قلق أميركي بشأن اغتياله… من يهدد حياة أحمد الشرع؟

طوال أربعة عشر عاماً من الحرب السورية، أُعلن أكثر من مرة عن مقتل أو إصابة “أبي محمد الجولاني”، الاسم الذي استخدمه رئيس سوريا الانتقالي أحمد الشرع، في تلك المرحلة، نتيجة قصف غرفة عمليات أو موقع عسكري محصّن من قبل الطائرات الروسية أو السورية في معظم الحالات. ومع ذلك، لم تُسجّل أي محاولة اغتيال مباشرة بحق الشرع، على الرغم من كثرة أعدائه، وتوزّعهم بين دول وجماعات جهادية متطرفة.
ويقول مصدر سوري رفيع شغل منصباً أمنياً خلال سنوات الحرب حتى عام 2020، لـ”النهار”، إنّ “أحد الأجهزة الأمنية السورية اقترب كثيراً من اعتقال الجولاني في خريف عام 2011، وذلك قبل أشهر من إعلانه الرسمي عن جبهة النصرة عبر أول تسجيل صوتي”.
ويوضح المصدر، الذي أشرف على عملية المداهمة، أن عناصره داهموا مقراً في مخيم اليرموك كان فيه الجولاني مع عدد من عناصر “النصرة”، حيث أُلقي القبض على اثنين منهم، بينما “تمكّن الجولاني من الفرار”.
ويضيف: “هرب الجولاني، لكن جهاز اللابتوب الخاص به وقع بين أيدينا. وقد استخدمته لاحقاً في عملي لأنه كان أحدث من جهازي”.
كانت تلك المرة الأولى والأخيرة التي اقتربت فيها دورية سورية من الجولاني إلى هذا الحد. ويؤكد المصدر أنه “بعد مغادرة الجولاني دمشق بفترة قصيرة توقّف الجهاز عن ملاحقته، إذ لم يكن في ذلك الحين مصنّفاً كتهديد جدي للنظام، نظراً إلى أنّ جبهة النصرة لم تكن قد تبنّت أي عملية بعد”.
يصعب تصديق أن الإجراءات الأمنية التي اتخذها الشرع كانت كفيلة وحدها بحمايته من الاغتيال، لا سيما أنه كان في فترات معيّنة ملاحقاً من الولايات المتحدة وروسيا وسوريا وتنظيم “داعش”، كما دخل في صراعات مع عدد من الفصائل المسلحة.
وتزداد علامات الاستفهام بالنظر إلى الاغتيالات الناجحة التي نفذتها هذه الأطراف، مثل اغتيال كامل “مجموعة خراسان” من قبل واشنطن، وزهران علوش من قبل موسكو، وأبي خالد السوري من قبل “داعش”، فضلاً عن عشرات وربما مئات العمليات المشابهة خلال سنوات الحرب.
ولا تفسير واضحاً لنجاة الشرع سوى أن تعقيد الصراع وتعدّد أطرافه ربما أفرز قواسم مشتركة ضمنية، أو فرض أولويات عليا دفعت بعض الفاعلين الدوليين والإقليميين إلى غضّ الطرف عن تحييد بعض الشخصيات، إذا ما أدّت دوراً وظيفياً في خدمة تلك الأولويات، وعلى رأسها محاربة “داعش”.
والفصائل التي أدركت أهمية الأدوار الوظيفية واستطاعت التأقلم معها هي التي وصلت إلى “مؤتمر النصر”، بينما اختفت أخرى كثيرة لأنها لم تواكب هذه التحولات.
من هنا، جاءت تصريحات توم براك، مبعوث أميركا إلى سوريا وسفيرها في أنقرة، عن وجود مخاوف من احتمال تعرّض الشرع للاغتيال على يد جماعات متطرفة، بمثابة صدمة للرأي العام السوري، الذي كان يظن أن الغطاءين الدولي والإقليمي اللذين حظيت بهما الإدارة الجديدة كفيلان بإغلاق ملف الاغتيالات السياسية والعسكرية.
وإذا ما قورنت هذه التصريحات بتلك التي صدرت عن وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو في جلسة استماع أمام مجلس الشيوخ في أيار/مايو الماضي، والتي قال فيها إن “السلطة الانتقالية على وشك الانهيار خلال أسابيع”، يمكن اعتبار كلام براك امتداداً لخطاب تحفيزي يُراد منه تبرير خطوات الانفتاح المتزايدة من إدارة ترامب تجاه دمشق، على الرغم من خلفية الشرع وتاريخه.
لكن، في ضوء بعض المؤشرات الداخلية قد تكون لتصريحات المبعوث الأميركي أبعاد أخرى أكثر خطورة. ومن بين المؤشرات امتناع الشرع للمرة الثانية عن أداء صلاة العيد في أحد المساجد الدمشقية الكبرى، مفضّلاً الصلاة في مصلى مستحدث داخل القصر الجمهوري، في سابقة لم تشهدها البلاد من قبل. وقد راجت تكهّنات بأن الدافع وراء هذا القرار يعود إلى مخاوف أمنية جدّية.
وتتداول أوساط أمنية سورية معلومات غير مؤكدة عن اختراق أمني في دمشق، تمثّل في تموضع خلايا لتنظيمات معادية للشرع، على رأسها “داعش” وتنظيمات أخرى حديثة النشأة، في ضواحي العاصمة وبعض أحيائها.
وبموازاة ذلك، برزت في الآونة الأخيرة فتاوى صادرة عن أكثر من تنظيم جهادي تُكفّر الشرع وتعتبره مرتداً بسبب عدم تطبيق الشريعة، وأبرز هذه التنظيمات “داعش”، “أنصار السنّة”، و”بركان الفرات”.
وفي بيان صدر في 28 أيار/مايو، أشار رامي مخلوف، رجل الأعمال السوري وابن خال الرئيس السابق بشار الأسد، إلى أن حزيران/يونيو سيكون “شهر التحولات”، مضيفاً أن “الشهر السابع سيشهد أحداثاً كبرى، تبدأ باختفاء شخصية كبيرة المكان، صغيرة المكانة”.
ولا يمكن أيضاً إغفال ما قد تشكّله بعض الميليشيات الإيرانية والفلسطينية والمجموعات الحزبية السورية ذات الطابع القومي من خطر على حياة الشرع.
ومع ذلك، يرى بعض المراقبين أنه لا ينبغي حصر تصريحات براك في سياق التهديد الأمني فقط، بل من المهم النظر إلى خلفياتها السياسية أيضاً. فالكثيرون يرون فيها مؤشراً واضحاً على رغبة الولايات المتحدة في تكريس نفوذها في سوريا من بوابة “الحماية مقابل الشرعية”، وأن التصريحات تنطوي على رسالة مبطّنة مفادها: “سلامة الشرع مضمونة برعايتنا، لكنها قد تصبح مهدّدة إن لم تتم تلبية توقعاتنا”.