إبعاد قادة ‘حماس’ من غزة… هل تؤدي الحرب الإسرائيلية – الإيرانية إلى نهايتها؟

أبدى أخيراً عدد من قادة “حماس” البارزين للمبعوثين الأميركيين، عبر وسطاء في دولة قطر، أنها قد تكون مستعدة لقبول ترحيل محدود لقادتها العسكريين وبعض عناصرها من قطاع غزة. ونقلوا استعداد “حماس” لمناقشة هدنة طويلة الأمد و”ترتيبات أمنية” لما بعد الحرب، وتسليم المهمات الإدارية إلى هيئة حكم أخرى. إلا أنهم امتنعوا عن استخدام مصطلح “نزع السلاح”. وإذا تبنى المكتب السياسي لـ”حماس” هذا الموقف التفاوضي المحتمل والجديد فيكون ذلك أفضل طريق للخروج من المأزق الحالي، الأمر الذي يمهّد الطريق لإنهاء الحرب بوساطة أميركية والإفراج عن الرهائن المتبقين. ولكن ليس مؤكداً أن تقبل قيادة “حماس” الموجودة في قطاع غزة الرسائل المتلقاة من قادة يقيمون في قطر كسياسة عامة. إذ يعكس الاقتراح حتى الآن وعياً متزايداً من “حماس” بضرورة تقديمها تنازلات مهمة إذا كان إنهاء القتال أولويتها الحقيقية. فقادتها يدركون جيداً أن عملية “عربات جدعون” الإسرائيلية مارست ضغوطاً شديدة أخيراً، وتسبّب ذلك بقتل كل قادة الحركة البارزين في جنوب غزة وعشرات العناصر الأخرى. ويفهمون أنه حتى لو كان نتنياهو مستعداً للنظر في هدنة ممتدة في مقابل عودة الرهائن كلهم أو ما تبقى منهم أحياءً وأمواتاً، فإن مجلس وزرائه الأمني سيطالب بأكثر من ذلك. إذ لا يزال أعضاؤه الرئيسيون ملتزمين هدف سحق القوات العسكرية لـ”حماس” وإزالتها من المنطقة.
وما يجوز ذكره حالياً، استناداً إلى باحث جدي في مركز أبحاث أميركي مهم، هو أن قضية الترحيل ونزع السلاح أثيرت تكراراً خلال أشهر المفاوضات العديدة التي أجراها وسطاء مصريون وقطريون. ورغم ذلك رفض خليل الحية وفريق “حماس” المفاوض بشدة الفكرتين. يبدو أن المسؤولين العرب لم يضغطوا عليهم بما يكفي لتغيير آرائهم. وليس معروفا إذا كانت القضايا المذكورة أعلاه قد أُثيرت في القناة المباشرة والأكثر حداثةً للجماعة مع إدارة ترامب.
في أي حال، يبدو أن جزءاً من قيادة “حماس” مستعدٌ لتليين موقفه من نفي قادة من الجناح العسكري للحركة، أي كتائب عزالدين القسام، لكنهم أقل استعداداً لالتزام أي خطط لنزع السلاح. ووفقاً لمصادر فلسطينية، فإن مسودة الاتفاق الأخير المقدمة من الوسطاء بمباركة واشنطن تدعو “حماس” إلى تخوين أسلحتها الثقيلة. وستخضع هذه العملية لإشراف السلطة الفلسطينية ومراقبين من دول ستساعد هيئة الحكم الجديدة في غزة.
هل من سوابق للترحيل المشار إليه أعلاه؟ قبلت الجماعات المسلحة الفلسطينية فكرة الطرد في الماضي. أبرز مثال على ذلك مغادرة ياسر عرفات بيروت عام 1982 مع 8500 من مقاتليه بعد تفاوض أجراه مبعوث أميركا فيليب حبيب، علماً أنه عاد إليها، ولكن ما لبث أن رحّل منها. وحصلت عمليات ترحيل طوعية في العقود التالية. وفي حالات أخرى رُحّلت عشرات من عناصر “حماس” من المستويين العالي والمتوسط المدانيين من محاكم إسرائيلية. وصار المنفيون لاحقاً شخصيات رئيسية في “حماس” و”الجهاد الإسلامي” في الدوحة وبيروت واسطنبول ودمشق، حتى إن بعضهم عاد إلى غزة وسعى فيها إلى تنظيم هجمات في الضفة الغربية.
أطفال في غزة (أ ف ب).
