قافلة الثبات: معاني جديدة للمواطنة العربية

صبري الرابحي – تونس
إنطلقت من العاصمة التونسية تونس صباح الاثنين القافلة البرية الأولى من نوعها نحو الأراضي الفلسطينية.
هذه القافلة التي تتماهى في اسمها مع ما يظهره شعبنا في فلسطين، تشكل لوحدها فصلاً مهماً من المقاومة المواطنية التي بدأت تتشكّل في عدد من الشوارع العربية بعد عملية طوفان الأقصى.
قافلة المواطنين والنشطاء:
برزت فكرة تنظيم قافلة لكسر الحصار على غزة داخل دوائر تنسيقية العمل المشترك من أجل فلسطين وهي تنسيقية جمعت حولها عدداً من المواطنين ونشطاء المجتمع المدني والمنظمات والأحزاب السياسية.
وإن كانت التنسيقية لا تنطوي على أي شكل للعمل السياسي فإنها تتقاطع مع عدد كبير من الأحزاب التقدمية المتراوحة بين اليسار الكلاسيكي والتنظيمات القومية والمنظمات الوطنية كالاتحاد العام التونسي للشغل والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، إضافة إلى عديد المنظمات الشبابية وعلى رأسها التنظيمات الطلابية داخل الاتحاد العام لطلبة تونس وهم في المجمل جيلان من التونسيين فرقتهم بعض أوجه الحياة وجمعهم حبهم لفلسطين كما يفعل كل مرة.
تضم هذه القافلة قرابة 1500 مشارك، تلقوا تدريبات على الإسعافات الأولية وأنشأوا سريعاً مجموعات عمل للتغطية الإعلامية لمسيرة القافلة وتمكين المتابعين من مواكبة تحركاتها لحظة بلحظة إضافة إلى عمل تنظيمي ميداني بالغ الأهمية حول مسار القافلة وانسيابية مرورها عبر الحدود والمدن.
الاستقبال الجماهيري للقافلة:
منذ انطلاقها تجمهر مئات الأشخاص في شارع محمد الخامس في قلب العاصمة التونسية تونس لتوديع المشاركين في القافلة وتحميلهم سلامات تونس التي احتضنت القضية الفلسطينية في ثمانينيات القرن الماضي ممثلة في منظمة التحرير الفلسطينية.
حمّلوا المشاركين أيضاً آمالهم في أن تنجح القافلة في كسر الحصار على غزة وطرق أبواب الأراضي التاريخية للفلسطينيين وربما استفزاز العروبة التي قسمتها الحدود الإقليمية التي تروم قافلة الصمود قطعها.
اللافت في الأمر هو الاستقبال الجماهيري الذي حظيت به القافلة في محطات توقفها في عدة محافظات تونسية لتجميع المشاركين.
مدن بعينها مثل سوسة، صفاقس، قابس ومدنين أثبت المشهد بتداخل الأجواء الاحتفالية وحماسية لقاء التونسيين بتونسيين آخرين يحملون رسالتهم إلى فلسطين.
هذه الهبّة الجماهيرية التي كان التونسيون قد نسوها لبرهة من الزمن أعادت اليوم “أمّ القوافل” إذكاءها مذكّرة بثوابت شعبية لا تنازل عنها منذ سنوات.
الهدف والرسالة:
تكمن أهمية تنظيم هذه القافلة في توجيه الأنظار نحو الأوضاع في غزة، فالحرب والدمار والتجويع جميعها شكلت العنوان الأبرز للوضع الإنساني هناك.
وبالرغم من محاولات عدة لكسر الحصار عبر السفن وآخرها سفينة “مادلين” التي احتجزها الكومندوس البحري الإسرائيلي، لم تنجح جميعها في تحقيق هدفها الأساسي وهو التلاحم مع الشعب الفلسطيني وتصوير الأوضاع هناك بعيون النشطاء المدنيين.
غير أن قافلة الصمود وإن كانت طريقتها في التحرّك عبر البرّ تعتبر طريقة مبتدعة، فإن مجرّد تنظيمها وتسليط الضوء عليها، بل وتحولها إلى حدث وطني في تونس يعتبر في حد ذاته نجاحاً لها منذ تقدمها بثبات نحو كسر الحدود الاقليمية كبداية والوصول إلى معبر رفح في النهاية.
إحدى أهم الرسائل التي اطلقتها “قافلة الصمود” هي التدليل على أن الوعي المواطني العربي مازال في علياء انحيازه للحق الفلسطيني وأن كلّ محاولات تدجينه وإفراغ القضية من جوهرها على امتداد سنوات قد فشلت فشلاً ذريعاً.
اليوم قافلة الصمود كتعبير شعبي فريد أسست لنهج مواطني جديد تُحرج فيه المواطنة العربية أنظمتها الرسمية وتُعرّي فشل كل مشاريع الاستيطان الفكري التي تلت الاستيطان الميداني وتثبت أكثر من أي وقت مضى أن انفصال الشعوب عن مشاريع قياداتها أصبح أمراً واقعاً وأن التطبيع بكل وجوهه لم يتحوّل بعد إلى وجهة نظر.