، تذكر خولة لحظة مذهلة حين التقطت صورة لأخطبوط يغيّر لونه بالكامل أمام عينيها “. تؤمن بأن الصور قادرة على تغيير نظرة الناس ودفعهم لحماية البيئة البحرية. وترى أن الحفاظ على المحيطات مسؤولية تبدأ من الفرد، عبر خطوات بسيطة كتقليل استخدام البلاستيك والمشاركة في حملات التنظيف، مشددة على أهمية التوعية من خلال الإعلام والمدارس.
ورغم صعوبة التوفيق بين عملها كمدربة وحياتها الشخصية، فإنها تعتمد على التخطيط المسبق وتحديد الأولويات، وتستمد طاقتها من شغفها.
أما عن طموحها في دخول موسوعة غينيس، فتقول إن الهدف ليس اللقب فقط، بل إيصال رسالة مفادها أن المرأة الإماراتية قادرة على كسر الحواجز. وتعمل بخطوات مدروسة وتدريب مستمر لتحقيق هذا الهدف.
واختتمت رسالتها للنساء الشابات: “لا تدعن أحدًا يحدد لكنّ ما يمكنكن تحقيقه. آمني بنفسك، واعملي بجد، وكوني فخورة بكل خطوة تخطينها نحو شغفك“