هل من دور للحكومات العربية في هذا الموضوع؟ اقترح بعضها رسمياً وأحياناً على نحو غير رسمي خططاً لغزة ما بعد الحرب، مثل السعودية والإمارات ومصر والأردن والسلطة الفلسطينية. كان تصوّرهم يقضي بنزع سلاح “حماس” وحلفائها الإرهابيين وإنشاء لجنة تكنوقراط تدير القطاع وتسهّل تدفق الأموال لإعادة بنائه. ولكن حتى الآن امتنعت غالبية الحكومات العربية عن دعوة “حماس” علناً إلى تسليم أسلحتها. وحده رئيس السلطة محمود عباس فعل ذلك. أما “حماس” فكانت متحمسّة نوعاً ما للتخلي عن مسؤولياتها المدنية في غزة، لكنها تجنّبت مناقشة نزع السلاح. وبدا واضحاً أنها تسعى إلى نسخ تجربة “حزب الله” في لبنان، أي البقاء قوة عسكرية على الأرض، وترك الحكم لآخرين، مع تقديم خدمات لهم. لكنها وصلت إلى نقطة لم تعد قادرة فيها على تجاهل الضغط لاستكشاف آليات نزع السلاح. فهذه أولوية إسرائيل القصوى. أما أولوية “حماس” فهي الاحتفاظ بأكبر قدر من ترسانتها العسكرية والاعتماد على ضعف أي إدارة مستقبلية في غزة لضمان استمرار سيطرتها على الأرض.
في النهاية، يقول الباحث الأميركي نفسه: لا يزال هناك سؤال حاسم من دون جواب: إلى أين يذهب قادة “حماس”؟ لن توافق مصر والأردن ودول الخليج على استقبالهم. ولم يعد لبنان وسوريا مستعدين لقبولهم. ولا يترك ذلك إلا إيران والجزائر وقطر وليبيا وتونس وتركيا وحتى ماليزيا البعيدة. علماً أن إيجاد دولة أو دول مستعدة لاستضافة هؤلاء أمرٌ ضروري ولا مفر منه.
هل يبقى الوارد أعلاه قابلاً للتطبيق بعد التفاهم عليه بين الأطراف المعنيين مثل إسرائيل و”حماس” والدول العربية المعنية كما الدول الغربية؟ الواقع الراهن الذي نشأ بعد شن إسرائيل حرباً مفاجئة على إيران الإسلامية قبل أيام معدودة أعاد قضية غزة و”حماس” وصراعهما مع إسرائيل نتنياهو إلى الوراء كثيراً، وربما أعاد القضية الفلسطينية كلها إلى دائرة عدم الاهتمام. فالحرب العسكرية لإسرائيل على إيران التي بدأت قبل أيام والرد العسكري القاسي الذي ردّت به إيران عليها بعد ذهاب مفعول التغاضي الذي سببته للقيادة كلها في طهران، وضعت مصير الشرق الأوسط كله على المحك. إذ صار الهدف عند القوى الكبرى في العالم وقف الحرب المدمرة للدولتين والإفادة من ذلك لاستئناف التفاوض النووي بين واشنطن وطهران وربما لاحقاً للبحث الجدي في وضع أسس عميقة وجدية لاستقرار الشرق الأوسط. هذا ما يسمّيه البعض نظاماً إقليمياً جدياً في المنطقة. طبعاً فاجأت إسرائيل إيران بالضربة الأولى وبقدرتها على تحقيق “انتصارات” مهمة فيها عليها، لكن ردّ إيران عليها بعد انتهاء صدمة المفاجأة بالحرب والخسائر المهمة التي ألحقتها بها كان مهماً وقوياً، ويتطور باستمرار. فهل تسمح أميركا له بالتحوّل أزمة مستعصية على الحل وسبباً لحروب إقليمية مستمرة تشارك فيها القوى الكبرى في العالم؟ أو تتحلى وإسرائيل بالعقل فتستجيبان لتحرّك أميركي مدعوم دولياً شرقاً وغرباً يكون هدفه وقف حربي إسرائيل على غزة وإيران وإرساء أُسس قيام شرق أوسط جديد مستقر بعد عقود كثيرة من الحروب بين إسرائيل ودولها وحتى بين دولهم؟ أو تتحوّل الحرب الدائرة حرباً “عالمية” بانضمام أميركا ترامب إلى إسرائيل فيها وروسيا والصين إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية؟